“شيمة العلماء الصبر والتواضع والرؤية البعيدة”.. جاءت هذه العبارة العذبة على لسان العالم الجزائري الدكتور لوط بوناطيرو، ليلخص بها شخصيته، فقد أثرى الدكتور الجليل الحياة العلمية بعدد من الأبحاث، كان آخرها تصميمه الفريد المسمى “البنايةالإسلامية الذكية”، الذي صنف كنموذج معماري مقاوم للكوارث الطبيعية ومطابق للمقاييس البيئية، كما تم منحه الميدالية الذهبية من الصالون الدولي للاختراعات التكنولوجية في احتفاليته السادسة والخمسين ببروكسل.
إلى جانب تقليده وسام الثقافة العلمية بالجزائر، في حفل حضره جمع غفير من الباحثين والأساتذة الجامعيين احتضنته المكتبة الوطنية بالعاصمة الإثنين 21 يناير 2008.
بنايات صديقة للبيئة
إنجازات الدكتور لوط بوناطيرو عديدة، ومن أهمها تصميمه منشآت مقاومة للكوارث الطبيعية ومطابقة للمقاييس البيئية تسمى “البنايات الإسلامية الذكية”، والتي تتخذ من الأشكال التناظرية والدائرية أُسسا لها، وهي الأشكال الهندسية التي ستلقى رواجا مستقبليا حسب خبراء المعمار.
وتشتمل هذه البنايات على بنايات فردية وأخرى جماعية، قاسمها المشترك مواد البناء، وهذه الأخيرة ستحدث نقلة كبيرة في عالم العمارة، حيث توصل فريق من المخترعين الجزائريين إلي تركيبة جديدة لمواد البناء “الخرسانة المدّرعة”، تقتصد في استهلاك الطاقة بفضل الصفائح المزدوجة التي تدخل في تركيبها، وتقاوم أعنف الزلازل، وكلفتها أقل بكثير من الأسمنت المسلح؛ ولأنها بناية ذكية، فهي مصممة بشكل دائري ذي ثقل في المنتصف، يسمح لها في حالة الفيضانات بدوران المياه ثم خروجها، وأيضا يرفع من قدرتها على مقاومة الزلازل، وهي لا تتأثر بالحرائق والعوامل الطبيعية بما في ذلك الصواعق.
وإلى جانب ما تقدم فستمكن هذه النماذج الهندسية من استغلال المساحات، حيث يمكن لحوالي مائتي شخص العيش داخل الحي الواحد، ضمن حياةٍ اجتماعية متناسقة ومنسجمة تضبطها القيم النبيلة، كالتساوي في الارتفاع والشكل، والاستفادة من نعمتي الشمس والظل في آن واحد.
كما يوفر الحي لساكنيه سبل الحياة المتنوعة من محلات تجارية ونوادٍ ثقافية ورياضية، وأماكن عبادة، ومساحات خضراء في أشكال هندسية رائعة، أما الأنفاق فهي للقطارات ولإتلاف النفايات وفق المعايير البيئية. ومراعاة لأهمية الوقت، تتجه الحركة إلى وسط المدينة، في شكل خطوط مستقيمة وأخرى دائرية، فلا مجال للتأخير والازدحام.
الساعة الكونية.. البيولوجية
ويأتي بعد ذلك اختراع الدكتور لوط لما يعرف بـ “الساعة الكونية”، ويعلق الدكتور عليها بالقول: “الساعة الكونية مشروع لاحترام عنصر الزمن عن طريق ضبط التوقيت العالمي، ممّا يسهل مختلف أشكال التبادلات بين الدول، كالمعاملات البنكية، والتجارية، والاتصالات السلكية واللاسلكية، كخطوة فعالة للنهوض بأمة تنامي فيها الوقت الضائع”.
وتعتمد الساعة على نظام 24 ساعة بدلاً من 12 ساعة، تتكون من جزءين: ميكانيكي وإلكتروني، وتسير بواسطة حاسوب مزوّد ببرنامج دقيق يعطي أوامر بإحداث تغيرات حسب المكان والفصل والاتجاه، دون أن يلجأ الإنسان لضبطها يدويًّا.
ويشرح الدكتور لوط بوناطيرو أن استخدام التقويم القمري أكثر ملاءمة ودقة من التقويم الزمني، فعن طريقه يمكن تحديد أيام الأسبوع بستة أيام والشهر بخمس جُمعات.
ويتم استخدامها كبوصلة محددة للقبلة، مزودة بنظام آذان لتحديد مواعيد الصلاة مع مراعاة فوارق التوقيت، فهي تحدد بدقة خطوط الطول والعرض، وتعيد للأذهان الكثير من المفاهيم التي انطمرت تحت غبار النسيان، مثل معرفة أوقات الحرث، التغيرات الجوية، الشفق، وطول الليل والنهار، كما أنه يمكن للكفيف تحسسها لمعرفة الوقت بدقة متناهية.
وإيماناً منه بمشروعه البحثي، يرى الدكتور أن العالم الإسلامي يعتمد على نظام غرينتش في حساب التوقيت؛ ولكن هذا النظام أثبت فشله عالميًّا، حتى أن معظم الدول لم تعد تعتمد عليه بعدما تبيّن لها فشله.
وعندما ذاع صيت الساعة الكونية التي تتخذ خط مكة المكرمة كخط معلمي للزمن، تهافت الغرب على تقليدها وإبداء الرغبة في تصنيعها، محاولين تجريدها من ردائها الديني.
تعلم.. وعلم
ولأن ساعات الوقت درر نفيسة في حياة كل مُجدٍّ، فقد أعطى الدكتور لوط بوناطيرو لكل مجال حقه من الاهتمام، فهو أستاذ محاضر بجامعة البليدة بقسم الطيران وقسم الهندسة المدنية، ومستشار في الشئون البيئية وإدارة الكوارث الطبيعية بوزارة البيئة وتهيئة الإقليم، وممثل وزارة التعليم العالي في ملف التغيرات المناخية، وعضو بأكاديمية نيويورك، والممثل لصالون بروكسل ولندن للاختراعات.
وخلال مشواره الدراسي والبحثي ألّف الدكتور لوط بوناطيرو مجموعة من الكتب القيّمة، وهي علم الميقات، علم الفلك الإيكولوجي، ورصد حركة الزلازل بواسطة أشعة الليزر انطلاقا من سطح القمر، ويواصل أبحاثه في مجال الكوارث الطبيعية والطرق البيئية الجديدة للبناء، وهو المجال الذي وضع فيه عددًا من النظريات.
فتيحة الشرع – كاتبة