كفالة اليتيم من الأمور التي حث عليها الشرع الحنيف، وجعلها من الأدوية التي تعالج أمراض النفس البشرية ، وبها يتضح المجتمع في صورته الأخوية التي ارتضاها له الإسلام. على أنه لابد أن يتنبه أن كفالة اليتيم ليست في كفالته ماديا فحسب، بل الكفالة تعني القيام بشئون اليتيم من التربية والتعليم والتوجيه والنصح، والقيام بما يحتاجه من حاجات تتعلق بحياته الشخصية من المأكل والمشرب والملبس والعلاج ونحو هذا.
يقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
كفالة اليتيم من أعظم أبواب الخير التي حثت عليها الشريعة الإسلامية قال الله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) سورة البقرة الآية 215 .
وقال تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) سورة النساء الآية 36.
ووردت أحاديث كثيرة في فضل كفالة اليتيم والإحسان إليه منها : عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما ) رواه البخاري قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: [قال ابن بطال : حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي ﷺ في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك]، ثم قال الحافظ ابن حجر: وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي ﷺ، وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى وهو نظير الحديث الآخر : ( بعثت أنا والساعة كهاتين ) الحديث ].
وقال الحافظ أيضاً: [ قال شيخنا في شرح الترمذي: لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة، أو شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي ﷺ، أو منزلة النبي ﷺ لكون النبي ﷺ شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلاً لهم ومعلماً ومرشداً، وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل، ولا دنياه، ويرشده، ويعلمه، ويحسن أدبه فظهرت مناسبة ذلك أهـ ملخصاً ] فتح الباري 10/536-537 .
وقال النبي ﷺ : ( من ضم يتيماً بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة ] رواه أبو يعلى والطبراني وأحمد مختصراً بإسناد حسن كما قال الحافظ المنذري. وقال الألباني صحيح لغيره. انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/676 .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ( أتى النبي ﷺ رجل يشكو قسوة قلبه ؟ قال: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك ) رواه الطبراني وقال الألباني حسن لغيره . انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/676 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال : (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم لا يفطر) رواه البخاري ومسلم ، وغير ذلك من الأحاديث.
ما تكون به كفالة اليتيم:
وكفالة اليتيم تكون بضم اليتيم إلى حجر كافله أي ضمه إلى أسرته، فينفق عليه، ويقوم على تربيته، وتأديبه حتى يبلغ؛ لأنه لا يتم بعد الاحتلام والبلوغ، وهذه الكفالة هي أعلى درجات كفالة اليتيم
حيث إن الكافل يعامل اليتيم معاملة أولاده في الإنفاق والإحسان والتربية وغير ذلك ، وهذه الكفالة كانت الغالبة في عصر الصحابة كما تبين لي من استقراء الأحاديث الواردة في كفالة الأيتام، فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يضمون الأيتام إلى أسرهم.
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت : قال رسول الله ﷺ : ( تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن ) قالت : فرجعت إلى عبد الله فقلت : إنك رجل خفيف ذات اليد وإن رسول الله ﷺ قد أمرنا بالصدقة فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني، وإلا صرفتها إلى غيركم قالت: فقال لي عبد الله: بل ائتيه أنت قالت : فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله ﷺ حاجتي حاجتها قالت : وكان رسول الله ﷺ قد ألقيت عليه المهابة قالت : فخرج علينا بلال فقلنا له: ائت رسول الله ﷺ، فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما، ولا تخبره من نحن قالت : فدخل بلال على رسول الله ﷺ، فسأله، فقال له رسول الله ﷺ : من هما ؟ فقال : امرأة من الأنصار، وزينب، فقال رسول الله ﷺ : أي الزيانب؟ من هما ؟ قال : امرأة عبد الله، فقال له رسول الله ﷺ : لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة ) رواه البخاري ومسلم.
والشاهد في الحديث : ( وعلى أيتام في حجورهما ).
وعن عمارة بن عمير عن عمته أنها سألت عائشة رضي الله عنها: في حجري يتيم أفآكل من ماله؟ فقالت: قال رسول الله ﷺ: (إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن.
وتكون كفالة اليتيم أيضاً بالإنفاق عليه مع عدم ضمه إلى الكافل كما هو حال كثير من أهل الخير الذين يدفعون مبلغاً من المال لكفالة يتيم يعيش في جمعية خيرية أو يعيش مع أمه أو نحو ذلك، فهذه الكفالة أدنى درجة من الأولى، ومن يدفع المال للجمعيات الخيرية التي تعنى بالأيتام يعتبر حقيقة كافلاً لليتيم وهو داخل إن شاء الله تعالى في قول النبي ﷺ : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ).
قال الإمام النووي: قوله ﷺ: (كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة ) كافل اليتيم القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك وهذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه ، أو من مال اليتيم بولاية شرعية.
وأما قوله : وله أو لغيره فالذي له أن يكون قريباً له كجده وأمه وجدته وأخيه وأخته وعمه وخاله وعمته وخالته وغيرهم من أقاربه ، والذي لغيره أن يكون أجنبياً ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/408 .
وكفالة اليتيم المالية تقدر حسب مستوى المعيشة في بلد اليتيم المكفول بحيث تشمل حاجات اليتيم الأساسية دون الكمالية، فينبغي أن يتوفر لليتيم المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، والتعليم بحيث يعيش اليتيم حياة كريمة، ولا يشعر بفرق بينه، وبين أقرانه ممن ليسوا بأيتام .
ولا بأس أن يشارك أكثر من شخص في كفالة اليتيم الواحد. انتهى