من المعلوم أن أسماء سور القرآن الكريم توقيفية أي أن الله هو الذي سمى السور بهذه الأسماء ، ونزل أمين الوحي جبريل على الرسول ـ ﷺ ـ فأخبره بأسمائها، والرسول ﷺ أخبر الصحابة بها بعدما أوحي إليه بذلك ، وبهذا جزم السيوطي في كتابه الإتقان، أو أن الرسول ـ ﷺ ـ وفق لهذا وأقره الوحي عليها وهذا رأي آخر لبعض العلماء .
يقول فضيلة الشيخ عبد الخالق الشريف ـ أحد الدعاة والفقهاء من مصر :
تسمية السور القرآنية أكثرها توقيفي، وقال بعض العلماء: إنه توفيقي، والاثنان بمعنى واحد؛ فإما أن النبي ـ ﷺ- أوقفهم على الاسم، أو أنه ـ ﷺ ـ وفّق، والوحي أيده في ذلك، ولكن إذا سميت السورة في المصحف الشريف بعلامة من داخلها فعلى الراجح من أقوال العلماء أنها من النبي ـ ﷺ وسورة البقرة من العجيب أن بها أفضل آية في القرآن على الإطلاق وهي آية الكرسي، وبها آيتان أنزلتا من كنز من تحت عرش الرحمن، وهما أواخر سورة البقرة، وبها أطول آية في القرآن وهي آية الدين، وبها حديث طويل عن الحج والربا والبيوع والرهن والطلاق.. ومع ذلك فلم تسمّ السورة بشيء من هذا كله، وسميت بسورة “البقرة”، وهي حادثة حدثت بين موسى عليه السلام وقومه من بني إسرائيل الذين جادلوه، وما أطاعوا الأمر الآتي إليه من الله، بل قالوا له: ” أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً ” ثم جادلوه مراراً وتكراراً، وكأني أشعر أن هذه السورة الكريمة سميت بهذا الاسم تحذيراً لنا من منهج اليهود في المجادلة، وتنبيهًا لنا على خطأ أسلوبهم الذي استخدموه مع الله ومع أنبياء الله؛ أليسوا هم الذين قالوا: ” سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا “؛ ولذلك كان في ختام هذه السورة أن الله علمنا أن نقول:” سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا” أما حديث القرآن في هذه السورة أعني سورة البقرة عن اليهود؛ فقد اختلف كثيراً عن الحديث عنهم في معظم سور القرآن على النحو التالي:
أ-القرآن في سورةالبقرة بعد الحديث عن خلق آدم وهبوطه إلى الأرض تحدث مباشرة عن بني إسرائيل، دونالحديث عن قوم نوح وعاد، على ما جرى في كثير من سور القرآن.
ب-أن الحديث عنهمبدأ ببيان أسس التمكين في الأرض: ” يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ {40} وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ {41} وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {42} وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ {43} أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {44} وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ {45} الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ” الآيات من 40إلى 46 من سورة البقرة
ج-من المعلوم أن أركان الإيمان هي الإيمان بالله واليومالآخر والملائكة والكتاب والنبيين على ما ورد في الآية 177 من سورة البقرة، فإذااستعرضنا أحوال اليهود مع أركان الإيمان نجد الآتي:
1 – استبدلوا “الإيمان بالله” بعبادة العجل، وجعلوا عزيراً ابناً لله. ومن المدهش أنك ترى كثيراً من الخلققد كفروا بالله واتخذوا آلهة من دونه، ولكننا فيما نقل إلينا في القرآن لم نجد قوما تطاولوا على الله كاليهود فقالوا – لعنة الله عليهم – ” يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء “، وقالوا أيضاً: ” إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء “.. وهكذا تطاول اليهود على الله بل في توراتهم المحرّفة يدعون أن “يهوه” هو إله خاص بهم، وأنه اختارهممن دون الخلق؛ فهو رب إسرائيل وليس رب العالمين، ووصفوه بأنه جبان وجهول وحسودوحقود وجائر وظلوم ويخطأ ويندم ويضرب نفسه ويبكي على ما فعله بشعبه المختار، وينسىويحتاج إلى من ينبهه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
2 – بالنسبة للدار الآخرة، فكما جاء في القرآن حرف اليهود حقيقة الدار الآخرة إلى أن لهم فيها نعيماً، لا يمسون فيها بعذاب، فقال تعالى حاكيا عنهم: ” وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ” الآية 111، سورة البقرة، وقالوا: ” وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً ” الآية 80 من سورة البقرة
والمطّلع على التوراة لا يكاد يرى شيئاً عن الدار الآخرة، ومبلغ علمهم بالجنة أن يحصلوا على أرض فلسطين.
3 – أما بالنسبة للملائكة فقد حكت سورة البقرة موقفهم العدائي منجبريل عليه السلام؛ قال تعالى: ” قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ” الآية 97 من سورة البقرة.
4 – أمابالنسبة للكتب السماوية، فقد حرفوها واشتروا بآيات الله ثمنا قليلاً، وتحدث القرآنعنهم في سورة البقرة في الآيات 75 ، 93 من سورة البقرة وغيرها كثير من القرآن.
5- أما بالنسبة للأنبياء فكما قال تعالى: ” لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ” الآية 70 من سورة المائدة ونذكّر بكلمة “كلما” التي تفيد التكرار.
أما ما كتبوه في آياتهم عن الأنبياء فتجد أنهم وصفوهم بالسكر والزنى وخيانةالأمانة وغير ذلك.. لذلك بيّن القرآن أنهم السفهاء، وأنهم الأمة التي قد خلت، ويجبعلى المسلمين أن يحذروا من كل معاملة مع اليهود أو معاهدة معهم أو تعاون معهم، أو شراء بضائعهم حتى يخرجوا عن أرض فلسطين كلها. والله أعلم وصل اللهم على سيدنا محمدوعلى آله وصحبه وسلم.
وجاء في فتاوى الشبكة الإسلامية قطر:
إن أسماء السور كانت معروفة على عهد رسول اللهﷺ ومشهورة، وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على أن هذه التسمية كانت متداولة في ذلك العهد..ففي صحيح مسلم وغيره أن النواس بن سمعان الكلابي قال: سمعت النبي ﷺ يقول: “يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران، وضرب لهما رسول الله ﷺ ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد، قال: “كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أوكأنهما حِزقان من طير[جماعتان من طير] صواف تحاجان عن صاحبهما”.
وفيه أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنهأن رسول الله ﷺ قال: “لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر منالبيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة”.
وفيه أيضاً عن حذيفةقال: صليت مع النبي ﷺ ذات ليلةٍ، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عندالمائة، ثم مضى، فقلت يصلي بها ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء،فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها… إلى آخر الحديث.
وفي الصحيحين في قصة الرجل الذي أراد أن يتزوج امرأة، وليس معهشيء من المال، فقال له النبي ﷺ: “ماذا معك من القرآن؟”، قال: معي سورة كذا، وسورة كذا عدها قال: “أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟”، قال: نعم قال: “اذهب، فقد ملكتكها بما معك من القرآن”.
وفي صحيح البخاري أن عبدالرحمن بن يزيد قال: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم إنهن من العتاق.
والظاهر أن وضع هذه الأسماء كان بأمر النبي ﷺ وتعليمه، وقد جزم السيوطي في الإتقان بأنها توقيفية قال: وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار، ولو لا خشية الإطالة لبينتذلك..
5>