الحمد لله فارج الهم ومزيل الكرب ومذهب الحزن، وبه كل عوض، ثم هذه كلمات كتبتها لي ولجميع إخواني المسلمين ممن يطلع عليها، والله أسأل أن ينفع بها ويتقبلها.

الكلمة الأولى: في تعريف الهم والحزن والكرب، والفرق بينها.

– الهم: يكون في الخوف مما قد يحصل من المكروه

– الحزن: يكون على ما فات وحصل من المكروه

– الكرب: يكون على ما وقع وحصل من المكروه.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: والمكروه الوارد على القلب: إن كان من أمر ماض، أحدث الحزن، وإن كان من مستقبل، أحدث الهم، وإن كان من أمر حاضر، أحدث الغم. الفوائد (ص، ٣٥).

الكلمة الثانية: حياة المؤمن بين الصبر والشكر، ففي الصحيح عن النبي قال: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم.

– لذلك إذا أراد العبد أن تكون حياته كلها عبودية لله تعالى، فعليه إن أصابته سراء أن يشكر، وإن أصابته ضراء أن يصبر.

– قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى: فالمؤمن على كل حال ما قدَّر الله له فهو خير له، إن أصابته الضراء صبر على أقدار الله، وانتظر الفرج من الله، واحتسب الأجر على الله؛ فكان ذلك خيرًا له، فنال بهذا أجر الصائمين. وإن أصابته سراء من نعمة دينية، كالعلم والعمل الصالح، ونعمة دنيوية، كالمال والبنين والأهل، شكر الله، وذلك بالقيام بطاعة الله عز وجل، فيشكر الله فيكون خيرًا له، ويكون عليه نعمتان: نعمة الدين، ونعمة الدنيا. شرح أحاديث رياض الصالحين الحديث رقم ٢٨ باب الصبر.

الكلمة الثالثة: الأجر والثواب على ما يحصل للعبد في هذه الدنيا من المكاره،

قال تعالى: {إِنَّمَا یُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَیۡرِ حِسَابࣲ} [سورة الزمر ١٠].

– وعن جابر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَوَدُّ أَهلُ العَافِيَةِ يَومَ القِيَامَةِ حِينَ يُعطَى أَهلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَو أَنَّ جُلُودَهُم كَانَت قُرِّضَت فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ) رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني.

– مقاريض: جمع مقراض، وهو ما يُقص به.

الكلمة الرابعة: تكفير السيئات ومغفرة الذنوب، في أنواع البلاء الحاصل في هذه الدنيا.

– عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) رواه الترمذي، وصححه الألباني.

وفي الشعر: فكل مصيبة عظمت وجلت تخف إذا رجوت لها ثوابا.

الكلمة الخامسة: معرفة حقيقة الدنيا وأنه لا يُغتم لها ولا يُحزن عليها

– فقد مر رسول الله بشاة ميتة قد ألقاها أهلها، فقال: (والذي نفسي بيده، للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها) صحيح الترغيب والترهيب للألباني.

– هذه الدنيا قصيرة لا تستحق، والبقاء فيها قليل.

– قال تعالى: {مَن كَانَ یَرۡجُوا۟ لِقَاۤءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لَـَٔاتࣲۚ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ} [سورة العنكبوت ٥].

– وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز) رواه الترمذي.

– وخطب عثمان رضي الله عنه فقال: (إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى وإن الآخرة تبقى، لا تبطرنكم الفانية، ولا تشغلنكم عن الباقية) البداية والنهاية (٢٠٨/٤).

– وﻋﻦ ﻣﻴﻤﻮﻥ اﺑﻦ ﻣﻬﺮاﻥ ﻗﺎﻝ: اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻗﻠﻴﻞ، ﻭﻗﺪ ﺫﻫﺐ ﺃﻛﺜﺮ اﻟﻘﻠﻴﻞ، ﻭﺑﻘﻲ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﻴﻞ. ذم الدنيا، لابن أبي الدنيا (ص، ٤٦).

الكلمة السادسة: الهم والحزن لا يفيدان العبد في شيء، وقد كان النبي يتعوذ من ذلك، ويقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) رواه البخاري.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: النبي جعل الحزن مما يستعاذ منه، وذلك لأن الحزن يضعف القلب ويوهن العزم، ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن. قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة، ١٠].

