إنه حلم جميل يداعب جفون كل رياضي، وهو الوصول إلى منصة التتويج أثناء فعاليات الألعاب الأولمبية، حيث يرتفع علم الدولة، وتعزف الموسيقى السلامَ الوطني، وتمنح الميداليات الذهبية لأفضل رياضيي العالم ، ولكن يبدو أن هذه الصورة الجميلة لا تخلو من سلبيات، فمنذ انطلاق الألعاب الأولمبية مع مطلع هذا القرن، كانت ولا زالت مشكلة تعاطي الرياضيين للعقاقير المنشطة أو إفساد روح الرياضة مع المنشطات ، هي المشكلة الرئيسية التي تواجه القائمين على الأنشطة الرياضية، وتأتي على رأس قائمة هذه العقاقير المنشطة، هرمونات النمو والبناء، وكذلك هرمون النمو (GH) بالإضافة إلى الهرمون المكون لكرات الدم الحمراء (Erythropoeitin) وكذلك مضادات مستقبلات بيتا(B- BLOCKERS)، بالإضافة إلى منشطات الجهاز العصبي ومدرات البول وتقوم هذه الهرمونات بالتحكم في العديد من الوظائف الحيوية بجسم الإنسان.

لعبة الهرمونات !!

  1. هرمونات البناء Anabolic Steroids:

    وهي هرمونات تشبه هرمون التستوستيرون (Testosterone) وهو هرمون يفرز من الخصية، وكذلك من المبيض ولكن بكمية أقل بكثير، ونظرًا لتأثير هذه الهرمونات على نمو عضلات جسم الإنسان، فإن ارتفاع نسبة هذه الهرمونات في الدم يمكن أن يساعد الرياضيين على الأداء بقوة وكفاءة في شتى الألعاب الرياضية، كذلك تساعد هذه الهرمونات على سرعة إعادة تأهيل الرياضيين عقب الإصابة، ولكن أكبر مشكلة تواجه تعاطي مثل هذه الهرمونات خاصة في النساء، هي زيادة شعر الجسم وخشونة الصوت، وللتغلب على مثل هذه الأعراض الجانبية، قام العلماء بتخليق العديد من المركبات والتي لها تأثير محفز للنمو، بدون تأثيرات جانبية.

    ومن هذه المركبات عقارا أندروستنيديون وناندروبون،والأول استخدم بكثرة بواسطة السباحين الألمان الشرقيين وغيرهم أثناء الدورات الأوليمبية في السبعينيات والثمانينيات، الجدير بالذكر أن العقار الأول  Androstenedione تمَّ حظر استخدامه على الرياضيين ابتداء من عام 1997م بواسطة الهيئة الأوليمبية الدولية، إلا أنه مسموح به بواسطة بعض الهيئات الأخرى مثل اتحاد لعبة البيسبول الأمريكي.

    كذلك تمَّ تحريم تعاطي العقار الثاني  Nandropone مثله مثل عقار أندروستينيديون، ومن أشهر الحوادث الرياضية المتعلقة بعقار الناندروبون هو اكتشاف هذا العقار في بول العداء البريطاني الشهير والحائز على الميدالية الذهبية لينفورد كريستي في عام 1999م.

    والإفراط في تعاطي مثل هذه الهرمونات والمنشطات أثناء ممارسة الرياضة قد يؤدي إلى أعراض جانبية مثل ارتفاع ضغط الدم وحب الشباب، واضطرابات في الدورة الشهرية للنساء، وكذلك نقص في عدد الحيوانات المنوية للرجال، بالإضافة إلى مضاعفات خطيرة مثل أمراض القلب والفشل الكلوي، هذا بالإضافة إلى العقم في الرجال والنساء على السواء.

  2. هرمون النمو (GH):

    يلعب هرمون النمو دورًا كبيرًا في نمو الجسم وتحديدًا العظام أثناء فترة البلوغ، بالإضافة إلى تحفيز إنتاج الكولاجين والذي يساعد على تقوية الغضاريف والعظام والأوتار والأربطة، هذا بالإضافة إلى أنه يساعد على زيادة إنتاج كرات الدم الحمراء وتوفير الطاقة عن طريق حرق الدهون، من هذا نرى أهمية هذا الهرمون للرياضيين، مما يدفع العديد لسوء استخدامه أثناء الأنشطة الرياضية المختلفة.

    على الرغم من الصورة الجميلة التي تسعى الشركات المنتجة لعقار هرمون النمو بأنه الحل السحري للعديد من المشاكل مثل تجاعيد الوجه، إعادة الشباب والحيوية للجسم، استعادت النشاط الحيوي، إلا أن مخاطر استخدامه عديدة، مثل مرض السكر، هذا بالإضافة إلى أن تعاطي هذا الهرمون بكثرة بعد البلوغ يؤدي إلى ما يعرف بمرض عظم الأطراف Acromegaly وهو مرض يؤدي إلى زيادة نمو الأطراف، الأنف، الشفاه، الفك والجبهة. كذلك زيادة حجم أصابع اليد والقدمين وعادة ما يموت المرضى قبل بلوغ سن الأربعين.

  3. هرمون الـ Erythropoietin:

    ومن أوضح أمثلة تضرر الرياضة من المنشطات ظهور أول حادثة تعاطي لهذا الهرمون في عام 1998م أثناء إقامة المسابقة الدولية للدراجات (Tow de France)، حيث تم استبعاد إحدى الفرق المشاركة بعد ثبوت تعاطي اللاعبين لهذا الهرمون.

    ويصنع ذلك الهرمون داخل الكلى، ويعمل على زيادة إنتاج كرات الدم الحمراء من نخاع العظام كذلك يقوم بتنظيم عدد كرات الدم الحمراء ونسبة الهيموجلوبين بالدم، ومن هنا يتضح الدور الحيوي لهذا الهرمون، حيث إنه يساعد الرياضيين على زيادة نشاطهم عن طريق زيادة نسبة الأكسجين في الدم.

