خلال فقه الزكاة يتعرف المسلم على تعريف الزكاة ، مشروعيتها ومقاصدها وبعض الأحكام الفقهية المتعلقة بوجوب الزكاة.
1- تعريفها:
الزَّكاة هي الحِصَّة المقدَّرة من المال التي أَمر الله تعالى بإخراجها وإنفاقها على المستحقِّين، وتسمّى أيضاً صدقة. قال تعالى: {إنَّما الصَّدقات للفُقراءِ والمساكين} [التوبة: 60]، والصدقة هنا يُقصد بها الزَّكاة المفروضة ولَيس صدقة التطوُّع. قال الماوردي: الصَّدقة زكاة، والزَّكاة صَدقة يَفترق الاسم ويتَّفِق المسمّى.
2- تاريخها:
ولقد اتَّخذت فريضة الزكاة شكلها الكامل في المدينة المنوّرة، فحُدِّد نِصابها ومِقدارها، والأموال التي تَجب فيها، والمصارف التي تُصرف إليها، وتولَّت الدولة مَسئولية تَنظيمها، فأرسلت العمال لجبايتها وصرفها. ولكن لا بدَّ من التنبيه إلى أن أَصل الزكاة كان مَفروضاً منذ العَهد المكِّي، وأنَّ كثيراً من الآيات الكريمة التي كانت تحدِّد صفات المؤمنين كانت تذكر إيتاء الزكاة من بين هذه الصفات، كما أن الآية التي يعتمد عليها الفقهاء في إثبات وجوب الزكاة في الزروع، وهي قوله تعالى: {… كُلوا من ثَمرِهِ إذا أَثْمرَ وآتُوا حَقَّه يومَ حَصادِهِ ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِين} [الأنعام: 141]، هي آية مكية من سورة الأنعام.
3- بين الزَّكاة والرِّبا:
وإذا كان وجوب الزكاة قد ثبت في مكَّة المكرمة من حيث الأصل، ثم تأكَّد ووضعت له التشريعات التنفيذية في المدينة المنوَّرة، فإنَّ منع الرِّبا قد ثَبت أصله أيضاً في مكَّة المكرمة، ثم وُضِعت له التشريعات التنفيذيَّة في المدينة المنوّرة. قال تعالى: {وما آتَيْتُمْ من رِباً ليَرْبوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِندَ الله وما آتيتم مِن زَكاةٍ تُريدُون وَجْه الله فَأُولَئِكَ هُم المُضْعِفُون} [الروم: 39]. وفي هذه الآية الكريمة يظهر بوضوح أنَّ الربا الذي يزيد المال في الظاهر، إنما ينقصه عند الله، وأنّ الزكاة التي تُنقص المال في الظاهر، إنّما تزيده في الواقع عند الله.
4- حكمُ الزَّكاة:
الزكاة فَريضة: وهي من أركان الإِسلام الخمسة، لحديث رسول الله ﷺ المشهور: “بُني الإِسلام على خَمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأَنَّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزَّكاة، وصَوم رَمضان، وحَجّ البيت لمن استطاع إليه سبيلاً” متفقٌ عليه.
وفي حديث ابن عباس أنّ النبي ﷺ لما بَعث مُعاذَ بن جبل إلى اليمن قال له: “إنّك تأتي قَوماً أهل كتاب، فادعُهم إلى شَهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسولُ الله، فإن هُم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله عزّ وجلّ افترضَ عليهم خَمسَ صلواتٍ في كل يومٍ ولَيلة، فإن هُم أطاعوا لِذلك فأَعلمهم أنّ الله تَعالى افترَض عليهم صَدقةً في أموالِهم، تؤخذ من أَغنيائهم، وتُردُّ إلى فقرائِهم، فإن هُم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم -أَي نفائِس- أموالهم، واتَّق دَعوة المظلوم فإنَّه ليس بينَها وبينَ الله حِجاب” رواه الجماعة.
5- الترغيب بأداء الزَّكاة:
وقد رغَّب الله تعالى المسلمين في أداء الزكاة ببيان آثارها في نفوسهم، فقال: {خُذْ من أموالهم صَدقة تُطهِّرهم وتزَكِّيهم بها} [التوبة: 103] كما جعل أداءها من صِفات المتَّقين: {إن المتَّقين في جَناتٍ وعيون * آخِذِين ما آتاهُمْ ربُّهم إنَّهم كانوا قَبلَ ذلك مُحْسِنين * كانوا قَليلاً منَ اللَّيل ما يَهْجَعون * وبالأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرون * وفي أَمْوالِهمْ حَقٌّ للسائِل والمَحروم} (الذاريات: 15 – 19).
