الأخت الكريمة السائلة أم إبراهيم رعاها الله،
لكم سعدت حين وصلني سؤالك الإيمانيّ، وحمدت الله أن أمة الإسلام بخير، وأن هذا الدين محفوظٌ مهما عربد واستطار الشر وأهله، فإن دولة الباطل ساعة، وإن دولة الحق إلى قيام الساعة: “ولقد كتبنا في الزَّبور من بعد الذكر أنَّ الأرض يرثها عباديَ الصالحون”.
أختي الكريمة.. لكم نحن بمسيس الحاجة إلى تلكم الحلقات والجلسات الربانية، نجدد فيها إيماننا، ونطِّهر بها نفوسنا، ونجلو (الران) من على قلوبنا، لأنه إن صلح القلب صلحت الجوارح واستقامت الاعمال، وصدق من لاينطق عن الهوى حيث يقول: “ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”متفقٌ عليه.
والقلوب تتأثر بما حولها وما يرد إليها، وبما يتأتى لها ويتهيأ من عنايةٍ أو إهمال، والعناية بالقلوب إنما تتحقَّق بصقلها الدائم وتعهدها المستمر بما يزكو من أقوال وأفعال، وإهمال القلوب يؤدِّي إلى فسادها وخرابها ثم إلى تصحُّرها وتحجُّرها، وإلى ذلك كانت الإشارة القرآنية: “فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثيرٌ منهم فاسقون”، وقوله تعالى: “ثمَّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة”، كما كانت اللفتة الربانية: “بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون”.
فضل ذكر الله تعالى:
وذكر الله تعالى هو البلسم الناجع في عافية القلوب وشفائها، والطريق الأقوم لبلوغ طهرها وشفافيتها، وصدق الباري حيث يقول: “ألا بذكر الله تطمئن القلوب“، وذكر الله تعالى من شأنه أن يحصِّن المسلم من إلقاءات الشيطان ويسدَّ عليها المداخل إلى النفوس والقلوب، وإلى ذلك كانت اللفتة القرآنية: “إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكَّروا فإذا هم مبصرون”، كما كانت الإشارة النبوية في قوله ﷺ: “إذا ذكر الإنسانُ اللهَ خنس شيطانه وإذا غفل وسوس”رواه الحاكم، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وروى البخاريُّ نحوه.
مشروع منهجٍ عمليٍّ لحلقة ذكر:
ذاك عن فضل ذكر الله تعالى والذي يجدر بنا -كمسلمين- معرفته وإدراكه بين يدي التحضير والتهيوء لعقد (حلقةٍ إيمانية) موضوع السؤال.
أما عن المنهج المطلوب لحلقة الذكر هذه، فانني أقترح أن يتضمن الفقرات التالية:
– تلاوةً قرآنيةً حيَّةً وخاشعةً ومختارةً من كتاب الله تعالى، تتصل بموضوع التزكية والتربية والذكر، كسورة (المزمِّل) أو (المؤمنون) أو آيات عباد الرحمن في أواخر سورة (الفرقان)، والمقصود بالتلاوة الحيَّة أن نستشعر أننا معنيُّون بالخطاب القرآني (أحكاماً وأوصافاً وتذكيراً وأمراً ونهيا… الخ).. ولقد أُثِرَ عن الفيلسوف المسلم الشاعر محمد إقبال رحمه الله قوله أن أباه كان يدنو منه وهو يتلو كتاب الله تعالى ويقول: “يا بنيّ، اقرأ القرآن وكأنه عليك نَزَل”.
– الاجتهاد في (تدبِّـر) الآيات المقروءة، من خلال سبر أغوار معانيها، وإدراك أبعاد مراميها، ليتمَّ التفاعل وتتحقَّق الفائدة المرجوَّة، ونحوز بركة المبنى وثواب المعنى.
– الاتفاق على تخصيص نصيبٍ وافٍ من أوقاتكنَّ للتهليل والتكبير والتسبيح وسائر الرياضات القلبية التي تتصل بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ بذكر الله تعالى كالابتهال والاستغفار والحمد وغيرها، مما حفل به ميراث محمد بن عبد الله ﷺ.
فمن هذا الميراث قوله عليه السلام: “جدِّدوا إيمانكم”، قيل: يا رسول الله، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: “أكثروا من قول لا إله إلا الله“رواه الحاكم، وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وقوله: “التَّسبيح نصف الميزان، والحمد للَّه يملؤه، والتَّكبير يملأ ما بين السَّماء والأرض، والصَّوم نصف الصَّبر، والطَّهور نصف الإيمان”رواه الترمذيّ، وقال: هذا حديثٌ حسن، وقوله: “أحبُّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”رواه مسلم، وقوله: “كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم”متفقٌ عليه.
– تذكُّــر برازخ طريق القيامة ومشاهد الآخرة، كالموت، والقبر، والبعث، والحشر والنشر، والميزان، والصراط، والجنة والنار.. فعنه ﷺ قوله: “اذكروا هادم اللذَّات ومفرِّق الجماعات، فإنه يغنيكم عما سواه”رواه الطبرانيُّ في الكبير، وروى الحاكم نحوه، وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وعنه ﷺ قوله “القبر أوَّل منازل الآخرة، فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشدُّ منه”رواه الحاكم، وقال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
– تَناوُل واحدٍ من القَصص القرآنيّ، وتلمُّس العبر والدروس منه، عملاً بقوله تعالى: “لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألباب ما كان حديثاً يُفتَرَى ولكن تصديقَ الذي بين يديه وتفصيلَ كلِّ شيءٍ وهدىً ورحمةً لقوم يؤمنون”وصلى الله وسلم على رسوله الكريم، وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
الدكتور فتحي يكن