    وتكمن خطورة سوء استخدام هذا الهرمون بواسطة الرياضيين في زيادة عدد كرات الدم الحمراء، مما قد يؤدي لزيادة تجلط الدم بالإضافة إلى زيادة مخاطر الإصابة بالأزمات القلبية، الجدير بالذكر أن هذا الهرمون قد تسبب في وفاة العديد من الرياضيين في الآونة الأخيرة.

الكشف عن المنشطات!!

تُعَدُّ عملية الكشف عن تضرر الرياضة من المنشطات من العمليات المعقدة، خاصة بعد التقدم العلمي المذهل في عمليات تصنيع الدواء، فكلما تقدمت وسائل الكشف عن هذه العقاقير، كلما تقدمت طرق إخفائها، بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة من هذه العقاقير هي هرمونات ينتجها الجسم البشري، مما يلقي بظلال كثيفة من الشك إذا ما كانت عملية الكشف إيجابية، وللتغلب على هذه المشكلة الأخيرة، تم تحديد مستوى ثابت لمحتوى الدم من هذه الهرمونات، فإذا أثبتت نتائج التحليل ارتفاع المحتوى عن هذا الحد، تم توجيه تهم التعاطي للمتسابق وتسحب منه الميدالية إذا كان فائزًا.

  1. الكشف عن هرمونات البناء (Anabolic Steroids):

    عادة ما يتم الكشف عن هذه الهرمونات في عينات البول بواسطة الـ Mass Spectroscopy، والمشكلة التي تواجه الكشف عن هذه الهرمونات هو صعوبة تحديد مستوى معين لمحتوى الدم من هذه الهرمونات، بحيث توجه تهمة التعاطي إذا زاد المستوى عن حد معين، نظرًا للتغيرات الطبيعية في مستوى هذه الهرمونات في الجسم والتي قد تختلف في الليل عن النهار، وكذلك قد تختلف من شخص لآخر.

    وللتغلب على مثل هذه المشكلة، قامت الهيئة الأوليمبية الدولية بتحديد نسبة تسمى بـ T/E وهي تركيز هرمون التسستروستيرون إلى هرمون يسمى Epitestosterone في بول الرياضيين، فإذا ما ارتفعت هذه النسبة فوق 6 كان الشخص متهمًا بالتعاطي.وقد واجهت هذا الاختبار بعض المشاكل، فعلى سبيل المثال اتهمت الإنجليزية ديان مودال بتعاطي هذه الهرمونات بعد أن بين التحليل لعينة البول وجود نسبة عالية من T/E، مما أدى إلى حرمانها من الاشتراك في المسابقات الدولية لمدة أربع سنوات، إلا أن التحقيق أثبت أن ارتفاع هذه النسبة كان نتيجة لتلوث بكتيري وليس بسبب التعاطي، كذلك هناك بعض الرياضيين وجد لديهم نسبة T/E أعلى من 6، وعلى النقيض يوجد أشخاص لديهم نسبة منخفضة من T/E وتظل هذه النسبة منخفضة حتى بعد تعاطي كميات إضافية من التستوستيرون، ويعكف العلماء حاليًا على تطوير طرق تحليل حديثة للتفريق بين التستوستيرون المنتج بواسطة الجسم وذلك الذي يتم تعاطيه، وذلك بواسطة استخدام نظائر الكربون المشع.

  2. الكشف عن هرمون النمو (GH):

    قام العلماء الأستراليون بابتكار طرق تحليل تعتمد على التعرف على بعض المركبات الناتجة عن هدم وتكسير هذا الهرمون بالجسم والتي يمكن التعرف عليها في الدم والبول، ولكنهم ما زالوا بصدد تطويرها على أمل أن يتم استخدامها في الدورة الأوليمبية في سيدني 2000م.

  3. الكشف عن هرمون الـ Erythropoietin:

    نتيجة لأن مستوى هذا الهرمون في الدم يتأرجح ارتفاعًا وهبوطًا، فإن عملية الكف عنه تُعَدُّ صعبة للغاية.يعتمد اختبار الكشف عن هرمون الـ Erythropoietin على الكشف عن عدد كرات الدم الحمراء التي تزيد في حالة زيادة نسبة الهرمون في الدم وهي كما نرى وسيلة غير دقيقة.هناك طريقة أخرى مباشرة لقياس مستوى الهرمون اعتمادًا على نوع من البروتين يسمى Transferrin، والذي يُعَدُّ كدلالة على وجود هذا الهرمون، هذا بالإضافة إلى تطوير طرق حديثة تعتمد على التفريق بين الهرمون المنتج بصورة طبيعية عن ذلك الذي يتم تعاطيه، يبقى أن نشير إلى ما يردده المؤرخون بأن استخدام العقاقير أثناء ممارسة الرياضة يرجع إلى بداية القرن الميلادي الأول؛ لذا فليس من المحتمل التغلب على هذه المشكلة بسهولة؛ لذا يرى بعض المراقبين أنه يجب رفع الحظر عن استخدام هذه العقاقير ويجب أن يتم استخدامها تحت مراقبة طبية دقيقة، وعلى الجانب الأخر هناك رأي آخر يعارض هذا الرأي ويرى تحريم استخدام مثل هذه العقاقير والمنشطات أثناء ممارسة الرياضة ، وبين هذا الرأي والرأي الآخر يبقى سباق العقاقير المنشطة على الساحة وهو سباق الفائز فيه هو أول الخاسرين.


حسام الدين عرفة  أستاذ الأدوية و السموم بكلية الصيدلة جامعة الأزهر.