لستُ هنا بصدد الكتابة عن فضَل الصلاة وكونها ركن من أركان الإسلام أو من جزئية الثواب وبعدها الروحي كشعيرة يُستوجب آداها على كل مسلم ومسلمة أو لتبيّان الأثم الناتج عن تركها وإهمالها وذلك لبداهة الأمر عند السواد الأعظم من المسلمين ولكثرة المواد الشارحة لفضلها الرادعة لتركها سواءً كانت مقروءة أو مسموعة.
بالنظر في الأبجديات التي يقوم بها كل من يصلي حتي أصبحت من المسلمات بفضل تكرارها مما أدي لحجب فوائدها الدنيوية بما يتعلق بالفلاح أو النجاح الدنيوي الناتج من الالتزام بها.
لقد قمت بتدوين خصال ناتجة من استقراء وتأمل شخصي أحسبُ أنها من أمهات النجاح في الحياة ونقوم بها يومياً بطريقة روتينية في صلاتنا وتُعتبر من أفعال الفلاح الدنيوي والرُقي المُجتمعي.
من الأشياء التي جعلتني بكتابة هذه الأسطر الافتتان المبالغ فيه بخبراء الموارد البشرية وكثرة الوسائط المتكلمة عن النجاح في الحياة والعمل وجدت أن معظمهم قد أكد علي أهمية :
- الالتزام :
ويُعد الركن الأول للنجاح ويُعني بذلك احترام الوقت والالتزام به كأسلوب حياة والسعي وراء الأهداف يتطلب استقطاع وقتي بشكل دائب فطفق بخاطري التزامُنا كمسلمين بالصلوات الخمس في وقت زمني محدد كما قال الله تعالى: { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } [النساء: 103]. مما يوضح أهمية الوقت وتنظيميه في تَعبُدنَا اليومي فذلك يدل علي احترام الوقت والالتزام به وهو من واجبات فلاح الآخرة والدنيا معاً فلوحظ لي من مجالسة الذين يحرصون على الصلاة جامعة أن لهم حُسن تنظيم وقتي علاوة علي نجاح حياتي فخَلصتُ بأن الفلاح الدنيوي لا ينفَك من التقيّد بأزمان الصلاة المكتوبة وبها نتعلم الالتزام وطرّق تَقسيّم الوقت.
- الامتثال للنظام:
أعني هنا من أجل الفلاح في الحياة لأبد من نمط نظام يُخضع له سواءً في العمل أو العيش فعمل بلا نُظم تضبط سيرة يضحي سراب يحسبه الظمآن ماء (نجاح).
(وحياة بلا مبادئ تحكمُها تصبح كظلمات فوقها فوق بعض لا يغشاها ضياءً)
نقتبس من صلاتنا أن هنالك نظام يبتدئ من أول دخول المسجد حيث يتوجب على المُصلي أن ينزع حذائه خارجه ويلج بيمينه قبل يساره وينطق بدعاء دخول المسجد ثم أداء تحية المسجد فإذا أقُيمت الصلاة يصطف المصلون خلف الإمام على شاكلة صفوف متتالية تُراعي المسافات البينية يقوم المأموم بأتباع حركات الأمام فلا يتباطأ فيتأخر ولا يسرع بحيث يسبق الإمام حيث يتوجب على من تأخر عن الإقامة أن يجد لنفسه موقع في أخر صف لا يجب عليه التخطي أو التغلغل داخل الصفوف , يتعلم المسلم أنماط النظام داخل المسجد مُنذ الصغَر فتصبح قاعدة انطلاق تنظيمية شاملة للحياة.
كما أن الفلاح الدنيوي يُستصعب على من ليس له أطُر ناظمة مقيدة سواءً على الصعيد العملي أو الشخصي فصلاتنا تُغذينا بالنُظم والتقيد بالمحيط العام والانصياع له.
- مراقبة النفس:
يقول الله تعالى: { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ يوسف: 53]
خُلق الإنسان بنفس متطلبه يُستوجب ترويضها ويتم ذلك عبر الاتصال الروحي بالله والاقتناع بأن ليس كل ما يُطلب يُجاب، تتم هذه العملية في الصلاة عبر الحساب الذاتي فعند الصلاة ينبغي على المُصلي أن يَنوي عند الوضوء ثم يحسنه وأن يستقبل القبلة ثم يأتي للصلاة باستسلام تام وأن يُراعي أركان وسنن وواجبات الصلاة ويتحتم على المُصلي أن يقرأ القرآن بصورة صحيحة مع مراعاة الترتيب المتفق عليه.
