لا يُدرك الإنسان مهما بلغ من العلم والمعرفة تقدير حجم السماء العظيمة، ومدى اتساعها، والإحاطة بأسرار خَلقها المدهش، ويكفي أن الله قال فيها: {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
ولك أن تتخيل أن أقصى ما وصل إليه علماء الكون والفلك في تقدير حجم الكون المرئي فقط هو 93 مليار سنة ضوئية، هذا الكون المرئي الذي يحيط بالمجرات والتي تزداد وتكبر، إضافة إلى ولادة ملايين النجوم، وفوق ذلك استمرار اتساع هذه السماء {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون}.
ثم تخيل حجم هذه السماء العظيمة فوق هذا الكون أو إحاطتها به، وقد ورد في الأثر أن بين الأرض والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء هكذا، وأن سُمك السماء الواحدة كذلك مسيرة خمسمائة عام.
ثم تعال لأحدثك عن تذلل هذه السماء العظيمة، ومشاعرها وأحاسيسها وخضوعها لخالقها وإذعانها وعبوديتها له سبحانه.
1- السماء تطيع الله
قال سبحانه: {ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين}.
قال الطبري: (فقال الله للسماء والأرض: جيئا بما خلقت فيكما، أما أنت يا سماء فأطلعي ما خلقت فيك من الشمس والقمر والنجوم، وأما أنت يا أرض فأخرجي ما خلقت فيك من الأشجار والثمار والنبات، وتشقَّقِي عن الأنهار {قالتا أتينا طائعين} جئنا بما أحدثت فينا من خلقك، مستجيبين لأمرك لا نعصي أمرك).
2- السماء خافت وأشفقت من حمل الأمانة
قال جل في علاه: {إنَّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا}.
عن ابن عباس، الأمانة: الفرائض، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال، إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيما لدين الله ألا يقوموا بها، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها، وهو قوله: {وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} يعني: غِرا بأمر الله.
3- من في السماء مسلمون لله
قال تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}.
فالسماء ومن فيها من خَلق مسلمون مستسلمون لله سبحانه طَوعا وكَرها.
4- من في السماء يسجد لله
قال عز وجل: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}.
فكل الخلائق والمخلوقات في السماوات وفي الأرض تسجد لله سجود الطاعة والعبادة على الحقيقة، أو سجود التسخير والإذعان والانقياد والتذلل لله سبحانه.
5- السماء تسبح لله، ومن فيها وفي الأرض يسبحون لله
قال سبحانه وتعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}.
وقال عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}.
فالسماوات السبع العظيمة والأرض، وكل الخلائق تسبح بحمد الله، ولكننا لا نفقه تسبيحهم، فسبحان الله الخلاق العظيم.
6- السماء توحد الله وتكاد أن تتفطر من قول المشركين
قال جل في علاه: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا، لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا، تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا، أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا}.
فالسماوات على عظمتها وصلابتها تكاد أن تتفطر وتتشقق خوفا وفَرقا وتنزيها لله من جُرأة المشركين وادعائهم أن لله ولدا تعالى عما يقولون علوا كبيرا.
7- السماء تبكي ولديها مشاعر
قال جل وعلا: {فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين}.
روى الطبري: عن سعيد بن جُبير، قال: أتى ابن عباس رجل فقال: يا أبا عباس أرأيت قول الله تبارك وتعالى {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، بكى عليه؛ وإذا فقده مُصَلاه من الأرض التي كان يصلي فيها، ويذكر الله فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير، قال: فلم تبك عليهم السماء والأرض.
8- السماء قائمة بأمر الله
قال تبارك وتعالى: {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون}.
قال الطبري: (ومن حججه أيها القوم على قُدرته على ما يشاء، قيام السماء والأرض بأمره خضوعا له بالطاعة بغير عمد ترى).
9- ومن عبودية السماء لله أن ما فيها مسخر لنا
قال جل شأنه: {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة}.
وقال سبحانه: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون}.
10- ومن عبودية السماء كذلك فزعها من هول يوم القيامة
قال تعالى: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة}.
فثقل علم الساعة على أهل السماوات والأرض، فهي ثقيلة لا يعرفون متى تكون، وإن جاءت كانت ثقيلة مهولة، فتتشقق السماء، وتنكدر نجومها وتُطمس ويتبدل حالها استسلاما لأمر الله الذي أمرها.
والله سبحانه وتعالى أجل وأكرم وأعلم.
رزقنا الله وإياكم علما وفقها وفهما، وصحة وعافية وذِكرا حسنا في الأرض وفي السماء، وفي الدنيا والآخرة، إنه على كل شيء قدير.