لحوم ومكسرات وفواكه مجففة، كميات مضاعفة من السكر والسمن لحلوى رمضان اليومية، دقيق لحلوى العيد، مبلغ إضافي من المال لولائم رمضان، ثلاثة ولائم فقط أيام الجمع حتى لا تُرهق ميزانية شهر رمضان، مبلغ إضافي لملابس العيد للأطفال وآخر لنزهات أيام العيد.

هذه وغيرها هي هموم ميزانية شهر رمضان التي فرضناها نحن على أنفسنا ولم يفرضها علينا رمضان، فإذا أردت ألا تجهد نفسك بالتفكير في تدبير أمر هذه الميزانية فالتربويون ينصحونك بأن تسلم أمر ميزانية هذا الشهر لابنك أو ابنتك ولن تندم.

المكر وصولاً للإيثار

تقول الدكتورة “ماجدة سعد” أستاذة خدمة المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان (مصر): شهر رمضان المبارك يمكن أن يصبح فرصة تربوية نادرة ليتعلم ابنك -أو ابنتك- كيف يمكن أن يتصرف في توزيع دخل الأسرة على أوجه الإنفاق المختلفة، وكيف يمكن اختصار بعض أوجه الإنفاق لتدبير ما يمكن إنفاقه على أحد أبواب الصرف التي تزدهر في بعض الشهور دون أخرى.

وتكمل الدكتورة ماجدة: هذه الفرصة التربوية يمكن اعتبارها من باب رمي هدفين بحجر واحد كما يقول المثل، فسوف يتدرب الأبناء على كيفية إدارة ميزانية الأسرة، التي عادة ما يفاجئون بالقيام بها دون تدريب مسبق عند أول شهور الزواج، ويجنبهم هذا التدريب الكثير من مشكلات هذه التجربة، هذا من ناحية، أما الهدف الآخر الذي قد يعتبره البعض حيلة ماكرة، فهو أن إشراك ابنك -أو ابنتك- في إدارة ميزانية الأسرة لن يجعله يطلب منك مطلبا لا تستطيع ميزانية الأسرة أن تتحمله؛ لأنه في هذه الحالة سيكون أول من يعلم حدود طلباته التي يمكن أن تلبيها الإمكانية المادية الحقيقية للأسرة، فلا يطلب ما هو أكثر، بل ربما يقترح أن يستغني عن بعض طلباته من أجل أخيه أو أخته، أو من أجل أن تبدو الأسرة ككل بمظهر لائق إذا فوجئت بباب لم يكن في الحسبان خلال هذا الشهر مثل المجاملات العائلية المختلفة، فيتعلم شيئا جديدا هو الإيثار، هذا بالإضافة إلى أن يتعلم –تتعلم- مهارة حل الأزمات والتفكير في الخروج من أي أزمة، وعدم التقوقع فيها، أو اللجوء إلى الغير لحلها، فلا يصبح الاقتراض هو الطريق السهل أو التلقائي لحل أزماتنا المالية، فهو إن بدا حلا سهلا، فقد يتحول إلى مرض مزمن لا نستطيع التخلص منه، والعلاج يكون بأن نفكر نحن في البداية كيف نخرج من المأزق في حدود إمكانياتنا.

هل الحصالة هي الحل؟

وتلتقط الكلمة الدكتورة “سامية الجندي” أستاذة ورئيسة قسم علم نفس الطفولة بجامعة الأزهر الشريف ( مصر) قائلة: إن تدريب الطفل على إدارة ميزانية المنزل يبدأ من الطفولة بتعويده على أشياء صغيرة تساعده في المستقبل على تحمل المسئولية، فالمحافظة على نقطة المياه، وأيضا الكهرباء وغيرها تجعل الطفل يقدر قيمة أي شيء مهما كان قليلا، ويرتبط ذلك بالقيم الدينية التي تعتبر المبذرين إخوان الشياطين، فنعوّد الطفل على عدم إلقاء الطعام، فما يتبقى عندنا من الطعام نحتفظ به لنستخدمه في اليوم التالي، أو نتبرع به لمن يستفيد منه، ونعوّد الطفل أيضا على ألا يشتري إلا ما يحتاج إليه فقط، فلا تلبي كل طلباته لاسترضائه حتى وإن توافرت القدرة المالية على ذلك، وشيئا فشيئا تصبح هذه التوجيهات عادة لدى الطفل والشاب. فولائم رمضان يمكن تقسيم ما يتبقى من طعامها على الأيام التالية بشكل يضمن عدم تلفها، وأيضا عدم الإكثار من تناول الطعام بأكثر مما يحتاج الجسم، وثالثا عدم إرهاق الأسرة بمتطلبات إضافية والقناعة بذلك.

