ياسر العيتي – 35 عامًا – سوريا
بعيدًا عنك يأخذني يقيني
فلا تبغي خداعي بالظنون
أنا في أفق إيماني طليق
وأنت هناك في درك المجون
أنا المجبول من نار ونور
وأنت غريزة جبلت بطيـن
دعيني يا فتاة الغرب إني
لغير الله لا أحني جبينـي
أنا الآساد ترهب من زئيري
فكيف الظبي يدنو من عريني
دعيني أحتسي شوقي ووجدي
وأرسل زفرتي بين الأنين
فؤادي لم يَعُد فيه مـكان
لحسن أو بـهاء أو فتـون
وبستاني غدا حقلاً جديبا
وأشجاري معراة الغصون
فقالت: هل قصدت بذاك أخرى؟
فقلت لها وقد فاضت شجوني
نعم أخرى تخالطني دمائي
وتسكن في الضلوع وفي الجفون
لها قلبي وألحاني وشعري
وشوقي والبديع مـن الفنـون
هي الزوج الوفي فلست أرضى
سواها أن تصافحها عيوني
ولا يغررك إن بعدت وبانت
فقد أسـكنتها حبـل الوتيـن
النقد والتعليق:
سامر سكيك – شاعر فلسطيني:
لا شك أننا أمام تجربة شعورية صادقة تعرض لها شاعرنا (ياسر) فترجمها إلى قصيدة عفوية تحمل رسالة هامة في طياتها.
لقد أثار الشاعر قصيدة بالغة الحساسية وهي مسألة ارتباط العربي بفتاة غربية، وتبعات ذلك وما تجره من إشكاليات، وربما يستطيع القارئ أن يستشف تفاصيل التجربة من خلال التمعن في استخلاص دلالات الصور والتراكيب المتلاحقة خلال النص.
القصيدة في مجملها تحمل نبرة خطابية حادة يبررها أن الشاعر في حالة نفسية متمردة، وانتقال نوعي من مرحلة عاطفية إلى أخرى في حياته.
نعود للقصيدة ونقول: لعلَّ القارئ يشعر بهذه الحدة من أول مقطع في القصيدة التي بدأها الشاعر بخطاب تلك الفتاة التي أحبها في يوم من الأيام صارخًا بحدة (بعيدًا عنك)، وربما أن هذه النتيجة جاءت مبكرة للغاية في القصيدة؛ ذلك لأن الدوافع خلف هذا التصريح لم تكن مطروحة بعدُ في القصيدة، وأتت النتيجة سابقة للأسباب، وأرى هنا بأن الشاعر قد وفِّق في ذلك أيما توفيق، حيث استطاع أن يجذب انتباه القارئ ويشده إلى القصيدة من البداية حتى آخر شطر فيها.
كما يحسب لك أخي الشاعر تمكنك التام من الوزن والقافية، فالوزن في مجمله سليم على بحر الوافر “مفاعلتن مفاعلتن فعولن” ولا يعيبه شيء، والإيقاع ذو البصمة الحزينة ينبعث من القافية النونية التي اختارها الشاعر والتي تثير في النفس الشجن، وهي مناسبة لجو النص الدرامي الحزين.
ولعلَّ الشاعر قد اعتمد في الأبيات الأولى من قصيدته هذه أكثر ما يكون على الصور المتقابلة لتوضيح فكرته، ومثال ذلك قوله “أنا في أفق إيماني طليق، وأنت هناك في درك المجون”، “أنا المجبول من نار ونور، وأنت غريزة جبلت بطين”.. ولكن مع ذلك فإن الشاعر قد أتى بتراكيب مبهمة الدلالة، وغير منسجمة مع السياق على الرغم من قوتها في مواطن أخرى، فلا أدري مثلاً سر قوله “إني لغير الله لا أحني جبيني” وعلاقتها بما قبلها، فهذه الجملة قد تكون متميزة جدًّا في الشعر الوطني مثلاً، ولكن شاعرنا لم يدعم هذا التعبير بما يسند دلالته التي أرادها.
وأيضًا أرى أن هناك أبياتًا عديدة زائدة وتدخل في دائرة الحشو في القصيدة، ولا تخدمها بقدر ما تفسد على القصيدة تماسكها، حيث تجد أن في القصيدة بعض الاضطراب في الرسالة التي يود الشاعر إيصالها للناس مثل قوله “أنا الآساد ترهب من زئيري، فكيف الظبي يدنو من عريني”، فالشاعر يبدو محتدًّا أكثر مما ينبغي تجاه قضية يفترض فيها أنها عاطفية تناقش بمنطق ووعي ومشاعر فياضة، أما التعبيرات والصياغات الزاعقة عالية النبرة فلا أجد لها محلاًّ هنا.
وأعتقد أن الشاعر أيضًا لم يوفق في الترتيب في البيت الذي يقول فيه:
“لها قلبي وألحاني وشعري، وشوقي والبديع من الفنون”، حيث جاءت كلمة شوقي في غير محلها، كون (الشوق) ليس من الفنون البديعة وإنما هو الشعر والألحان التي كان من الأولى أن تعطف مباشرة بـ (البديع من الفنون) دون فاصل.
ومن الواضح أن الصور في القصيدة جاءت بسيطة وتقليدية، ولم تشدني سوى صورة واحدة وقفت عندها مليًّا أستشف جمالياتها، وأبحر في عمقها الإيحائي، وأحيي شاعرنا على أدائه فيها حين يقول:
“دعيني أحتسي شوقي ووجدي، وأرسل زفرتي بين الأنين”.
وأخيرًا أهمس في أذن الشاعر قائلاً: “إنك تملك من أدوات الشعر ما يؤهلك لخوض غمار الشعر بثقة واقتدار بقصائد ذات أفكار أكثر حبكة وصياغة من قصيدتك هذه، وربما قد يعينك على ذلك القراءة الجادة المستفيضة في دواوين الشعر العربي العاطفي خاصة…”.
نرحب بك أخي.. ويسعدنا أن تتواصل معنا دائمًا.
اقرأ أيضا:
- السجين
- علموني كيف أحيا