فيروز مصطفىالابداع هو رأس مال أي وكالة إعلانيةالإعلان عن المنتجات هو الغذاء البصري الذي يتعاطاه الناس يوميا سواء عن قصد أو غير قصد، فمن خلاله تتسرب إلينا كل القيم بحلوها وشرها، كما تأسست عليه صناعة ضخمة فتحت فرص عمل ومشروعات سواء من النوع الصغير أو الكبير، ويكفي أن نشير على سبيل المثال إلى أن حجم الإنفاق الإعلاني في منطقة شرهة للاستهلاك كالخليج يصل إلى 3 مليارات دولار في عام 2004 بحسب تقارير دولية.
ومن أبرز المشروعات التي قامت عليها هذه الصناعة هي “وكالات الإعلان” التي تعرفها ديما يسري – خبيرة إعلانات في منطقة الشرق الأوسط – بأنها عبارة عن مجموعة من الأشخاص المبدعين الذين تأتي إليهم الشركات المعلنة ليساعدوهم على تسويق منتجاتهم وتحقيق أعلى الأرباح.
وتعتبر ديما أن رأس المال الحقيقي لمشروع وكالة الإعلان هو “الفكرة” أكثر منه مالا، فكلما كانت لدى الوكالة الإعلانية أفكار مبدعة وجديدة، استطاعت أن تجد لنفسها مكانا في السوق حتى وسط وكالات إعلانية كبيرة لها خبرة في السوق.
وكما تقدر خبيرة الإعلانات فإن تكاليف تأسيس أي وكالة إعلانية من النوع الصغير تتراوح ما بين 10 إلى 15 ألف دولار في المنطقة العربية، حيث تتطلب وجود مكان وكمبيوتر لأعمال الجرافيك وتأجير الكاميرات من القنوات الفضائية أو الشركات السينمائية إذا كان الإعلان تلفزيونيا.
لكن مع ظهور كاميرات الديجيتال، فإن تكلفة الإعلان -حسب ديما- انخفضت إلى حد كبير، وهو ما يسمح لمجموعة من الشباب بصنع إعلان بميزانية متواضعة ويكون فعالا، ما دام توافرت لديهم الأفكار المبدعة.
وتروي ديما أنها ساعدت عددا من الشباب رغبوا في تأسيس وكالة إعلانية داخل منزل أحد أصدقائهم، حيث جمعوا أفكارا مبدعة يمكن تنفيذها واقعيا، لكن النصيحة الرئيسة التي علمتهم إياها هي أن نجاح وكالة الإعلان أيا كان نوعها يعتمد على نزول أصحابها بأنفسهم كمندوبين إعلانات للشركات والعملاء وعرض أفكارهم وإبداعاتهم بأنفسهم دون انتظار حضور العميل إليهم بنفسه.
أما هيكل أي وكالة إعلان فإنه لا يخرج عن 4 أقسام حسب خبيرة الإعلانات، وهي:
- قسم خدمة العميل، وهو مسئول عن تشكيل الإستراتيجيات التي تجعل المنتج يشكل وجودا في أذهان الجمهور المستهلك.
- قسم إبداع، وهو مسئول عن ترجمة هذه الإستراتيجيات وتحويلها إلى أفكار يمكن تنفيذها.
- قسم التخطيط الإعلامي المسئول عن تخطيط وحجز الوسائل الإعلامية لعرض الإعلان مثل تأجير ساعات محددة في محطات الراديو والتليفزيون وحجز مساحات مختلفة على صفحات الجرائد والمجلات لتصل بصورة مؤثرة للجمهور المستهدف.
- قسم التسويق والتمويل، وتقع عليه كافة المهام التسويقية والمالية داخل الوكالة.
