البداية زواج شرعي يحضره ولي وشاهدا عدل وإمام مسجد.. والنهاية زوجة لا يعترف بها القانون، وأبناء بدون هوية.. والنتيجة آلاف القضايا التي تشهدها الم9حاكم سنويا رفعتها نساء تضرّرن من حالات حمل غير معترف بها. إنه زواج الفاتحة، ظاهرة انتشرت في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، فما أصلها وكيف نعالجها ونحمي أبناءنا وبناتنا من تبعاتها.

في السنوات الأخيرة انتشر ما يسمى بـ “زواج الفاتحة” انتشارا مذهلا، فأصبح وسيلة العديد من الشبان للحصول على المتعة والتلاعب بعقول الفتيات اللاتي يفقدن جميع حقوقهن بهذا العقد الشفهي، بعد تهرب أزواجهن المزعومين، وتنصلهم من تبعات الزواج والتزاماته بأعذار واهية، ويكون الأبناء هم الضحية الكبرى لعلاقات زوجية اكتفت بالفاتحة بديلا عن العقد الرسمي، فضاعت حقوقهم، وضاعت أنسابهم التي تقضي الزوجة بقية عمرها في أروقة المحاكم في محاولات مستميتة لإثباتها.

بين الفاتحة والعرف

وبسبب التلاعبات التي نالت هذا الزواج الذي يشبه كثيرا “الزواج العرفي“، والذي بلغ ملايين الحالات سنويا، أقدمت  بعض الدول على منع عقد الزواج الشرعي إلا بعد تسجيل الزواج في سجلات الحالة المدنية، حفاظا على كرامة المرأة من ناحية، وتفاديا لمشاكل إثبات النسب والأبوة من ناحية ثانية.

وفي محاولة لاختراق هذه الظاهرة ومعرفة خباياها ودوافعها والكيفية التي تتم بها، نعرض قصص العديد من الضحايا اللاتي وقعن فريسة سهلة لمحترفي هذا النموذج من الزواج.

زواج من أجل الطلاق

مريم (34 سنة) كانت في الثلاثين من عمرها عندما تقدم جارها لخطبتها، ويوم الخطبة حضر إمام المسجد للمنزل وتم عقد الزواج الشرعي بقراءة الفاتحة وحضور شاهدين، واتفق الجميع على أن يكون العرس بعد عام حتى يتمكن العريس من تجهيز منزل الزوجية، لكنه خلال فترة الخطوبة أقنعها بأنها زوجته شرعا بموجب الفاتحة التي قرءوها، وبدأ يطالبها بحقوقه كزوج، وعندما اقترب موعد الزواج فوجئت به يتنصل من وعوده لها زاعما أنه سيقترن بأخرى، وعندما توسلت له كي يقوم بتسجيل زواجهما بعقد رسمي خاصة بعد اكتشافها أنها حامل، رفض وبشدة، مما جعل والدها يستنجد بإمام المسجد الذي عقد الزواج الشرعي، لكنه لم يصغ لأي منهما.

تقول مريم: أحسست حينها أني ظلمت نفسي، وجنيت على الجنين الذي سيولد بدون أب، وقررت اللجوء للمحكمة لرفع دعوى في قسم شئون الأسرة للمطالبة بتثبيت الزواج، وبعد عام من الانتظار حصلت على ورقة إثبات الزواج وبعدها مباشرة ورقة الطلاق، لأستعيد كرامتي وشرفي أمام المجتمع، إلا أن والد ابنتي لم يعترف بها إلى الآن، رغم أنني رفعت دعوى إثبات نسب، لكنه رفض الوقوف أمام المحكمة أو استلام استدعاءات الحضور.

الفاتحة على روحه

امرأة أخرى لكنها هذه المرة تصغر عن مريم بما يزيد على عشر سنوات، يروي قصتها إمام مسجد كان شاهدا على عقد زواجها الشرعي الذي تم بنفس السيناريو السابق، ولكن في هذه المرة حدث ما لم يكن في الحسبان، فبعد شهرين من قراءة فاتحتها على ابن عمتها ارتكب جريمة قتل دخل على أثرها السجن، لتدينه محكمة الجنايات بعقوبة عشرين عاما، الأمر الذي دعا والدها إلى طلب تطليقها منه، ولأنه كان متيما بعروسه فقد رفض أن يحلها من ارتباطه، حتى تدخل الإمام الذي قرأ فاتحتهما وأقنعه بعدم جدوى تركها معلقة، فقبل ذلك على مضض وبعد أكثر من ثلاث سنوات.

