ما نشهده اليوم في عالمنا من تجويف للقيم الخلقية في عالم مادي لا روحاني في عالم تتصاعد فيه الدوافع والمصالح الإقتصادية والنرجسية و تغزو فيه القيم المادية الإستهلاكية والتنافس لجلب أقصى ما يمكن من الشهوات لإشباع الملذات والنزوات ولا سيما العالم الخارجي الذي فتح لهم باب الاستهلاك من نافذة وسائل الإعلام على تزيين ما طاب ولذ لما تبثه في الأفلام والمسلسلات من دناسة بل لم تحترم قداسة البراءة للطفل لما تنشره من قيم عبر مختلف القنوات المبرمجة للأطفال (الرسوم المتحركة ) التي تشجع على الصراع والفوضى والعنف والهمجية لا على المحبة والتسامح والتراحم وكان المآل طبعا عالم لا يعرف إلا الحروب و القتل والتدمير والفساد والإرهاب ويجهل الحياة والفرح والحب والشرف والضمير.
نحن بحاجة إلى حب يسري في عالمنا ولا يمكن اختزال الحب للعلاقة بين الرجل والمرأة أو ما نقرأه سوى في الروايات بل الحب كقيمة روحية تروم للإصلاح الجذري والداخلي للأذهان والقلوب نحو اتحاد مجتمع عالمي بقلوب متآلفة متحابة, لأن الحب جبلة في الخلق وفطرة في النفوس فكل قلب يخفق بحب ,ولكن شتان بين حب وحب فإن فتنة الحب اليوم ليشغل قلوب الإناث للإناث والذكور بالذكور تلك هي الطامة الكبرى …إلى أين نحن نسير؟ وما هي نهايتنا ؟ أصبحت قيمنا هشة متبعثرة فاقدة لمنهج وسطي.
لقد شهدنا عولمات متعددة منها العولمة التقنية والعولمة الإقتصادية والعولمة الثقافية لكن لم نشهد عولمة روحية لتكن عولمة الحب تدعو إلى مشاعر الحب والعواطف في كيان الإنسان لأن الحب أشبه بالسراج المضيء في غرفة ظلماء وكان هذا الظلام في عالمنا اليوم يزداد ويزداد لكدورة المعاصي والخبث وكثرة الشهوات التي تراكمت على وجه القلب فإن ذلك يمنع صفاء القلب وجلاءه فيمنع ظهور الحق فيه لنبحث عن حب عالمي لايشوبه شهوة ولا مصلحة ولا أشواك دامية ولا ألام كاوية.
إذ لم يكن في الإمكان كف المطامح والنهم التي تقود للربح والهمجية فإن المجتمع العالمي سيظل يغرق بالدم والوحشية ليصبح الصراع كينونة الإنسان صراع بين الزوج والزوجة وصراع بين الأب وابنه وبين الأم وابنتها هذا الصراع الأسري يرجع أيضا للثقافة التي تنشرها وسائل الإعلام من قيم التي تصدرها الأسرة الغربية تروم إلى فساد أخلاقي تحرر المرأة أو المساواة بين الجنسين أوالتقدم أو الاستهلاك المفرط …. وكانت نهاية هذه الحرية المفرطة الحرية في حق الزواج المثلى وهكذا تلوثت القيم بعدما كانت الأسرة هي الخلية للخلق والحب والأخوة والأمومة والأبوة انقلبت قيم الأسرة الغربية إلى رغبات وشهوات قصد المتعة لا غير فالسبيل لإصلاح البشرية سبيل داخلي روحي و أخلاقي والمقاربة الرؤية الإسلامية نجد مالك بن نبي في توصيفه للإنسان المادي في هذا العالم يقول يصبح هذا الإنسان المادي في عزلته وحيدا ينتابه شعور بالفراغ الكوني ويجيبنا عن طريقتان لملء هذا الفراغ إما أن ينظر المرء حول قدميه نحو الأرض لامتلاك الأشياء وإما أن يرفع بصره نحو السماء أي برؤية أخلاقية روحانية ليملأ هذا الفراغ هكذا إذن الولوج في عالم روحاني أن لا نختزل رؤيتنا في هذا العالم نحو قدمينا حسب مالك بن نبي.
أيضا يمكن نعرض رؤية الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله عن الحب في الإسلام وذلك في كتابه من الفكر والقلب على أن الحب ليس الذي يمثله الممثلون في أفلامهم بل يفقهون من الحب الذي يتسلل حيث عيون الشرف والدين غافلة ويختفي حيث تبدأ قداسة الشريعة وروح الزواج بل كان الحب سر من أسرار القلب يربى فيه فضائله ويحوط بالحفظ كمالاته ويغرس في النفس بذور الإنسانية بعد أن يقلع منها جذور الأثرة والأنانية فكان خير مهاد لبناء الأسرة وأفضل روح لتضامن الأمة وأقوى زناد لتفجير ينابيع الحكمة وإذكاء شعلة الأدب .
و نجد من أعظم الشعراء الصوفية و العالمي مولانا جلال الدين محمد البلخي الرومي الذي يمثل قمة من قمم الروحانيات البشرية ليبشر بأن المحبة قوام العلاقات البشرية وأن الإسلام دين المحبة والحب هو روح الكون وبسببه يحاول الإنسان العودة إلى منبع وجوده يقول الرومي عندما يعرف روحك روحي معرفة تامة كلا الروحين يتذكر أنهما كانا روحا في الماضي , واشتهر بمقولته كن ثملا بالعشق فإن الوجود كله عشق. لقد استند الصوفية في التركز على المحبة في معراج سلوكهم الروحي إلى حقائق الإسلام المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية وقول الرسول (ﷺ ) ” لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين” الحب في منظور جلال الدين الرومي هو التاج الذي يؤسس الكيان ويسوس دولة الروح ومن دونه تفقد لذة الوجود ومعنى الحياة إذن فلسفة الحب هي الحور الذي تحوم حوله كل أفكار جلال الدين الرومي وبما أن فلسفة الحب عند جلال الدين الرومي تحتوي كل التناقضات وتتجاوز كل البديهيات لينتهي بالإقرار بوحدة الحب والأديان .بل الحب عند جلال الدين الرومي إكسير الحياة أي كيمياء الحياة. حيث يقول ” اعلم أن العاشق ليس مسلما ففي مذهب العشق ليس ثمة كفر ولا إيمان”!!
وفي الفلسفة الغربية نجد الفيلسوف لوك فيري في كتابه أجمل قصة في تاريخ الفلسفة في حديثه عن أجوبة الفلسفة فكان الجواب الخامس الحب مبدأ جديد للمعنى أي معنى جديد للحياة يسميها لوك فيري الإنسانوية الثانية خلافا لإنسانوية الانوار العقلانية وما خلفته من دمار للعالم لأن من أهداف الحداثة السعادة والتقدم والحرية فكانت النهاية الحتمية التعاسة والتخلف الاخلاقي والنرجسية اذن يدعو لوك فيري إلى إنسانوية ثانية قائمة على الحب فالحب ينمي فينا معنى ماهو جمعي بعيدا عن الدفع بنا إلى انطوا فرداني الحب وحده قادر على إضفاء طابع مثالي من أجل عالم يمكن العيش فيه.