تخيل أن الآباء والأمهات على مستوى الدول العربية جميعًا يصرخون في وجه أبنائهم، وهناك تنوع في الدول التي يشتكي منها الآباء من عصبيتهم تجاه أبنائهم، مع العلم أن جميعهم يدرك أن “الصراخ” “والعصبية” أسلوب مدمر في تربية الأبناء، ورغم ذلك لا يتحكمون في غضبهم عندما يثيرهم طفل صغير، فيصبون في وجهه جام غضبهم صراخا وضربا، ثم يندمون، ثم يشتكون ويسألون: كيف نسيطر على أعصابنا؟. فلماذا الصراخ في وجه الأبناء؟ وماهي أسبابه؟ وهل هناك طرق أو وسائل لعلاج ذلك؟

دائما ما نرى أحد الزوجين يعترض على أسلوب الآخر في تعامله مع الأبناء، فأرسل تونسي يشتكي زوجته في استشارة “عصبية الأم.. هل من علاج؟ “: “زوجتي حادة عصبية مع أولادنا ولا أدري كيف أعالج هذا الأمر، خاصة أن هذا السلوك يؤثر بطريقة سلبية عليهم؟”.

أزواج وزوجات

ومن فلسطين تكررت الشكوى من الزوجة العصبية في استشارة “عصبية الزوجة.. الأسباب والعلاج “، يقول الأب: “مشكلتي أنني أعاني بشكل رئيسي من عصبية زوجتي مع أولادي الثلاثة لدرجة أنها تدعو عليهم في بعض الأحيان، وتصرخ دائما بدون مبرر؛ لقد نصحتها كثيرا، ثم كلمتها كلاما شديدا، وهددتها ولا فائدة”.

ليس الأزواج فقط من يشتكون عصبية زوجاتهم فهناك وفاء من سوريا تقول في “احتجاج الأبناء على صراخ الآباء “: “ابنتي (10 أشهر) حساسة جدا، وأبوها دائم الصراخ، ولا يراعي وجودها؛ فأصبحت تبكي كلما سمعت أحدا يصرخ أمامها مهما كان الشخص؛ حتى إنها أقلعت عن المشي بعد أن بدأت به عقب إحدى المشاكل”.

وفي تعليقه على ذلك يقول د. عمرو أبو خليل: “نشكو أطفالنا والعيب فينا.. وما لأطفالنا مشكلة سوانا”، فالصراخ أمام الأطفال وهم في بداية نموهم النفسي والعاطفي يؤدي إلى التأثر لأقل مؤثر خارجي، ويكتسبون بسرعة أي رد فعل؛ كما توجد كثير من الأبحاث تثبت أن لها تأثيرا على الطفل في حياته، ولا يوجد حل إلا أن يتفق الزوجان على عدم الصراخ في وجه الأبناء وأن يقدموا لهم الإحساس بالأمان والدفء حتى ولو كان تمثيلا أو ادعاء.

آباء يبكون

هل تربية الأبناء من الصعوبة بمكان كي تجعل الآباء يبكون ويستنكرون تصرفاتهم مع أولادهم؟! تقول صاحبة استشارة “عصبية وأصرخ في أطفالي.. ماذا أفعل؟ “: “أنا بطبعي عصبية وأحب زوجي كثيرا ولكن بيننا بعض الاختلافات في الطباع؛ مما يؤدي إلى كثير من المشاجرات فتزيد عصبيتي، ولكي أقلل من المشاجرات أصمت فأكون مضغوطة، فلا أجد أمامي سوى ابنتي مريم أصرخ فيها كثيرا وأحيانا أضربها، ولكني بعد ذلك أندم بشدة وأبكي، فلا أستطيع أن أسيطر على تصرفاتي معها”.

ويقول أب في استشارة: الهدوء والعصبية.. الميزان المختل: “أنا ذو طابع عصبي حادٍّ جدّا مع الأسف، وهو ما أثَّر على ولدي، حيث كنت أضربه وعمره لم يتجاوز سنة ونصفا، وأنا نادم جدّا على ذلك، ولكن مشكلتي الآن أن الولد يتعصب جدّا، وفي أحيان لا أستطيع التحمل وأضربه ضربا ليس شديدا، لكني أندم بعد ضربي له مباشرة لدرجة تصل إلى بكائي”.

وفي تعليقها على ذلك تقول د. منى البصيلي: “إن أطفالنا هم أغلى ما نملك في الحياة وهم كل آمالنا.. وإذا كانت تربيتنا لهم تحتاج منا أن نغيّر بعض عاداتنا وتصرفاتنا فإنهم يستحقون ذلك؛ لأننا أحيانا نبذل أقصى ما نستطيع لنوفر لهم كل أسباب الراحة والسعادة، ثم نأتي بتصرف بسيط لنفسد كل ذلك.