الإبداع هو السر
من جهته، يعتبر محمد علي الذي أسس مع مجموعة من زملائه وكالة إعلانية بمصر أن الاتجاه اليوم في الإعلان التليفزيوني هو الواقعية، أي يكون الإعلان مشابها للواقع اليومي، فلم تعد الفكرة تقديم شكل مثالي أو خيالي للحياة، بل قطع جزء من الحياة لتقديمه على الشاشة، وهذا يعني أن الإعلان لا بد أن يكون تلقائيا وغير مدروس وغير واع، وألا يتسم بالكمال والتميز الفائق حتى يبعد عن التمثيل ويكون أقرب للحقيقة؛ وهو ما يجعل المشاهد يتواصل معه ويقتنع بشراء المنتج الذي يعلن عنه الإعلان، على حد قوله.
ويضيف أن الإعلان اليوم هو حالة حوار بين المستهلك والشركة المنتجة، وإذا لم يكن الإعلان قادرا على القيام بهذا الدور أو جاء خاليا من الجذب والتسويق، حينها تفشل الشركة وأيضا وكالة الإعلان؛ وهو ما يجعل الشركات تندفع وراء الأفكار المبتكرة الجديدة التي تساعد على ترويج منتجاتها.
ولأن رأسمال الإعلان هو الفكرة، فيقول علي إنه أعجب بابتكار عدد من طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة لنموذج وكالة إعلانية للموضوعات ذات الطبيعة الاجتماعية مثل المخدرات، وأطفال الشوارع، والأيتام… وغيرها.
وبرغم ضعف التصوير في هذه الإعلانات، بسبب تواضع الخبرة الفنية لهؤلاء الطلاب، فإن أفكارهم جديدة، لأن الإعلان هنا عن منتج اجتماعي، وليس استهلاكيا، وهذه الأفكار وإن كانت غير ربحية الآن فإنه يمكن تطويرها لتجد سوقا عربية لا سيما مع تزايد وعي مؤسسات المجتمع المدني بقضايا المجتمع ورغبتها في الترويج لها.
صنع إعلان
وحتى تكتمل بنية أي وكالة إعلانية لا بد من أن يتدرب مؤسسوها على مراحل صنع الإعلان والأدوات المستخدمة لإخراجه، وذلك حتى تتيسر لهم القدرة على الإبداع؛ لأن هذا الأخير لا يحدث دون معرفة.
ووفقا لمواد تدريبية عامة نشرتها الجامعة الأمريكية للطلاب الراغبين في إنشاء وكالة إعلانية، تنقسم مراحل صنع الإعلان التلفزيوني إلى عدة مراحل أهمها:
1- مرحلة ما قبل الإنتاج، وهي تحتوي بدورها على عدد من العناصر الرئيسة التي لا بد أن يعيها وينفذها من يعمل في صنع أي إعلان تلفزيوني:
- تحديد خصائص الجمهور الذي سيستهدفه الإعلان، سواء من حيث السن أو الجغرافيا أو الثقافة أو غيرها، وذلك لخلق لغة مشتركة بين الإعلان والجمهور.
- ضرورة حمل أي إعلان وعدًا محددا يعطيه المنتج للمستهلك؛ وهو ما يجعل هذا الأخير يقبل على شراء السلعة المعلن عنها، فعلى سبيل المثال تجد وعدًا في إعلانات الجبن للأطفال بأن يكون طفلك قويا.
- عمل “الدعم” في الإعلان، أي الأسباب التي تجعل هذا المنتج يحقق ما وعد به من منافع ملموسة مثل وجود مكونات طبيعية فيه أو منافع معنوية مثل اسم المنتج نفسه.
- رسم صورة ذهنية للمنتج في عقل المستهلك من خلال ألوان محددة وحجم معين، أي باختصار عمل شخصية للمنتج حتى يتعرف عليه المستهلك.
- شعار المنتج وهو أهم خطوة لأنه الذي يحقق الوعد والدعم ويرسم الصورة الشخصية للمنتج، وحتى ندرك أهمية هذا البند في صناعة الإعلان فلنا أن نتخيل الشعار الذي رفعته إحدى شركات الهواتف الجوالة في المنطقة العربية وهو “المحمول في يد الجميع”، وقد أصبح حقيقة واقعة في يد الوزير والغفير من خلال الإعلانات.
