من العوامل المهمة في ارتقاء العمل الجماعي كماً ونوعاً وجودةً انفعال أفراده بمبادرات ذاتية تدعمه بكل جهد فكري إبداعي ينضج لدى صاحبه ، ثم يتحول بالمبادرة والتسابق إلى الخير إلى مشروع لصالح الجماعة تتبناه لتحقيق إنجازات معنوية أومادية, فكم من مبادرة فردية أصبحت مشروعاً خالداً للأمة ولبيان هذه الحقيقة كانت هذه الدراسة .

المبادرة لغة : هى المسابقة والمسارعة.

المبادرة اصطلاحًا : هي المسابقة على الخير؛ فكرا أو قولا أوفعلا، ناتجة عن انفعال ذاتي؛ يترجم إلى عمل مثمرلصالح الأمة.

منهج الشريعة..فعل الخير

إن منهج الشريعة الإسلامية في بناء الشخصية يدعو إلى المبادرة والتسابق إلى الخير وفي ذلك يقول الله تعالى﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾،فكثيرون يتحركون وفقاً لما تمليه عليهم الظروف،أما السباقون فتحركهم القيم المنتقاة التي تتشربها نفوسهم وأصبحت جزءاً من تكوينهم.

ولكي يكون المرء سباقاً يجب أن يعمل على تغيير الظروف بما يخدم أهدافه،لا أن يغير أهدافه وفقاً لما تمليه الظروف, ولكي يكون مبادراً عليه أن يسأل نفسه (هل تنبع تصرفاتي بناء على اختياري الشخصي حسب ما تمليه علي مبادئي أم بناء على وضعي ومشاعري والظروف؟ فالإنسان المبادر تكون له مساحة من الحرية في اتخاذ القرارات المناسبة.

يقول الله سبحانه وتعالى﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾، وعلق الشيخ/ عائض القرني علي تلك العادة من كتاب العادات السبع لإستيفن كوفي وربطها بما جاءت به الشريعة منذ اكثرمن 1500عام قائلا (كن مبادراً,إذا استطعت أن لايسبقك إلى الله تعالى أحد فأفعل, كن مبادراً للخير, معطاء في القول , كريم في السجايا , ولا تدع الخير يبادر إليك بل اسبقه وبادر إليه) وقد جعل الشرع إطارٌاعاما للمبادرة والمسابقة الشرعية ألاوهو ( القدرة ) فلايكلف الله نفسا إلا وسعها.

فالمبادرة والتسابق إلى الخير كانت برنامجاً أساسياً في هدي النبي يذهب بنفسه لوفود الحجاج والقبائل ليعرض عليها الإسلام ولم يكتفي بأن يرسلَ الصحابةَ يميناً ويساراً ،لقد كان من الممكن أن يُنشرَ الإسلامُ بأمرمن الله بدون عناء ولا تعب ولم يكن الأمر بحاجة لأبي بكر أو عمر أو عثمان أوعلي وغيرهم، ولكن الله يريد من الناس العمل الدؤوب المتواصل بعزيمة لا تلين والسعي الدائم للتفكير الإيجابي المنتج عملا,.

وقد ربط الإسلام بين المبادرة الإيجابية والفتن المترصدة للإنسان فقَالَ رَسُولَ اللَّهِ : بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا, فالعاقل لا يفرط في مساحة العافية المتاحة له؛ زمناً ومكاناً وإمكانيات ,فمن أسس موقعاً إعلامياً في أمة لا يسمع لها صوتَ ولا تبث لها شكوى كان سابقاً بالخيرات،.

إماطة الأذى

ومن أسس جمعية لنظافة المدينة مأجور بنص حديث ( إماطة الأذى عن الطريق صدقة) كان سابقا بالخيرات . إن الإسلام يريد من الأفراد التحرك الإيجابي الدائم ؛ فكراً وقولاً وعملاً في سبييل البحث عن مخرج في أمة تخنقها الأزماتُ، أو النجاة في أمة تتخطفها المحنُ، أوالتطوروالتنمية في أمة تقاسي مرارة التخلف التنموي, لعلهم يظفرون بحسن الذكر في الأولى والآخرة.

فحسن الذكرفي الأخرة غير محدود, فهذا رسول الله يعرض على الصحابة (من حفر بئر رومة فله الجنة) فيفوز عثمان بن عفان بالجنة مقابل حفرها لمنفعة المسلمين, كما فازنفسه بالجنة مقابل تجهيز جيش العسرة سابقا كل الصحابة. أما في الدنيا قد يكون الجزاء معنوياً مثل الذكر الحسن وحفظ المكانة أومادياً مقدراً كتحفيز مالي تمنحه الجماعة للمبادرين أووظيفة أوموقعا قياديا يسند لصاحب المبادرة .

ومن فوائد المبادرة الشخصية الذاتية أنها قد تدفع الجماعة إلى موقف صائب كانت غافلة عنه لم يكن من أولوياتها ،وفكرة جمع القرآن الكريم كانت مبادرة شخصية من عمر بن الخطاب تبنتها الجماعة المسلمة فأصبح مشروعا خالدا ، ومثل هذه المبادرات الإيجابية يباركها الشرع ويبارك من قام بها والبركة والفضل متاحة لكل شخص يقوم بمبادرة تفيد الأمة في أي مجال وتتعاظم الحاجة إلى المبادرات الذاتية في فروض الكفاية التي تقاعست عنها الأمة فيأتي المبادر فيقوم بمبادرة شجاعة صائبة تحرض الأمة على الاقتداء به فيفوزبمضاعفة الأجرمن الله بقدرأجورمن انتفع بمبادرته الإيجابية..

إن دعوة الأفراد إلى المبادرات الذاتية لا يراد منها أن يركبوا الصعب المستحيل﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا),إنما تستهدف تفعيل الطاقات لصالح الأمة فكراً وقولاً وعملاً، والخطاب الشرعي موجه إلى كل فرد أن يبادر حسب ما منحه الله من منح تفيد الجماعة دون أن يحتقر ما لديه من منح عظمت أو صغرت؛فربما غلبت مبادرة (رأي صائب أو درهم سابق في سبيل الله أتى في الوقت المناسب) دراسات بمبادرات ناضجة قدمت فيمابعد، أو قناطير أنفقها اللاحقون في المشروع نفسه.

ولاتنال هذه الدرجة إلا لمن أسس مبادرته على الإخلاص والنية الصالحة الراغبة في الجنة والدارالآخرة ، والأدلة كثيرة علي ذلك في الكتاب والسنة تدعو الفرد المسلم أن يبادرإلى فعل الخير رغبة فيماعند الله من جزاء مضاعف للمخلصين الصادقين من أصحاب المبادرات الإيجابية.

الخلاصة

أن نسارع إلى تقديم مبادرات صادقة لصالح الأمة لعل الله يكتب لها القبول فكثير من أبواب الخير تحتاج إلى مبادرات إيجابية خاصة ما يتعلق بالواجب العام الذي تقاعست عنه همم الكثيرين ولاننسي أن المبادرة في أسمي صورها تكون بالنفس والمال فذلك الجهاد وهو ذروة سنام الإسلام .

يقول الله تعالي( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) فليكن مبادرا من له القدرة للمبادرة بنفسه وماله لنصرة الدين مثل دعم المجاهدين من أجل تحرير المقدسات الإسلامية أونصرة المستضعفين في كثيرمن البلدان مثل بورما وكشمير،فينال النصر والتأييد والتثبيت من الله سبحانه وتعالي .