فعل ورد فعل

ومن سلطنة عمان كانت الأم الأشد عصبية فتقول في”عصبية الآباء والأبناء.. لكل داء دواء”: “أحيانا أقوم بضرب ابني (4 سنوات) على وجهه نتيجة لتصرفاته، مثلا كأن يضرب أخاه الصغير وبصوره متكررة”، وفي استشارة أخرى بعنوان “عندما يتقمص الأبناء عصبية الآباء! يقول أردني: “ابنتي عصبية جدّا، فاستخدام يدها في ضرب أخيها أو حتى والديها سريع وسهل، ويصل الأمر أحيانا أن ترمي أي شيء أمامها، وتصرخ بصوت عال جدا عند غضبها في البيت أو في الشارع”.

وفي تعليقه على ذلك يقول د.عمرو: إن الأطفال لا يصدقون أن آباءهم يجابهونهم بكل هذا الضرب واستخدام اليد لأخطاء فعلوها، دون أن يكون في معظم الأحول هناك تناسب عادل بين الذنب الذي ارتكبوه وما نالوه من عقوبة؛ مما يكون لديهم اعتقادا أن الضرب هو لغة متبادلة بين بني البشر يستخدمونها للتعبير عمّا يريدون، فيبدأ الأطفال في استخدامها، وبعبارة أبسط تتولد العدوانية لديهم كعدوانية مضادة.

أسباب العصبية

وعن أسباب العصبية التي يعاني منها الآباء تقول إحداهن في استشارة “الأم عصبية والابن ضعيف الشخصية “: “لطبيعة عملي وتحملي لكافة المسئوليات -حيث إن والدهما غالبا غير متواجد- أكون شديدة العصبية مع أبنائي، حتى أصبحوا الآن يتعاملون معي بنفس العصبية”.

قد يكون “الضغط” سببا آخر من أسباب عصبية الآباء ففي استشارة “نصائح ذهبية لعلاج العصبية تقول أم سودانية: “أشكو من شدة العصبية مع أطفالي، خصوصا في فترة الدراسة، وهو ما أثَّر عليهم، وأصبحوا عصبيين مع بعضهم”.

الغربة” سبب ثالث من أسباب تعصب الآباء فتقول جزائرية في “غربة وعصبية وندم: متاعب أم “: “أتحامل على ابنتي عندما تخطئ أخطاء كبيرة مثل الكذب؛ فلا أستطيع السيطرة على أعصابي فأعاقبها بالضرب وصب الأكل فوق رأسها، علما بأني أعي أن هذا التصرف تصرف جبان وغير صائب، وبالرغم من أن بناتي وزوجي هم كل ما أملك في الغربة”.

إهانة وضعف وانقياد

تقول أ.عزة تهامي إنه يلزم لعلاج العصبية التعرف على أربعة أمور وهي:
أولا: التعرف على آثار وعواقب العصبية على الأبناء، والتي تؤدي إلى أحد أمرين أو كلاهما معا كالتالي: فالعصبية= إهانة للشخصية= تدني تقدير الذات= ضعف الشخصية= ضعف الاحترام من الآخرين= الانقياد للآخرين أو ضعف القدرة على قيادتهم= التعرض أحيانا لعدوان الآخرين. أو أن العصبية= رد فعل عصبي (لكل فعل رد فعل)= طفل عصبي عدواني.

وعموما فعصبية الكبار قد تضعف شخصية الطفل مع الأكبر منه وتزيد من عصبيته مع الأصغر منه.

ثانيا: التعرف على طبيعة مرحلة الطفولة وحدود المطلوب خلالها: فالطفولة مرحلة تعريف وتدريب وشرح وتوضيح وتكرار وليست مرحلة تكليف؛ وهي تحتاج إلى الهدوء والصبر وطول البال.. إن الله سبحانه وتعالى لم يكلف الإنسان إلا عند بلوغه، فما هو الأكثر أهمية والأكبر قدسية؟ كلام المربي وتوجيهاته أم كلام الخالق وتوجيهاته جل شأنه وعظمت قدرته؟ فهو لا يحاسب ابنك ولا يغضب عليه حينما يرتكب ذنبا قبل الحلم؛ فهو يشجعه بأن يعطيه ثواب ما يفعل من الخيرات ولا يكتب عليه سيئات ما يرتكب من مخالفات.

ثالثا: التعرف على سبب العصبية ومصدرها، فتقول د. عزة إن أسباب العصبية قد تكون عضوية أو نفسية أو اجتماعية، فقد تكون زيادة نسبة الثيروكسين في الغدة الدرقية هي السبب في الحدة والعصبية، وهذا يتطلب استشارة الطبيب، وقد تكون ضغوط البيت والعمل هي السبب، أو غياب أو ضعف الدور التربوي لأحد الزوجين، أو المشكلات والمشاحنات مع الزوج، وقد تكون الآثار السلبية للبيئة المحيطة جزءا من ذلك، وقد تكون العصبية صفة موروثة، وعموما من المهم الوقوف على السبب لأن التشخيص عادة يكون نصف العلاج.