قال ﷺ: “ثلاثةٌ أُقسمُ عليهنَّ وأُحدثكم حَديثاً فاحفَظُوه: ما نَقص مالٌ من صَدقة، ولا ظُلم عبدٌ مَظلمة فصبرَ عليها إلاّ زَاده الله بها عِزًّا، ولا فتَح عبدٌ بابَ مسألة إلاّ فَتح الله عَليه بابَ فَقر” رواه الترمذي.
6- التَّرهيب من مَنع الزَّكاة:
قال تعالى: في التَّرهيب من منع الزكاة: {والذِين يَكْنِزون الذَّهبَ والفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبيل الله فَبَشِّرهُمْ بَعَذابٍ أليم، يومَ يُحمَى عَليها فِي نار جهنَّم فَتُكْوَى بها جِباهُهُم وجُنوبُهُمْ وظُهُورُهُم هذا ما كنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُم تَكْنِزُون} [سورة التوبة: 34، 35]، وقال عليه الصلاة والسلام: “ما مِن صاحب كنز لا يُؤدِّي زَكاته إلاّ أُحمي عليه في نَار جهنَّم فَيُجْعَلُ صفائِح، فتُكوى بها جَنْباه وجَبْهَتُه، حتى يحكُم الله بين عِباده في يَومٍ كان مِقدَارُه خَمسين أَلف سَنةٍ، ثم يَرى سبيله إما إلى الجَنَّة وإمّا إلى النّار” رواه الشيخان.
7- جاحِد الزَّكاة كافر:
اتَّفق العُلماء أنَّ مَن أَنكر الزَّكاة وجَحد وُجوبَها، فقد كَفر وخَرج من الإِسلام. قال الإِمام النَّووي عن المُسلم الذي يَعرف وجوبَ الزَّكاة ثم يجحدها: “صارَ بِجَحْدِها كافراً، وجَرت عليه أَحكامُ المرتَدّين من الاستِتَابة والقَتل؛ لأنَّ وجوب الزَّكاة مَعلوم من الدِّين بالضَّرورة”.
ويعتبر جاحِداً للزكاة مَن يُحقِّر من شَأنها أو يَقول: إنها لا تَصلح لهذا العَصر أو ما شابَه ذلك.
8- عقوبة منع الزكاة:
رتَّب الله تعالى على مانع الزّكاة ثلاثَةَ أنواع من العقوبات:
أ – العُقوبة الأُخْروية التي أَشار إليها الحديث السّابق.
ب – العقوبة الدُّنيوية النازِلة بقَدر الله. قال ﷺ: “ما منَع قومٌ الزَّكاة إلاّ ابتلاهُم الله بالسِّنين” أي: المجاعة والقَحط. رواه الحاكم والبَيهقي والطبراني. وفي حديث آخر: “… ولم يَمنعوا زَكاةَ أموالهم إلاّ مُنعوا القَطرَ من السَّماء، ولَولا البهائِم لَم يُمْطَروا” رواه الحاكم وصحّحه، وابنُ ماجَة والبزّار والبَيهقي.
جـ – العقوبة الدّنيوية التي يُنزلها الحاكمُ المُسلم بالممتنع عن الزَّكاة، قال ﷺ – في الزكاة -: “… من أعَطاها مؤتجراً – أي طالباً الأجر – فلَه أَجره، ومن مَنعها فإنا آخذوها وشَطرَ مالِه -أي ونصفَ ماله- عَزمةً من عَزَماتِ رَبِّنا، لا يَحل لآلِ محمد مِنها شَيء”، رَواه أحمد والنَّسائي وأبو دَاود والبَيْهقي.
أما إذا تمردت مَجموعة من المسلمين عن أَداء الزكاة، فإن الإسلام يُوجب قِتالهم وأخذ الزَّكاة منهم بالقوة، وهذا ما فَعله أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه، عِندما تمرَّدت بعض القبائل عن دَفع الزكاة فقاتلهم، وقال: والله لأُقاتِلنَّ مَن فرَّق بين الصَّلاة والزَّكاة، فإن الزَّكاة حقُّ المال. واللَّهِ لو مَنعوني عِقالاً كانوا يؤدُّونها لرسولِ الله -ﷺ- لقاتَلتُهم على مَنعه. رواه الجماعة إلاّ ابن ماجه.