الليكن Lichens أو ما يعرف عربيًّا باسم “الحزاز” أو “حزار الصخر” أو “شيبة العجوز” نبات يهوى اعتلاء الألواح الحجرية للقبور، ويهوى حزّ الصخور، قد تزدريه الأعين لهوانه، لكنه آية في تكوينه وآية في قدرته على التحمل وقدرته الفائقة على احتمال الحرارة الشديدة تمامًا كما يحتمل البرودة الشديدة.
نجده الحزاز في الأماكن الحارة يفترش الصخور والأسقف والحوائط بأبسطة متعددة الألوان تتدرج في ألوانها بين البرتقالي والأصفر، والرمادي والأسود، كما أنه يشكل غطاءً نباتيًّا في الكثير من مناطق العالم الباردة مثل الغابات الإسكندنافية وكندا في المناطق المتاخمة للقطب الشمالي، ويكون مصدراً غذائيًّا ومرعى مثاليًّا لحيوانات “الرّنة”.
أما وجه الغرابة في تكوين الحزاز فتأتي من تلك العلاقة التي تعد واحدة من أكثر العلاقات خصوصية في عالم النبات، أحد قطبي هذه العلاقة ينتمي إلى مملكة الفطريات Fungi التي تمثل أحد الممالك الرئيسية الخمس للكائنات الحية والتي يوجد منها 1,5 مليون نوع والتي تعيش إما متطفلة Parasitic أو مترممة Saprophytic، بينما ينتمي الآخر إلى الطحالب Algae التي تصنف على أنها من أوليات عالم النيات حيث إنها تستطيع تكوين نوع أولي من الكلوروفيل، ويتحد طرفا هذه العلاقة ليندمجا معًا في كائن واحد وهو “الليكن” أو “الحزّاز” الذي يختلف في هويته وفي سلوكه عن أي منهما على حدة، ونظراً للتوحد الشديد بين طرفي تلك العلاقة، لم يستطع علماء النبات في بادئ الأمر تمييز هذا الكائن إلى كائنين، مما حدا بهم إلى تصنيفه وتوصيفه كائنًا وحيد الهوية لفترات طويلة، إلا أنهم في نهاية المطاف وقفوا على حقيقة هذا الكائن باعتباره كائناً فريدًا مزدوج الشخصية.
الليكن: علاقة جدلية!!
وقد أثار الحزاز (الليكن Lichens) العديد من التساؤلات تدور في معظمها حول طبيعة العلاقة القائمة بين كائني الكائن -إذا جاز لنا القول- هل هي علاقة استغلال، تطفل Parasitism ؟ وإذا كانت كذلك؛ فمن هو المستغل؟ وبمعنى آخر من هو الطفيل Parasite ومن هو العائل Host هل هي علاقة تكافلية symbiosis حيث تتبادل بينهما المنفعة، وكيف يساهم كل طرف منهما في إفادة الطرف الآخر؟ ما حقيقة الدور الذي يلعبه كل طرف من طرفي هذه العلاقة لتوفير الغذاء؟!
للرد على كل هذه التساؤلات يجب علينا أن نعرف أن الفطر Fungus لا يحتوي على المادة الخضراء التي تعطي اللون الأخضر للنباتات Chlorophyll ولذلك يختلف الفطر عن بقية النباتات في أنه لا يستطيع أن يصنع غذاءه بنفسه، ولكنه مع ذلك يستطيع بخيوطه المتشعبة Hyphae امتصاص المياه والأملاح المعدنية من الوسط المحيط به، وعلى النقيض منه نجد أن الكائن الآخر الطحلب Alga تحتوي خلاياه على اليخضور(الكلوروفيل) Chlorophyll وبواسطته يستطيع امتصاص أشعة الشمس، وتحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة كيميائية تختزن بداخله في صورة غذاء، تتم هذه العملية بمساعدة الماء وثاني أكسيد الكربون وتعرف بعملية التمثيل أو التخليق الضوئي.
عفوًا: هل هو تطفل؟
يرى فريق من الباحثين أن العلاقة بين الطحلب والفطر في هذا الكائن هي علاقة تطفل Parasitism وأن الفطر هو الطفيل، وحجتهم في ذلك أنه ليس بصانع للغذاء، ويقتصر دوره على امتصاص الماء والأملاح المعدنية من الوسط الذي يعيش فيه، بينما يحصل على بقية غذائه من عائله وهو الطحلب الذي يشقى لصنع الغذاء كما سبق وبينا. وقد قام فريق البحث هذا بمجموعة من التجارب المعملية أجروها على نوع من الطحالب وحيدة الخلية، وكانت تتمتع بقدرة فائقة على الانقسام مع نوع من الفطريات بينت التجارب أنه عند ملامسة الفطر للطحلب يحفز هذا خيوط الفطر على الامتداد والالتفاف حول الطحلب إلى أن تقوم بعض تلك الخيوط بالنفاذ إلى داخل خلايا الطحلب، مما أدى إلى تدمير تلك الخلايا التي شملها الغزو، هذا بينما تظل بقية خلايا الطحلب التي لم تتعرض لغزو الفطر على حالها دون تغير يذكر، بل على العكس من ذلك فإنها تستمر في الانقسام.
داعبت هذه التجربة خيال أحد الباحثين وهو “فيرنون أحمد جيان” Vernon Ahmad Jian من جامعة كلارك فتصور أن تكون العلاقة قد بدأت نشأتها بين الطحلب والفطر بهذه الكيفية في الزمن الغابر، وأنه نظرا للتقلبات المناخية الشديدة التي مرت بها الأرض اضطر طرفا هذه العلاقة للعيش معا في ظروف جديدة تماما وغريبة تماما عن كل منهما، وليس أدل على ذلك من وجود الطحلب على الصخور واليابسة بينما بيئته التقليدية هي الماء.
مصالح متبادلة
أما المجموعة الأخرى من الباحثين فقد أجروا تجارب يثبتون بها أن العلاقة بين الفطر والطحلب في هذا الكائن هي علاقة تبادل منفعة.
وقامت التجارب المعملية على أساس متابعة سير المواد المشعة داخل الكائن الحي ذاته Autoradiography وتتخلص هذه الطريقة في تزويد الليكن بمادة الكربون المشع C14 ممن خلال مركب بيكربونات الصوديوم وهو مركب هام لحصول الطحلب منه على ما يلزمه من غاز ثاني أكسيد الكربون الضروري لعملية التمثيل الضوئي، وقد وجد الباحثون بعد فترة وجيزة من إجراء التجربة سرعة انتشار مركبات عضوية تحتوي على C14 في كل أجزاء الكائن بطرفيه الطحلب والفطر معا، واستنتجوا من ذلك أن العلاقة هي علاقة مصالح متبادلة.
الليكن بين الصخور والهواء الملوث
ويحتل الحزاز الصخور فينزل الفطر بمعاوله على الصخور التي يحتلها وينزل فيها تفتيتًا بعد أن يكون قد امتص منها ما شاء من ماء وأملاح معدنية، ورغم صمود الليكن وعناده الصارم أمام قسوة الظروف المناخية إلا أنه يصيبه الانهيار والتصدع إذا ما تعرض الهواء الذي يعيش فيه إلى التلوث.
صخر صدقي