لقد اعتمدت تربية النباتات بالطرق التقليدية على ملاحظة ومتابعة الاختلافات الوراثية داخل كل عشيرة، والانتخاب لسنوات عديدة أو بعمل تهجينات بين النباتات المتشابهة بغرض الحصول على أصناف متميزة فى بعض الصفات. وبالرغم من أن هذه الطرق التقليدية أنتجت أصنافاً عالية الغلة من القمح والأرز والشعير، فقد أجبرت المزارعين على التخلي عن عدد كبير من الأصناف المحلية وقريباتها البرية.
وقد أدى هذا التنميط الوراثى فى مجال الزراعة إلى القضاء على قدرة المحاصيل التقليدية على التلاؤم مع بيئات طبيعية مختلفة وظروف نمو متباينة، فخسرت البشرية حوالي 75% من التنوع الوراثى للمحاصيل الزراعية منذ بداية القرن الحالى. مع أن العالم يحفل بأنواع نباتية هائلة لم تستغل بعد؛ فهناك على الأقل أكثر من ثلثمائة ألف نوع من الفواكه الاستوائية عالية القيمة الغذائية ومفضلة فى بلدان أمريكا اللاتينية، لكنها مجهولة تماماً فى أمريكا الشمالية، حيث تقتصر قائمة الفواكه فيها على الثمار الشائعة من حمضيات وكروم وتفاح وغيرها، فمثلاً فى بلد صغير مثل “بيرو” تقل مساحته عن ولاية ألاسكا الأمريكية توجد أنواع من النباتات تعادل سبعة أضعاف ما فى الولايات المتحدة كلها، مُشكلةً مستودعاً نباتياً هائلاً ينتظر من يرعاه ويستثمره.
وهذا بعض مما تخبئه الطبيعة لنا من ثروات نباتية غير مكتشفة بعد، فى حين لا تحتوي قائمة طعام البشرية إلى الآن إلا على عدد محدود فقط من الأنواع النباتية المعروفة، حيث يشكل فقدان التنوع هذا أو ما يسمى باندثار الموارد الوراثية تهديداً عالمياً يحدق بالزراعة.
ومع التطور المذهل والسريع فى شتى المجالات العلمية الحديثة، كان من الطبيعي أن تتغير لذلك المفاهيم والأساليب التقليدية المستخدمة فى تربية النباتات المختلفة من محاصيل وفاكهة ونباتات طبية وعطرية أو نباتات زينة والعودة للاهتمام بحدائق النباتات البرية وطرق رعايتها ونقلها وحفظها، حيث تتركز معظم الأبحاث الجارية الآن فى المعاهد والمختبرات على إنتاج أنواع جديدة من النباتات والبذور القادرة على مضاعفة الإنتاج، والملائمة فى نفس الوقت للظروف البيئية المحلية، وذلك باستخدام الهندسة الوراثية. وتختص الهندسة الوراثية بصورة مباشرة أو غير مباشرة بحذف مقاطع منها وإضافة مقاطع أخرى؛ بغرض إعادة تشكيل أو صياغة الخلية أو الكائن باستخدام الإمكانيات الوراثية للكائنات الأخرى المتاحة لإضافة صفات لم تكن موجودة من قبل.
وهو اتجاه جديد فى علم الوراثة الحديثة تبلور نتيجة للتقدم فى عدة علوم مثل: الوراثة الجزيئية والبيوكيماوية والكيمياء الحيوية والنبات وزراعة الأنسجة وغيرها. وتنحصر مهمة هذا العلم من منطوق التسمية فى صياغة أشكال من النظم الوراثية المبتكرة، يتم تجسيدها فى كائنات حية مرغوبة فى التطبيق وكذلك فى الأغراض العلمية.
إن الزراعة وتطوير أبحاثها مشكلة عالمية، تتجدد معطياتها كل لحظة من لحظات حياتنا، والتطور البشرى الهائل يزيدها حدة، وقد يبدو للبعض أنها مشكلة اقتصادية فقط، لكن بعد الدراسة نكتشف أنها مشكلة حيوية وبيئية واجتماعية فى آن واحد، فما زال النبات على سخائه المعهود تجاه الإنسان، وإن كل ما يقال عن التحول إلى عصر الصناعة أو عصر المعلومات لم يكن ليسرق الأضواء من النبات ذلك الصديق الوفي القديم.
الحديث عن الهندسة الوراثية النباتية، يقودنا إلى القول إن زراعة النبات أيسر وأرخص كثيراً من استزراع البكتريا أو الخميرة، فضلاً عن استزراع الخلايا الحيوانية وذلك بالنظر إلى متطلبات الزراعة وحجم الإنتاج. فمن الطريف ما يقال: إن حقلاً من الجاودار “rye” مساحته هكتار واحد، يمكن أن يحتوى على 300 مليون من الجذور، وهو مقدار يفوق قطر مدار الأرض حول الشمس. ومن هنا لم يكن غريباً أن تحظى هندسة النبات وراثياً باهتمام كبير من جانب العلماء.