خطوات للعلاج

رابعا: التدرب على التخفيف والتخلص من العصبية من خلال الخطوات التالية:

  • راقب سلوكك العصبي مع أبنائك لمدة ثلاثة أيام أو أسبوع على الأكثر، واكتب هذه السلوكيات في قائمة.
  • حدِّد لكل سلوك درجة العصبية من 1:3 فرقم (3) للسلوك الذي يثيرك بشكل حاد، ورقم (2) للمتوسط، و(1) لأقلهم حدة.
  • ناقش مع نفسك أو مع زوجك هذه السلوكيات ومدى مبالغتك فيها، وحاول أن تعرف السبب الحقيقي وراء هذه الثورة، فربما كان الأمر متعلقا ببعض الخبرات السابقة السيئة في حياتك واختُزِنت في اللاشعوري، وتؤثر بالتالي على علاقتك بأبنائك.
  • ركِّز ولمدة شهر على السلوكيات رقم (1) وحاول التخلص منها، وخصِّص شهرا ونصف للسلوكيات رقم (2)، وشهران للسلوكيات رقم (3).
  • هيئ لنفسك الظروف المناسبة للتخلص من العصبية بتجنب كل ما يمكن أن يتسبب فيها عن طريق اتباع ما يلي كمثال:
  • هيئ مكانا مناسبا لأبنائك للعب فيه، بحيث لا تكون الأشياء القابلة للكسر في متناول أيديهم.
  • ردِّد على مسامعك أن أبناءك ما زالوا صغارا في مرحلة استكشاف العالم الخارجي، مرحلة تتميز بالحركة المستمرة، والنشاط، والانطلاق، وهذا مدعاة للفخر بهم والمرح معهم، وليس لعقابهم.
  • إذا أخطأ أحدهم عليك أن تتجاهل هذا الخطأ، وتتظاهر بعدم رؤيتك له في حالة عدم إدراك المخطئ أنك رأيته، إلا إذا كان الأمر خطيرا مثل الاقتراب من الكهرباء أو النار، فعليك تنبيهه بصوت حذر وليس بصرخة مفزعة.
  • أما إذا علم برؤيتك له أثناء ارتكاب الخطأ فعليك – وقبل أن تبدأ في عقابه أن تغيِّر وضعك فإذا كنت قائم فاجلس، وإن كنت جالس فاضطجع كما علمنا رسول الله () في حالات الغضب، وهذا من شأنه أن يحدّ من ثورتك.
  • ذكِّر نفسك بأن أبناءك لا دخل لهم في ظروفك الخارجية التي قد تؤثر سلبيّا على أعصابك، وأنه لا حول لهم ولا قوة، وإذا دعتك قوتك لعقابهم فتذكَّر قوة الله عليك.
  • عليك أن تثيب نفسك إذا نجحت في ضبط انفعالاتك في موقفين متتاليين بكلمات مشجِّعة، بأنك أحسنت صنعا، وأنك حتما ستصبح أمّا أو أبا مثاليا، أما إذا أخفقت فيهما فاحذر أن تقلِّل من شأنك، وتردِّد بعض العبارات المثبِّطة، مثل: أنا أم سيئة، أنا لا أصلح أبا، أنا لا أحسن التربية، ولكن عليك أن تقول لقد أخفقت هذه المرة، ولكن سأنجح في المرات القادمة إن شاء الله تعالى.
  • احذر عند إخفاقك أن تحاول تعويض أحد أبنائك عما فعلت في مواقف أخرى أو تدلّيِله كنوع من تخفيف شعورك بالذنب، ولكن ليكن معيارك الحقيقي في التعامل مع ابنك هو الموقف نفسه، وما يستحقه الابن في هذا الموقف.
  • حاول تعزيز الجوانب الإيجابية في أولادك، والثناء عليها عندما يقوم أحدهم بالسلوك المرغوب فيه، واجعل من استثمار الإيجابيات علاجا للمنغِّصات.

وتختم التهامي قولها بكلمات للأستاذ “يوسف أسعد” في كتابه “رعاية المراهقين” تحت عنوان السيطرة بالحب فتقول: “.. والأم بحبها تُخْضِع الطفل لإرادتها، وتجعل منه خامة طيِّعة تستطيع أن تشكلها بالطريقة التي ترغب فيها، ولعل الأم التي تعرف كيف تستفيد في تربية أبنائها وبناتها بقوة الحب، تكون أقوى بكثير من تلك الأم العصبية التي تفقد بعصبيتها حب أبنائها لها، وأقوى من الأم الأنانية التي تدور بعواطفها حول نفسها أكثر مما تدور حول أبنائها وبناتها”.