فالحزن مرض من أمراض القلب، يمنعه من نهوضه وسيره وتشميره، والثواب عليه: ثواب المصائب التي يُبتلى العبد بها بغير اختياره، كالمرض والألم ونحوهما … ولكنّ الحزن لا يجدي عليه، فإنه يضعفه كما تقدم. بل الذي ينفعه أن يستقبل السير ويجد ويشمر، ويبذل جهده. وهذا نظير من انقطع عن رفقته في السفر، فجلس في الطريق حزيناً كئيباً، يشهد انقطاعه، وسبق رفقته!! فقعوده لا يجدي شيئاً، بل إذا عرف الطريق، فالأولى له أن ينهض، ويجد في السير، ويحدث نفسه باللحاق بالقوم. وكلما فتر وحزن، حدث نفسه باللحاق برفقته، ووعدها إن صبرت أن تلحق بهم، ويزول عنها وحشة الانقطاع. فهكذا السالك إلى منازل الأبرار، وديار المقربين. طريق الهجرتين (٦٠٨، ٦٠٧/٢).

الكلمة السابعة: دعاء الله سبحانه والتوكل عليه وتعلق القلب به والاستعانة به في كل ما يهم العبد أو يحزنه. قال تعالى: {وَمَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥۤۚ} [سورة الطلاق ٣]. حسبه: أي كافيه.

– ومن دعاء الهم والحزن: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: (اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي). إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ) رواه أحمد وصححه الألباني.

من دعاء الكرب: فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) رواه البخاري ومسلم.

الكلمة الثامنة: الإيمان والعمل الصالح. قال تعالى: {مَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَلَنُحۡیِیَنَّهُۥ حَیَوٰةࣰ طَیِّبَةࣰۖ وَلَنَجۡزِیَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ} [سورة النحل ٩٧].

الكلمة التاسعة: الإكثار من ذكر الله تعالى، قال تعالى: {أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ} [سورة الرعد ٢٨]. فإن لذلك تأثيراً في انشراح القلب وسروره وطمأنينته.

الكلمة العاشرة: النظر في النعم الموجودة، وإلى من هو دونك في أمور الدنيا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) رواه الترمذي.

الكلمة الحادية عشرة: الانشغال بما يفيد في الدنيا والآخرة، وصرف الذهن.

قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى: ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب، واشتغال القلب ببعض المكدرات: الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة، فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه، وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففَرِحتْ نفسه، وازداد نشاطه. الوسائل المفيدة (ص، ٤٦).

الكلمة الثانية عشرة: النظر في سير الأنبياء والنبي عليه الصلاة والسلام، وصحابته رضي الله عنهم.

فقد كان رسول الله أزهد الناس في الدنيا، وتوفيت زوجته خديجة وعمه حمزة وابنه إبراهيم، فكان من الصابرين المحتسبين، كان ينام على الأرض ويؤثر في جنبه. قالت عائشة رضي الله عنها: (ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله ) رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية لمسلم قالت: (لقد مات رسول الله وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين). ولو أراد لآتاه الله كنوز الدنيا كلها عليه الصلاة والسلام.

– وكان أبو حازم يمر على الفاكهة في السوق فيشتهيها، فيقول: موعدك الجنة. حلية الأولياء (٢٤٦/٣).

– العالم الواعظ الزاهد الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى كان يقول لنفسه: يا نفس، أتخافين أن تجوعي؟ إنما يجوع محمد وأصحابه. إحياء علوم الدين (٨٨/٣).

الكلمة الثالثة عشرة: الإيمان بالقدر، وبه تكون طمأنينة الإنسان، وأن كل شيء مسجل ومكتوب. قال تعالى: {لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُوا۟ بِمَاۤ آتَىٰكُمۡ ۗ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٍ فَخُورٍ} [سورة الحديد ٢٣].

وفي الحديث: (وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ) رواه أحمد وأبو داود.

في الختام، اعلم أن الدنيا قصيرة لا تستحق … ولقاء الله قريب … والعوض منه كبير، فالصبر الصبر … اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين وأذهب حزن المحزونين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.