الطلاق واحدة من أهم القضايا الاجتماعية، وهي ظاهرة في طريقها سريعة الانتشار في عالمنا العربي، من خلال الممارسات العملية والمشاكل الواقعية التي باح بها الأزواج والزوجات والمطلقون والمطلقات على مستوى الكثير من الأصعدة سواء كانت مواقع أو كتب أو رسائل.

من خلال هذه المادة نحاول فقط أن نلفت الأنظار إلى أهمية دراسة قرار الطلاق قبل أخذه، والتفكير فيه كحل أخير، وتغيير نظرة المجتمع للمطلق أو المطلقة، وأن وقوع الطلاق لا يعني بالضرورة فشل الطرفين، وأن الطلاق قد يكون ناجحًا، وأن الزوجين بعد الطلاق يجب أن يستفيدا من تجربتهما، ويبدآ حياة جديدة مدروسة وناضجة، صقلتها تجربة مريرة.

والمقصود من ردودنا تهدئة النفوس، وتطييب الخواطر فقط، وإنما تناول الأمر من جذوره، وتحليل الدوافع الاجتماعية والنفسية وغيرها، من أجل الوصول بصاحب المشكلة للقرار السليم، وتوضيح المشهد الاجتماعي الحرج بدقة وحكمة.

تنامي أبغض الحلال

الطلاق كظاهرة منتشرة في العالم أجمع وليس في عالمنا العربي والإسلامي، لكن ما يهمنا أن هذه الظاهرة أخذت في الازدياد خاصة في العالم العربي والإسلامي.

“الطلاق أبغض الحلال”. هكذا قال رسولنا ()؛ فهو موت لحياة جمعت زوجين روحا وجسدا، وقطع لميثاق غليظ جمع بينهما، قطع يترك جرحا غائرا في نفس كل من الزوجين، جرحا لا يلتئم إلا برحمة الله وفضله. والزمن يلعب دوره في التئام جروح الطلاق وتحويلها إلى ندوب لا تؤلم كما يؤلم الجرح الحي، ولا تعيق الإنسان عن مواصلة حياته وبدء حياة جديدة، مستفيدا من تجربته الأولى.

ولعل الكثير من الدراسات في العالم العربي تشير إلى هذا التزايد في معدلات الطلاق خاصة في سنة الزواج الأولى.  لكن هدفنا هو أن يقف كل من يفكر في الطلاق علاجا لخلافاته الزوجية وقفة صادقة، يكون فيها على بصيرة بعواقب الطلاق وآثاره قبل أن يقدم عليه.

وليعلم كل من مر بتجربة الطلاق أن هناك حياة قد تكون أفضل بكثير من الأولى لو تعلم من تجربته، بل وليتريث كل من يخطو أولى خطواته في طريق الزواج؛ فيفهم ويعلم أن الاختيار السليم سيقيه من مرارة الطلاق وآثاره مستقبلا.

مفاهيم لتفسير ظاهرة الطلاق

ولعل من أبرز المفاهيم التي ركزنا عليها في تناول ظاهرة الطلاق:

  • أهمية دراسة قرار الطلاق قبل اعتماده، والتفكير فيه كآخر حل يلجأ إليه الزوجان بعد استحالة الحياة بينهما، وبعد أخذ كل أسباب التغلب على الخلافات، بداية من المصارحة بين الزوجين، وتحكيم إنسان حكيم وناضج بينهما، وبعد دراسة جيدة من كلا الطرفين لسلبيات وإيجابيات الطلاق أو الاستمرار في الزواج.
  • محاولة تغيير نظرة المجتمع للمطلق أو المطلقة، فالطلاق ليس وصمة عار أو شهادة بانتهاء الصلاحية، فنحن نرى بصورة واضحة عدم تفهم المحيطين بالمطلقين لظروفهم النفسية، فهم تارة يتعاملون معهم وكأن شيئا لم يؤثر في كيانهم وتركيبتهم النفسية، وتارة يتعاملون معهم وكأنهم بدع من الخلق، والحقيقة أن المطلقين ببساطة ليسوا كذلك، فقد يكون هناك تقصير منهم أو جور من أحد الطرفين، أو سـوء اختيار للطرف الآخر من أول الأمر، ولكن في النهاية المطلقين يعانون – بغض النظر عن الأسباب والمسببات التي أدت إلى الطلاق – من الإحساس بالإحباط والفشل وضياع الأيام والشهور والسنين.
  • على الرغم من أن الطلاق هو أبغض الحلال عند الله، فإنه شرعه ليكون علاجًا لبعض الزيجات التي تستحيل فيها العشرة بين الزوجين؛ حيث يصبح استمرارها ضارا أكثر منه نافعا؛ لأن الطلاق مثله مثل أي اختيار آخر في دنيا البشر، له إيجابياته وسلبياته، ويفترض أن لا يلجأ إليه إلا بعد دراسة متأنية وهادئة لكل النقاط والتبعات.
  • كذلك لا نرفضه لمجرد أنه طلاق، لأن الهدم في بعض الأحيان يترتب عليه بناء جديد، ولأن إزالة العضو المريض وبتره قد يكون هو الحل النهائي بعد فشل كل الحلول؛ فالطلاق وإن كان علاجًا مرًّا، أو علاجًا جراحيًّا؛ فإنه يكون مطلوبًا في بعض الأحيان، بشرط دراسة عواقبه بهدوء وبدون انفعال.. أما استبعاده لمجرد أنه الطلاق، أو الإقدام عليه دون دراسة فهما أمران مرفوضان. فالطلاق علاج ناجع على أن يكون في مكانه وتوقيته المناسب، وعدم حدوثه قد يؤدي إلى مضاعفات أخطر منه، بشرط أن تُستنفد كافة الوسائل للإصلاح والعلاج، فإن فشلت جميعها فالطلاق هو الحل، وإن كان بغيضًا.
  • وليس معنى وقوع الطلاق أن الشخص الذي وقع في حقه الطلاق قد فشل أو أنه لا يصلح؛ فليس هذا من لوازم الطلاق؛ فرب زوجين كل منهما ناجح تمامًا في كل أمور حياته، ولكنهما لم يتفقا لأسباب عديدة، تبدأ من الطباع العادية وتصل إلى الفراش والتفاهم فيه، وهي أسباب تؤدي إلى حدوث الطلاق، وليس معناها إدانة الطرفين أو أحدهما، أو الحكم بالإعدام الاجتماعي، والمنع من ممارسة الحقوق الإنسانية، بدءًا من الزواج مرة ثانية، وانتهاء بالنجاح في حياته على كل مستوياتها.
  • قد يكون الطلاق ناجحا أحيانا، ونحن لا نقول شيئا وهميا، وفي الواقع تجارب عديدة لأزواج وزوجات نجحوا وهم منفصلون في تحقيق ما لم يستطيعوه وهم مجتمعون، وكان هذا هو الأفضل للجميع؛ حيث اختفت الملاعنة والمشاحنة والصراع بما يسمح للجميع أن يعيش في سلام ووئام.. إن الله قد شرع الطلاق حتى يكون آخر الدواء، بشرط أن يكون طلاقا ناجحا.
  •  بعد الطلاق يجب أن يستفيد كل من الزوجين من تجربته، ويهربا من مصيدة اجترار الأحزان التي يقع فيها الكثيرون، ويبدآ حياة جديدة مدروسة وناضجة صقلتها تجربة مريرة وهي الطلاق.