وتكمل الدكتورة سامية: والطفل أو الطفلة في كل هذا سواء، فلا يجب أن نتوجه فقط للطفلة بكل هذا، على اعتبار أنها من ستتحمل مسئولية أسرتها بعد ذلك؛ فالتجارب أثبتت أن تحمل طرف واحد من الزوجية لمسئولية ميزانية المنزل يشكل قصورا ومشكلات في الكثير من الأحيان، حيث يتهم الطرف غير المسئول الطرف الآخر على عدم القدرة في إدارة أمور المنزل والميزانية، في حين أن المشاركة هي أفضل وسيلة للاقتراح وأخذ وجهات النظر المختلفة، والادخار هو وسيلة هامة أخرى للخروج من الكثير من المآزق، بل إنه يعتبر جانبا ثابتا في ميزانية الأسرة يجب وضعه في الاعتبار؛ لأنه يمثل حلا لأبواب تستجد من شهر لآخر، مثل مصروفات المدرسة عند دخول المدرسة، أو ملابس العيد في الأعياد، أو أجرة الطبيب والعلاج إذا أصيب أحد أفراد الأسرة بأي شيء لا قدر الله. وشراء حصالة لطفلك الصغير هو البداية ليتعلم الادخار وإلا فلن يتعلمه بسهولة عندما يكبر، وفي الدول الغربية المتقدمة يهتمون كثيرا بتعويد أبنائهم على الادخار، وتنمّى هذه القيمة أيضا من خلال المناهج الدراسية والسلوك داخل المدرسة.

مدينة فاضلة في البيت

أما الدكتور “عبد العزيز الشخص” مدير مركز الإرشاد النفسي بجامعة عين شمس بمصر فيؤكد أن انتشار مراكز الإرشاد الزواجي للمتزوجين يشير إلى أن الآباء والأمهات لم يعودوا يقومون بواجباتهم التربوية تجاه أبنائهم على الشكل المطلوب، فلم يعد لديهم الوقت مع زيادة ساعات العمل للجلوس مع أبنائهم لفترات طويلة للتوجيه، وما يتبقى لديهم من وقت لا يكون لديهم فيه سعة الصدر للقيام بهذا التوجيه بالشكل المطلوب، فيتحول التوجيه إلى تلقين واختزال لما يجب أن يتعلم الابن من خلال المشاركة في كل صغيرة وكبيرة في أمور المنزل، وقد يتلقى هو الآخر التوجيه وهو منشغل بمشاهدة التلفزيون أو بأداء الواجبات المدرسية.

ولهذا تكون العطلات الصيفية أو عطلات نهاية الأسبوع أو الشهور ذات الطابع الخاص، مثل شهر رمضان، فرصة يجب أن يغتنمها الآباء لمشاركة أبنائهم في إدارة شئون المنزل لا سيما ميزانية المنزل، وتكون البداية بإشراكهم بتوزيع الميزانية على أوجه الإنفاق، وخطوة خطوة، يتحمل كل واحد من أفراد الأسرة مسئولية ميزانية الأسرة لمدة شهر وهكذا بالتناوب، ويشارك الابن أو الابنة في شراء متطلبات المنزل، واحتياجاته الشخصية، فيعرف كيف يشتري الأشياء بحيث لا تتكلف كثيرا ولا ترهق ميزانية الأسرة كالشراء من متاجر الجملة في بداية كل شهر، والذهاب إلى مكتب التوفير أو البنك لادخار بعض النقود، فيتعلم التعامل مع الآخرين ومواجهة المواقف المختلفة، وأيضا طريقة الشراء ومحاولة الحصول على المنتج الأكثر جودة والأقل سعرا، والموازنة بين المتطلبات والإمكانيات، وابتكار طرق جديدة لحل الأزمات المالية مثل إعادة صنع ملابس جديدة من ملابس قديمة ببعض الإضافات البسيطة أو تبديل بعض أجزائها مع أخرى فتبدو بمظهر جديدة، وأخذ رأي ومشورة بقية أفراد الأسرة، فيكون ذلك منهجا في بقية أمور حياته بعد ذلك، فالخوف على الأبناء من ممارسة التجربة أو الوقوع في الخطأ لن يؤدي إلى جيل يتحمل المسئولية. ونحن لن نستطيع أن نضمن لهم أن يعيشوا في المدينة الفاضلة التي نوفرها لهم داخل المنزل فيما بعد.


عبير صلاح الدين