بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الفوائد التي يأخذها المودع في البنك، هي ربًا محرم، فالربا: كل زيادة مشروطة على رأس المال . أي ما أخذ بغير تجارة ولا تعب زيادة على رأس المال فهو ربًا. ولهذا يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون). (البقرة: 279). </<B>
فالتوبة معناها هنا أن يبقى للإنسان رأس ماله، وما زاد على ذلك فهو ربًا. والفوائد الزائدة على رأس المال، جاءت بغير مشاركة ولا مخاطرة ولا مضاربة ولا شيء من المتاجرة ..فهذا هو الربا المحرم .
وشيخنا الشيخ شلتوت لم يبح الفوائد الربوية فيما أعلم، وإنما قال: إذا وجدت ضرورة – سواء كانت ضرورة فردية أم ضرورة اجتماعية – يمكن عندها أن تباح الفوائد، وتوسع في معنى الضرورة أكثر مما ينبغي، وهذا التوسع لا نوافقه عليه رحمه الله.
وإنما الذي أفتى به الشيخ شلتوت هو صندوق التوفير، وهو شيء آخر غير فوائد البنوك . وهذا أيضًا لم نوافقه عليه.
فالإسلام، لا يبيح للإنسان أن يضع رأس ماله ويأخذ ربحًا محددًا عليه، فإنه إن كان شريكًا حقًا، فيجب أن ينال نصيبه في الربح وفي الخسارة معًا، أيًا كان الربح، وأيًا كانت الخسارة.
فإذا كان الربح قليلاً شارك في القليل، وإذا كان كثيرًا شارك في الكثير، وإذا لم يكن ربح حرم منه، وإذا كانت خسارة تحمل نصيبه منها، وهذا معنى المشاركة في تحمل المسئولية.
أما ضمان الربح المحدد، سواء كان هناك ربح أو لم يكن، بل قد يكون الربح أحيانًا مبالغ طائلة تصل إلى 80% أو 90% وهو لا ينال إلا نسبة مئوية بسيطة لا تجاوز 5% أو 6%، أو قد تكون هناك خسارة فادحة، وهو لا يشارك في تلك الخسارة . . . وهذا غير طريق الإسلام . . وإن أفتى بذلك الشيخ شلتوت رحمه الله وغفر له.
فالأخ الذي يسأل عن فوائد البنوك: هل يأخذها أم لا ؟ أجيبه: بأن فوائد البنوك لا تحل له، ولا يجوز له أخذها . ولا يجزيه أن يزكي عن ماله الذي وضعه في البنك، فإن هذه الفائدة حرام، وليست ملكًا له، ولا للبنك نفسه، في هذه الحالة . . ماذا يصنع بها ؟ ..
أقول: إن الحرام لا يملك، ولهذا يجب التصدق به، كما قال المحققون من العلماء، بعض الورعين قالوا بعدم جواز أخذه ولو للتصدق . . عليه أن يتركه أو يرميه في البحر، ولا يجوز أن يتصدق بخبيث.
ولكن هذا يخالف القواعد الشرعية في النهي عن إضاعة المال وعدم انتفاع أحد به . لابد أن ينتفع به أحد . . إذن ما دام هو ليس مالكًا له، جاز له أخذه والتصدق به على الفقراء والمساكين، أو يتبرع به لمشروع خيري، أو غير ذلك مما يرى المودع أنه في صالح الإسلام والمسلمين ؛ ذلك أن المال الحرام كما قدمت ليس ملكًا لأحد .
فالفائدة ليست ملكًا للبنك ولا للمودع، وإنما تكون ملكًا للمصلحة العامة، وهذا هو الشأن في كل مال حرام، لا ينفعه أن تزكي عنه، فإن الزكاة لا تطهر المال الحرام، وإنما الذي يطهره هو الخروج منه، ولهذا قال النبي – ﷺ -: ” إن الله لا يقبل صدقة من غلول ” (رواه مسلم) .والغلول هو المال الذي يغله الإنسان ويخونه من المال العام . لا يقبل الله الصدقة من هذا المال لأنه ليس ملكًا لمن هو في يده.
وهل يترك تلك الفوائد للبنك، لأنها محرمة عليه ؟</<B>
لا يتركها، لأن هذا يقوي البنك الذي يتعامل بالربا، ولا يأخذها لنفسه، وإنما يأخذها ويتصدق بها في أي سبيل من سبل الخير.
قد يقول البعض: إن المودع معرض للخسارة إذا خسر البنك وأعلن إفلاسه مثلاً، لظرف من الظروف، أو لسبب من الأسباب.
وأقول لمثل هذا بأن تلك الخسارة أو ذلك الإفلاس لا يبطل القاعدة ولو خسر المودع نتيجة ذلك الإفلاس، لأن هذا بمثابة الشذوذ الذي يثبت القاعدة، لأن لكل قاعدة شواذ، والحكم في الشرائع الإلهية – والقوانين الوضعية أيضًا – لا يعتمد على الأمور الشاذة والنادرة . . فإن الجميع متفق على أن النادر لا حكم له، وللأكثر حكم الكل . فواقعة معينة لا ينبغي أن تبطل القواعد الكلية.
القاعدة الكلية هي أن الذي يدفع ماله بالربا يستفيد ولا يخسر، فإذا خسر مرة من المرات فهذا شذوذ، والشذوذ لا يقام على أساسه حكم.
هل يتاجر البنك؟ </<B>وقد يعترض سائل فيقول: ولكن البنك يتاجر بتلك الأموال المودعة فيه، فلماذا لا آخذ من أرباحه ؟
وأقول: نعم إن البنك يتاجر بتلك الأموال المودعة فيه.
ولكن هل دخل المودع معه في عملية تجارية ؟ طبعًا لا.
لو دخل معه شريكًا من أول الأمر، وكان العقد بينهما على هذا الأساس وخسر البنك فتحمل المودع معه الخسارة، عندئذ يكون الاعتراض في محله، ولكن الواقع أنه حينما أفلس البنك وخسر، أصبح المودعون يطالبون بأموالهم، والبنك لا ينكر عليهم ذلك، بل قد يدفع لهم أموالهم على أقساط إن كانت كثيرة، أو دفعه واحدة إن كانت قليلة . . على أي حال، فإن المودعين لا يعتبرون أنفسهم مسئولين ولا مشاركين في خسارة البنك، بل يطالبون بأموالهم كاملة غير منقوصة فالربا: هي كل زيادة مشروطة على رأس المال . أي ما أخذ بغير تجارة ولا تعب، زيادة على رأس المال فهو ربًا. ولهذا يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون). (البقرة: 279).
فالتوبة معناها هنا أن يبقى للإنسان رأس ماله، وما زاد على ذلك فهو ربًا. والفوائد الزائدة على رأس المال، جاءت بغير مشاركة ولا مخاطرة ولا مضاربة ولا شيء من المتاجرة ..فهذا هو الربا المحرم
والله أعلم </<B>
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي