في كلّ عامٍ، وقبل كلّ رمضانٍ بعدة أشهرٍ، تسألني زوجتي: وهو غالباً ما يكون ترند في كلّ بيت: كم بقي لرمضان؟ وكأنني موظفٌ في وكالة ناسا الفضائية وأسهر طوال الليل هناك، وأنظر عبر جيمس ويب – تلسكوب ناسا الفضائي – لأرى القمر وأعرف من خلال ظهوره أكان بدراً أم هلالاً، وأعود لكراسٍ صغيرٍ عبر الحاسب الآليِّ، لأقوم بحاسباتي الفلكية الرياضية لأعرف كم بقي للشهر المبارك، وأرجع لهاتفي الخلويِّ، لأرسل لها رسالةً عبر الواتساب أشرح فيها طور القمرِ وحالته، وأبرهن لها عدد الأيام بالضبط وأجيب على سؤالها، فيا أمة الله ما بالي وبال كم بقي لشهر رمضان؟ فإن رمضان آتٍ ان شاء الله في كل عامٍ، فيا ربي بلغنا رمضان وأعنّا فيه على الصيام والقيام وغضِّ البصر وحفظ اللسان.

كتبت المقال في أول أيام من رمضان، إليكم السبب:

لم أرغب بكتابة المقال حتى جعلت زوجتي تتعهد لي بعدم سؤالي مرةً أخرى “كم بقي لرمضان؟” قبل الرمضانات القادمة، حتى يُحدث الله بعد ذلك أمراً، ويبقى السؤال الذي لا يقل أهميةً عن وقت رمضان ألا وهو متى سنحضر زينة رمضان؟ من أضواءٍ وفوانيسٍ ومعلّقاتٍ رمضانيةٍ فأتهرب بالإجابة: أن زينة رمضان بدعةٌ ما أنزل الله بها من سلطانٍ، لترد على إجابتي أن هنالك عدة أقوالٍ للعلماء، فمنهم من قال: أنها بدعة إن أُريد بذلك التعبد، ومنهم من قال: لا ضير بها إن كانت عرفاً لا يُراد به التعبد، ونحن في بلاد الغربة، ولا نشعر بقدوم الشهر الكريم إلا بتزيين المنزل، ولا نريد بالزينة التعبد بل سنعقلها عرفاً وتقليداً وفرحاً بقدوم الشهر الكريم، فأذهب لشراء زينة رمضان مرغماً، ولا أقول إلا كما قالت العرب: “مكرهٌ أخاكَ لا بطلُ”، وكالعادة في كل عامٍ لم تجد ما يعجبها من الفوانيسِ فاكتفت بشراء الأضواءِ والمعلقات الرمضانية فقط لا غير.

ماذا سنأكل في رمضان ؟!

لطالما قضَّ هذا السؤال مضطجعي في الأيام العادية لصعوبة الإجابة عليه، فكيف ان سُئلت نفس السؤال ومتى؟ قبل رمضان بأيامٍ، فلا يُقض مضطجعي حينها فقط بل ترتعد فرائصي منه، حتى ينتهي بنا الحال لكتابة برنامجٍ من 15 طبق موزعة على 30 يوم، أي كلَّ طبقٍ يكفي ليومين ولله الحمد والمنة.

ملاحظات شخصية:

  • إن شهر رمضان في كل عامٍ قادمٌ لا محالةً بإذن الله حتى قيام الساعة، فلا داعي لأن يشغل المسلم نفسه بقدومه سوا لإمر واحدٍ، وهو أن يعقد النيةَ لصيامه وقيامه والتعبد فيه، ولا يشغل نفسه بشيءٍ إلا أن يعاهد الله بأن يُغير من شأنه الديني نحو الأفضل، وأن يستمر بعد رمضان على ذات المنوال إلى أن يلقى رمضان التالي على نفس الحال ويتغير نحو الأفضل.
  • يجب على المسلم أن تكون حاله دنيوياً في رمضان على نفس المنوال الخاص بحياته، فالعبرة ليست بتبديل شكل المنزل أو تزيينه أو تغيير شكل الأطعمة أو أنواع المشروبات، العبرة بالتغير الديني فختمة القرآن والذكر وزيادة العبادة هي المُراد بتغييره في رمضان، وإنني رأيت أقواماً لا يصومون ولا يصلون برمضان وبغيره بل يُغيرون من الأوقات فقط، فبدلاً من الإفطار الصباحي يتسحرون، وبدلاً من تناول الغداء ظهراً يفطرون على وقت المغرب، بل ويا للعجب يُباشرون مع وقت أذان المغرب مع أنهم لم يصوموا طيلة اليوم “فعش رجباً ترى عجباً.
  • لا أدري من أين أتى هذا النمط الرمضاني، بأن تكثر الأطعمة في رمضان، وأن تزداد الأطعمة على سفرة الإفطار والسحور، مع أن الغرب وهم قدوةٌ لبعض الأقوام عندنا لا يوجد عندهم مثل هذا النمط أساساً.
  • ولا أدري أيضاً من أين أتى هذا المرض المعديُّ المسمّى “شاركها على الستوري هاشتاغ رمضان” بأن ينشر لنا كل إنسان ما لذَّ وطاب مما أكله وشربه على الإفطار أو السحور، أهكذا يكون رمضان يا للعجب؟!
  • والأنكى من ذلك كلِّه أنه إن لم يكن مسلمٌ ما مصاباً بهذا الداء المعديِّ “شاركها على الستوري هاشتاغ رمضان” يصبح متشدداً ورجعياً وحنكلوشياً وفنكلوشياً.

قيمةٌ رمضانيةٌ بخلاف الأيام العادية

لا يعرف قيمة رمضان إلّا من كان في بلاد الغربة، ولا يعرف قيمة الصيام إلّا من كان أيضاً في بلاد الغربة، فعندما يتجوّل المسلم الصائم في شوارع وأسواق البلاد التي لا يمر رمضان على مواطنيها إلّا ما تيسر، فيجد الغربة بالغربة، وتلك لا شك أنها غربةٌ ثانيةٌ، حتى يرى أن معظم من كان يتعامل معهم في الأيام العادية، هم مفطرون في وضح النهار، ويرى ان حال البلد من انحلالٍ أخلاقي وقيمي ذاته في نفس الأيام التي قبل رمضان، فيشعر بشعور الوحدة والعزلة، وهنا يجب على الصائم أن يأخذ بالحسبان أنه يصوم تعبداً لله وأن يراغم من يفطر بهذا الوقت بالقول: انا صائمٌ {إن كان الموقف يتطلب ذلك}.

خاطرة رمضانية

لا تظن أخي القارئ أن كاتب هذا المقال وليٌ من أولياء الله، وأنه صوّامٌ قوّامٌ راهبٌ في الليل فارسٌ في النهار، بل إنه أدنى من ذلك بكثيرٍ، وأنها مجرد خاطرةٍ تخطر ببال الكاتب قبل كلِّ رمضانٍ وفي كلّ رمضانٍ وفي نهاية كلّ رمضانٍ وبعد كلّ رمضانٍ.

وإن كاتب هذا المقال يسعى في كلّ رمضانٍ إلى أن يصبح أفضل من رمضان الفائت، لكنّ هموم الحياة ومشاغلها ومتاعبها تحول بينه وبين ذلك في كلّ رمضان، فنسأل الله التوفيق والسداد والثبات، ولا حرج من أن يذكر المسلم نفسه والمؤمنين بذلك.