- تجميع كل هذه الأفكار على الورق، ثم تخيلها ورؤيتها بكافة تفاصيلها، بحيث يتم تحديد أي صورة أو شكل سيخرج الإعلان من الورق إلى التلفزيون.
2- مرحلة الإنتاج والتصوير:
وتنقسم إلى عدد من العناصر التي تحتاج إلى خبرة فنية في مجال التلفزيون والسينما، فضلا عن الوعي بأهداف المنتج ورسالته، ومن أبرز هذه العناصر هي:
- تحديد طريقة إنتاج الإعلان التلفزيوني، لا سيما أن هناك أشكالا عدة منها أن يظهر المنتج فقط يتحدث عن نفسه، ويحدد من خلال كلامه وشعاره الوعد الذي يعطيه لمن يشتري المنتج، كما أن هناك إعلانات أكثر تفسيرية وتأثيرية مثل مقارنة السلعة بسلع أخرى أقل كفاءة مثل إعلانات الشامبو.
وقد يكون منطق الإعلان هو أن تكون السلعة هي المنقذ لمستخدمها كأن يكون الصابون السائل هو حل لمشكلة الصحون المتراكمة اليومية. وهناك أشكال عديدة تختلف باختلاف الإمكانيات والقدرة على الابتكار وفهم رسالة المنتج ومدى القدرة على توظيف المؤثرات الصوتية وغيرها.
- بدء التصوير، ويتم بتحديد نوعية اللقطات المطلوبة التي تتنوع ما بين لقطات تصوير طويلة جدا، وطويلة، ومتوسطة، وقريبة “كلوز أب”، أو قريبة جدا؛ فعلى سيبل المثال في إعلانات السمن، تبدأ بلقطة طويلة جدا لتوضيح شكل المطبخ ككل، ثم أخرى متوسطة تركز على شخصين يتحدثان مع بعضهما حول السمن، ثم لقطة ثالثة قريبة على أهم شيء في الإعلان “علبة السمن”، ثم لقطة قريبة جدا للتركيز على تفاصيل التفاصيل مثل اسم السمن.
ويتحدد في هذا السياق زوايا التصوير التي إما أن تكون زاوية في مستوى العين التي توضع فيها الكاميرا، أو الزاوية العليا التي توضع فيها الكاميرا فوق المنتج أو الزاوية السفلى التي تكون فيها الكاميرا أسفل المنتج لبلورته، كما لا بد من مراعاة الحركة في الإعلان التليفزيوني، فإما أن تتحرك الكاميرا أو المنتج أو يتحرك كلاهما.
- الصوت في الإعلان، وهو يتخذ أشكالا مختلفة منها الحوار أو الموسيقى أو الصمت حيث تسجل الأغنيات على الإعلان إما أثناء تصويره أو بعده أو قبله.
كما أن هناك إعلانات صامتة ولكنها نادرة، خاصة أن التليفزيون يعتمد على الصورة والصوت. أما الإضاءة فإما أن تكون قوية ثابتة أو ظلالا تخلفها الإضاءة الرئيسة أو إضاءة خلفية خلف المنتج فقط.
3- مرحلة ما بعد الإنتاج، أي المونتاج ويتم فيه حذف وإضافة وتقصير وتطويل المادة المصورة وتجميعها وتصحيحها وبناء المشاهد بالترتيب، وتقطع المادة لتصل للوقت المحدد سلفا للإعلان الذي غالبا ما يكون بين 20 و70 ثانية.
إن كل هذه العناصر تمثل مراحل صناعة الإعلان، وهي تحتاج إلى خبرة وتدريب عليها حتى تتقن، كما أن الوكالة الإعلانية تستعين بمحترفين للقيام بذلك، ولكن يبقى أن عليك وأصدقائك حينما تفكرون في إنشاء وكالة إعلانية أن تبحثوا عن رأس المال الفكري قبل المادي لتكون وكالتك قيمة مضافة في السوق، وليس تكرارا لشكل قديم استهلكته السوق بكثرة.
لمزيد من التفاصيل حول كيفية عناصر خطة أي مشروع انظر:
- مبدعون يهزمون البطالة