تُهذب الصلاة النفس وتقومها بصورة دائمة باستشعار الحق الناظر الذي لا تُخفي عنه خائنة الأعين وما تُخفي الصدور, من هذا المنطلق يَتولّد ميزان العدل الداخلي الذي يُحاسب المرءُ به نفسه فَيُراعي فعله، قوله، وعمله فينتج عنها فلاح دنيوي سمته الإخلاص والإتقان وما من شيء حُظي بهاتين الصفتين إلا وكان النجاح حليفهما كما في الحديث ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) مما يعني أحب الاعمال إلي الله أتقنها فإذا وُجد الإتقان أقترن معه النجاح ولا نجاح من غير نفس مُراقبة.
ولهذا يستوجب علينا أن نُنقح دواخلنا في كل حين بالمكاشفة والمسائلة.
- السلام النفسي:
توجد نسبة من البشرية تُعاني من خواء واضطراب نفسي ملحوظ استنادا على الأطباء المختصين والتقارير العلمية الصادرة منهم , يُعزي هذا الخواء الروحي بغياب الإيمان بالله فضعف الرابط الروحي يَنتُج تزعزع داخلي ربُما يَخلُص إلي قتل النفس كما هو شائع الآن حيث تفيد التقارير بأن الذين يقومون بهذا الفعل قد يأسوا من الحياة بفعل الغليان الداخلي الكامن من الفراغ الروحي سواءً كان هذا الفراغ من معتقداتهم أو إلحادهم المطلق و ينتج عن هذا الفعل انتقاص بشري ينعكس على مفهوم الاستخلاف في الأرض وأعمارها عند المسلمين.
يقوم المسلم باتصال روحي خمس مرات يومياً يكون فيها بمعية مباشر ة مع خالقه يجدد فيها انكساره له يناجيه، يستغفره، يسترضيه، يسترحمه ، يسأله الفلاح والهداية والرضا يؤكد فيه خضوعه واستسلامه التام وطلب الهداية يترجاه بدخول جنته ويستعيذ به من النار .
هذا الفعل اليومي بمثابة علاج للنفس واطمئنان للقلب كما في قوله تعالي { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب } (الرعد : 28 )
فقلوبنا بحاجة إلي تغذية روحية تُستمد من ذكر الله فإننا نبادر من نلقاه بتحية السلام ونختم صلاتنا بالسلام.
فبهذا الفعل يَصبح السلام النفسي خصلة المسلم فمن صار سليم النفس أصبح أنفع للخلق وأنجح للعمل.
- النظافة ومراعاة الاخر :
كما هو معروف يُقاس تحضر الأمم ورقيّها بنظافتها ومن إحسان الاسلام علينا تفصيله الشامل بكل ما يخص أمر المسلم في حياته اليومية ويمتاز المسلم عن غيرة بالصلوات المكتوبة والتي تُحتم عليه بأن يكون طاهرًا عند ادائها ويُعني بذلك النظافة الداخلية للجسد والخارجية للملبس واستحباب التطيب.
فالحكمة الكامنة في الوضوء هي تنقية الاطراف من الادران عند تمرير الماء وخلخلتها بين الأطراف فالطهارة شرط أساسي في أداء الصلوات ومن المحببات التي وصي بها نبينا السواك عند الصلوات ولولا رحمته بنا وخوفه علينا من المشقة لكانت أمر عند كل صلاة كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : (لولاَ أن أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي؛ لَأَمَرتُهُم بِالسِّوَاك عِندَ كُلِّ صَلاَة).
والحكمة خلف ذلك نظافة الفم عند الوقوف أمام الله وأيضاً مراعاةً للمصلين من أذية البَخَر ويتجنب المُصلي أكل الثوم والبصل مراعاةً للجماعة فأن السواك مطهر للفم مرضاة للرب.
- الفائدة الجسدية:
الصلاة عبارة عن رياضة جسدية وروحية وعقلية واذا ما داومنا على الصلاة فأننا نحافظ على اجسامنا سليمة وعلى نفوسنا مستقرة وهادئة وعلى عقولنا متزنة.
من فوائد الصلاة العظيمة ان الله جعل فيها الركوع و السجود اللذان يعملان على تقوية الاوعية الدموية و تنشيط الدورة الدموية حيث يقوم القلب بوظائفه على اكمل وجه و بالتالي فان الدم يصل الى جميع اعضاء الجسم و خاصة الدماغ . ولكي تنمي وتنشط عضلاتك وتتخلص من التعب الجسدي والضعف والكسل والخمول فعليك بالصلاة وممارسة هذه الرياضة الربانية والصبر عليها كما امرنا الله ,فإنها تُساعد على التركيز و تهيء للتأمل والهدوء حيث تم إثبات أن هُنالك خلايا في الدماغ تنشط عند الصلاة فبها نتعبد و نحافظ على أجسادنا ونقويها.