وقفة قبل الطلاق

من أخطر حالات الطلاق هي التي يكون مصدرها الأهل والعائلة والأقارب وليس الزوجين اللذين في حقيقة الأمر هما المعنيان الرئيسان بالمشكلة.

وعلى أية حال، فإنه في حالة الزواج الذي لا يوافق عليه الأهل تختلف الآراء من الناحية الفقهية والاجتماعية، والبعض يرجح عدم إتمام الزيجة إذا كان الأب والأم يرفضان لأسباب تقدح في الزوجة المنتظرة، في دينها أو أسرتها، لأن الزواج ليس فقط علاقة بين شخصين.

ولكن النظرة تختلف إذا كان الزواج قد تم بالفعل، فالطلاق شيء رهيب، ويؤذي الطرفين، وخاصة إذا كان الزوجان سعيدان مع بعضهما، ولا يوجد سبب وجيه لنقض الزيجة وهدم البيت، غير ما يتعلق بالوالدين سواء من جهة الزوجة أو من جهة الزوج.

فعلى الزوجة مثلا، إذا كانت سعيدة بالفعل مع زوجها، أن تبذل كل جهد ممكن في استرضاء أهله و على الزوج أن يجد الطرق لاسترضاء أهلها. وعلى كل طرف أن يستخدم كل مهاراته الشخصية في الحفاظ على بيته الجديد، ولا بأس من بعض المبادرات والمفاجآت والمجاملات التي تؤكد معنى التمسك بالأسرة.

فالزوجة يمكن أن تقول لوالد زوجها مثلا على الهاتف أو بأي طريق آخر: أريدك والدًا، وأثق بك، وزواجي من ولدك يحتاج إلى بركة موافقتك.

ومن ناحية أخرى، عليها بشبكة النسوة التي تحيط بأم زوجها بغية التأثير عليها، فينقلن إليها أنها لا تذكرينها إلا بالخير، وأنها تتمني موافقتها على الزيجة، وأنها تشعر بأنها بمنزلة أمها، كما تتمني الحصول على فرصة لرعايتها كما ترعى الزوجة والدة زوجها… وهكذا، ولا طاعة للوالدين فيما لا منطق فيه ولا عقل، ولا شرع.

كما عليها بأخوات زوجها وإخوته، ويساعدها في ذلك زوجها بزيارة هذا الأخ، أو مجاملة هذه الأخت، مع ذكر أنها أنت التي تذكّرت المناسبة (عيد ميلاد، أو غيرها من المناسبات) وحرصت على تحية الأسرة والبرّ بها.

من جهة أخرى، على الزوج أن يدافع عن سعادته مع زوجته، ويقف أمام من يريد أن يهدم حياتهما، بالصبر والأناة، خصوصًا أن الأمر يتعلق بالوالدين، وأن يشعرهما بالسعادة التي يعيش فيها، وأن زوجته قد ملأت حياته بالخير والأمان.

أيها الزوج أيتها الزوجة.. إن صنائع الخير تأسر القلوب، والبشر قلوب ركبت فوقها أجسام فهل تعجزان عن كسب قلوبهم ناحيتكما؟!

إن رفض الوالدين يتحول إلى مباركة مع الصبر والإصرار وحسن المعاملة، وإذا أصر الزوجان على إنقاذ زواجهما سينجحان لا شك في ذلك، خاصة كان لكل طرف منهما تجارب سابقة ترشحهما إلى المزيد من التفاهم والتماسك في مواجهة عقبات الحياة.. ولن يكون طلاق بإذن الله.