يتذكر الإمام الحادثة قائلا إنه عاهد نفسه من حينها ألا يعقد الزواج الشرعي إلا بعد كتابة عقد الزواج القانوني أو في يوم الزواج الرسمي، موضحا أن هذا الإجراء الذي تبناه العديد من الأئمة بسبب انتشار ظاهرة “زواج الفاتحة” يعتبر حلا مثاليا لحفظ كرامة وحقوق المرأة الضحية الوحيدة لمثل هذه التصرفات، خاصة إذا نجم عن الزواج حدوث الحمل.

وفي هذا الصدد، تم اتخاذ إجراءات ردعية ضد الأئمة الذين يقومون بعقد زواج الفاتحة، ومنعهم من عقد الزواج الشرعي قبل تسجيل الزواج بسجلات الحالة المدنية تفاديا للمشاكل الكثيرة التي تنجم عنه.

أربع بنات وضابط

الأخطر من كل هذا أن البعض أصبح يستخدم زواج الفاتحة لعبة أو هواية للإيقاع بالفتيات وإشباع رغباته الجنسية. وهنا نتحدث عن مأساة حدثت في بلد عربي بطلاتها أربع فتيات وقعن ضحية شاب هوايته الوحيدة الزواج بالفاتحة بغرض المتعة فقط، تمكنت إحداهن من كشفه بعدما تقدم لخطبتها برفقة والدته وإمام مسجد تبين فيما بعد أنهما مزيفان، وكانت المفاجأة أن الفتاة كانت قريبة للضحية الأولى التي قرأ مع والدها الفاتحة وحدد موعدا للزواج، إلا أنه هرب قبل الموعد المحدد بعد أن نال بغيته، على الفور توجهت العروس الجديدة للشرطة التي كشفت عن ضحاياه الثلاث الأخريات، وتمت إدانة العريس وأمه المزيفة والإمام الذي تبين أنه صديقه بعقوبة 6 سنوات سجن نافذة.

“زواج الفاتحة” زواج شرعي.. ولكن

وعلى الرغم من أن المختصين يعتبرون زواج الفاتحة زواجا شرعيا تتوافر فيه كل الشروط المنصوص عليها في الدين الإسلامي (ولي وشاهدان وصداق)، فإنهم يرفض هذا الزواج، ففي حالة تراجع الزوج عن فكرة إتمام الزواج بعد عقد الزواج بالفاتحة تلجأ المرأة إلى فرع الأحوال الشخصية من أجل تثبيت الزواج، ويقوم القاضي حينها باستدعاء الشاهدين والولي والإمام للتأكد من توافر أركان الزواج الشرعي، بعدها يصدر الحكم بتثبيت زواج الفاتحة الذي كان يعتبر عرفيا مع تسجيله لدى ضابط الحالة المدنية.

ويقول هؤلاء أن الإشكال يطرح عندما يثمر هذا الزواج أطفالا، ويكون تاريخ تثبيت الزواج العرفي لاحقا بعد الولادة؛ مما يضطر الزوجة لرفع دعوى من أجل تصحيح تاريخ الزواج الرسمي حتى يتمكن الابن من حمل اسم والده، مشيرا إلى أن قضية إثبات النسب أو تثبيت الزواج تتطلب وقتا طويلا إذا لم تعثر الزوجة على أحد الشهود، أو رفض الزوج الحضور للمحكمة، وأن المشكلة الكبرى إذا لم يحضر الإمام الذي شهد على زواج الفاتحة؛ مما يصعب على الزوجة إثبات زواجها، وتدخل في دوامة المحاكم حتى يحضر الشهود للإدلاء بشهادتهم في القضية.

ليست عقدا

يقول أحد أساتذة الفقه وأصوله أن قراءة الفاتحة ليست عقدا للزواج، ولا يجوز شرعا أن يترتب عليها ما يترتب على عقد الزواج الصحيح، إنما هي مقدمة ووعد بالارتباط، وبالتالي فهي تبيح للخاطب فقط النظر إلى وجه المخطوبة وكفيها على الراجح من أقوال أهل العلم.

ويضيف أن “عقد الزواج لابد فيه من الإيجاب والقبول، والمراد بذلك الألفاظ التي تصدر عن كل واحد من المتعاقدين للدلالة على رضاه بالمعقود عليه، ويكون الإيجاب والقبول بالألفاظ الصريحة”. كما ينصح بكتابة عقد الزواج خطيا، وتسجيله في المحاكم الشرعية، وألا يُكتفى بالإيجاب والقبول الشفويين، لأن في كتابة عقد الزواج خطيا تحقيقا لمصالح عظيمة للناس، وفيه محافظة على حقوق المتزوجين.


إلهام مسعود