من عظمة محمد صلي الله عليه وسلم مع الأطفال أن رحمة النبي للعالمين ورعايته إياهم تشمل الأطفال جميعًا، فهي تشمل أطفال غير المسلمين كما تشمل أطفال المسلمين، وتشمل الإناث كما تشمل الذكور، وتشمل المرضى كما تشمل الأصحاء، وتشمل أطفال المجتمع العام كما تشمل أطفال ذوي القربى؛ وتشمل الموهوبين كما تشمل ذوي الاحتياجات الخاصة، فكيف يتعامل النبي محمد مع أطفال غير المسلمين؟ خاصة أن الطفولة في منهجه صلي الله عليه وسلم لها وضع خاص ومعاملة مميزة عن غيرها، فإذا نظرنا إلى تعامل النبي محمد مع أطفال غير المسلمين لوجدنا منهجًا رائعًا يستحق التقدير والتحية والإكبار والإجلال وتتمثل في الآتي:

1 – الحرص عليهم وهم في أصلاب آبائهم:

لما تعرض أهل الطائف لرسول الله صلي الله عليه وسلم وآذوه ورموه بالحجارة عرض عليه ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين (جبلين بمكة) عندها قال النبي الرءوف الرحيم : “أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يوحد الله”، فقمة الرحمة أن يحفظ الإنسان على حياة عدوه ويرجو الخير لذريته التي تخرج من صلبه.

2 – النظرة نحوهم تتميز بالروح الطيبة:

وتصنفهم في إطار البراءة والفطرة وتربي المسلمين على سلامة الصدر نحوهم، وأن تخلو النظرة النفسية حتى من مجرد الكراهية تجاههم: ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي : “كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصراه، أو يمجسانه…”، ويأتي ذلك أيضًا في إطار قوله : “رُفع القلم عن ثلاث (ومنهم) وعن الصبي حتى يبلغ الحلم.

3 – الحرص على الطفل الموهوب غير المسلم:

ومن جوانب كيفية تعامل النبي محمد مع أطفال غير المسلمين وعظمته حرصه على الطفل الموهوب حتى لو كان غير مسلم، ويتبين لنا هذا من قصة الطفل الموهوب غير المسلم (أبو محذورة) صاحب الصوت الجميل الذي كان يستهزئ بأذان المسلمين وكيف اهتم به الرسول ولم يعاقبه على استهزائه بأذان المسلمين، بل مسح على رأسه وقال: “اللهم بارك فيه واهده إلى الإسلام.. اللهم بارك فيه وأهده إلى الإسلام”، وقال له: “قل الله أكبر الله أكبر” حتى أذن أبو محذورة بمكة.

4 – الاهتمام بالأطفال المرضى غير المسلمين ودعوتهم:

فبرغم انتصار الإسلام وتأسيس الدولة بالمدينة المنورة كان حريصًا على زيارة مرضى أطفال غير المسلمين ودعوتهم والأخذ بأيديهم إلى الخير. ورد في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: “كان غلام يهودي يخدم النبي فمرض، فأتاه النبي يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: “أسلِم”. فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم ، فأسلم، فخرج النبي وهو يقول: “الحمد لله الذي أنقذه من النار”.

وورد في الصحيحين (البخاري ومسلم): عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله في رهط قبل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة. وقد قارب ابن صياد، يومئذ، الحلم. فلم يشعر حتى ضرب رسول الله ظهره بيده. ثم قال رسول الله لابن صياد: “أتشهد أني رسول الله؟”، فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين. فقال ابن صياد لرسول الله : أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه رسول الله وقال “آمنت بالله وبرسله”…، ورغم لؤم هذا الغلام ورفضه الإسلام بل وسخريته برسول الله صلي الله عليه وسلم فإنه صبر عليه ونهى سيدنا عمر بن الخطاب عن قتله.. وقد ورد في (أسد الغابة في معرفة الصحابة) خبر إسلام ابن صياد هذا بعد ذلك.

5 – عدم تكليف الأطفال غير المسلمين أعباء مالية أو ضريبية في ظل الدولة الإسلامية:

(عن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد: أن لا تضربوا الجزية على النساء ولا على الصبيان) {كنز العمال الإصدار للمتقي الهندي المجلد الرابع ومسند عمر رضي الله عنه:11412}.

6 – عدم إكراه الأبناء على اعتناق العقيدة:

وهذا من روعة منهج الإسلام الذي يحترم رأي الطفل ويعتمد الحوار والإقناع: روى أبو داود في (باب في الأسير يكره على الإسلام) عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كانت المرأة تكون مقلاتًا (المقلاة: التي لا يعيش لها ولد)، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولدٌ أن تُهَوِّدَهُ، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله عز وجل: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256].

7 – الحفاظ على حياة أطفال غير المسلمين وعدم التعرض لهم أثناء الحروب:

ما أعظم محمد صلي الله عليه وسلم في حرصه على حياة الأطفال، وما أعظم ممارسات أصحابه من بعده التي تنمّ عن عظيم الرأفة والرحمة؛ ورحمة محمد صلي الله عليه وسلم وأصحابه الفاتحين العظماء شهد بها القاصي والداني حتى قال جوستاف لوبون الفيلسوف الفرنسي: “ما عرف التاريخ فاتحًا أعدل ولا أرحم من العرب”.

روى مسلم في صحيحه عن بريدة بن الحصيب الأسلمي (أن رسول الله كان إذا أمّر أمير على جيش أو سرية ، أوصاه…)، وذكر من جملة ما أوصاه: “ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا”.

وقد أجاب سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن سؤالاً ورد إليه: يقول: هَلْ كَانَ رسول الله يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ؟ فقال: “إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ فَلاَ تَقْتُلِ الصِّبْيَانَ” يقول الإمام النووي وفيه: النَّهي عن قتل صبيان أهل الحرب.

وقد ورد في كنز العمال للمتقي الهندي عن ابن عمر أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث يزيد بن أبي سفيان إلى الشام وكان مما أوصاه به: ولا تقتلوا شيخًا كبيرًا ولا صبيًّا ولا صغيرًا ولا امرأة.

وورد في مسند الإمام أحمد عن الأسود بن سريع قال: أتيت النبي وغزوت معه فأصبت ظفرًا، فقتل الناس يومئذ حتى قتلوا الولدان فبلغ ذلك رسول الله ، فقال: “ما بال أقوام جاوز بهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية؟”، فقال رجل: يا رسول الله إنما هم أبناء المشركين، فقال: “ألا إن خياركم أبناء المشركين”، ثم قال: “ألا لا تقتلوا ذرية، كل مولود يولد على الفطرة، فما يزال عليها حتى يعرب عنها لسانه، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.

8 – المسلم في حالة الأسر والظلم وعند الإعدام لا يغدر ولا يقتل أطفال الأعداء:

روى البخاري، في باب غَزْوَةِ الرَّجِيعِ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبِئْرِ مَعُونَةَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ في شأن سيدنا خبيب بن عدي رضي الله عنه وهو الأسير المحجوز للقتل؛ لا يقتل طفل الأعداء وهو يقدر على قتله: (.. فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ اسْتَعَارَ مُوسًى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ لِيَسْتَحِدَّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ قَالَتْ فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذَاكَ مِنِّي وَفِي يَدِهِ الْمُوسَى فَقَالَ أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَاكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَانَتْ تَقُولُ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ…).


*الدكتور رشاد لاشين