إن من جميل ما ورثه المسلمون وورثوه لبعضهم جيلا بعد جيل حب أداء المناسك، ومنها: أداء العمرة في رمضان، فترى المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يتهافتون شوقا إلى أداء العمرة في رمضان وزيارة الكعبة المشرفة في هذا الشهر الفضيل؛ ليجمعوا بين شرف الزمان وشرف المكان وشرف العبادة.

حتى إن بعض فقراء المسلمين ليستدين أو يضيق على نفسه في المعيشة حتى يدرك شرف العمرة والعبادة في شهر رمضان ببيت الله الحرام، وهو موروث إسلامي أصيل، وتوارثه بين الأجيال من الأمور المشروعة التي يحبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمون.

وإن من العجب أن يحرص المسلمون الذين يبعدون عن بيت الله الحرام ملايين الأميال، على أداء الحج والعمرة، في الوقت الذي نجد طوائف من المسلمين لم يؤدوا المناسك الواجبة ولا العمرة وهم قريبون من بيت الله الحرام، إما أن يكونوا من ساكنيه أو من المناطق المحيطة به، مع قدرتهم على أداء العمرة، بل بعضهم عنده القدرة على أدائها كل يوم.

التفاني في أداء العمرة

ومن عجيب ما رأيت في حياتي أن بعضا من الفقراء كانوا يذهبون إلى العمرة على متن باخرة، فيسكنون سطحها دون غطاء، ملتحفين السماء، ليس معهم من الزاد إلا ما ندر، يبحرون على متن الباخرة بضعة أيام، يسكنون سطح الباخرة، مع ما فيه من الأذى وشحوم الباخرة وغيرها؛ لقلة الزاد معهم أن يسكنوا في أحد طوابقها، فيدفعون أقل من غيرهم لقلة ما معهم من المال، ويعرضون أنفسهم للريح الشديدة والبرد القارس، وينامون على سطح الباخرة بغطاء لا يقي بردا ولا يدفئ جسدا.

غير أن قلوبهم من شدة الإيمان لا تبالي بردا أو جوعا، فقد غلبهم الشوق إلى بيت الله الحرام، في الوقت الذي يزهد فيه ناس من الأغنياء أو الذين انشغلوا بأعمالهم في البلد الحرام أو غيره من البلاد القريبة أو البعيدة، مع القدرة على أداء المناسك.

عمرة بحجة مع النبي

وإن كانت العمرة من الفضائل التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، فإنه بكلماته البليغة نصح الأمة أن يكون أداء العمرة أفضل في شهر رمضان، وأخبر أن أداء العمرة في رمضان يعدل ثواب حجة معه صلى الله عليه وسلم.

ومن تلك الأحاديث النبوية ما ورد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عَمَرَةٌ في رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي، أَوْ حَجَّةً مَعِي” (متفق عليه).

وهناك رواية تدل على سبب ورود هذا الحديث، وذلك فيما أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لامرأة من الأنصار يقال لها أمّ سنان: “ما منعك أن تكوني حججتي معنا؟”، قالت: ناضحان  كانا لأبي فلان – زوجها- حج هو وابنه على أحدِهما، وكان الآخر يسقي عليه غلامنا [أرضاً لنا]، قال: “فإن عمرة في رمضان تقضي حجة، أو (حجة معي).

وفي لفظ لمسلم: “فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرةً فيه تعدل حجة”، وفي لفظ للبخاري: (“فإذا كان رمضان اعتمري فيه؛ فإن عمرة في رمضان حجةٌ” ، أو نحواً مما قال.

والمراد من الحديث أن ثواب أداء العمرة في رمضان تعدل ثواب أداء حج النافلة لا حج الفريضة، ولا تسقط الفريضة بأداء العمرة في رمضان، كما قال ابن الملقن في «التوضيح لشرح الجامع الصحيح » (12/ 231):«وقوله: (“فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ”) أي: ثوابها، والمراد حجة التطوع، وثواب الأعمال يزيد بزيادة شرف الوقت، أو خلوص القصد وحضور القلب»

ويقول ابن حجر  في «فتح الباري لابن حجر» (3/ 604-605): «فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض ….

 وقال ابن العربي حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من الله ونعمة، فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها.

 قال ابن الجوزي :فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد.

 وقال غيره: يحتمل أن يكون المراد عمرة فريضة في رمضان كحجة فريضة وعمرة نافلة في رمضان كحجة نافلة.

 وقال ابن التين: قوله كحجة يحتمل أن يكون على بابه ويحتمل أن يكون لبركة رمضان.

لم كل هذا الفضل لأداء العمرة في رمضان؟

ولسائل أن يسأل: لم كل هذا الفضل لأداء العمرة في رمضان؟ ويجيب عن ذلك ابن بطال في «شرح صحيح البخارى » (4/ 438) بقوله: «والفضائل لا تدرك بقياس، والله يؤتى فضله من يشاء».

وقال ابن حجر في «فتح الباري لابن حجر» (3/ 604):” ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى الحديث نظير ما جاء أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن.

كما يضاف إلى ذلك أن الله تعالى يضاعف ثواب الأعمال الصالحة في رمضان مما ليس في غيره من الشهور، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

فوائد العمرة في رمضان

ولا يقف فضل أداء العمرة في رمضان عند هذا الحد فحسب، فهناك فوائد أخرى عظيمة لمن يكرمهم الله تعالى بأداء العمرة في رمضان، ومن ذلك:
1 – أن أداء العمرة في شهر رمضان فرصة عظيمة للتقرب إلى الله تعالى والإكثار من العبادة لله في بيته الحرام، في جو يشيع فيه الإيمان.

2 – كما أن أداء العمرة في شهر رمضان فرصة عظيمة لنيل الثواب المضاعف للأعمال الصالحة التي يقوم بها المسلمون من الذكر والدعاء وقراءة القرآن والتراويح والتهجد والصدقة وغيرها، فالأعمال الصالحة في رمضان تضاعف عما في غيره من الشهور.

ودليله ما أخرجه الترمذي بسنده عن  أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من تطوع في رمضان بعشرة أيام كان كمن أدى الفريضة في غيرها، ومن أدى الفريضة في رمضان، كان كمن أدى سبعين فريضة في غيرها.

3 – وفي أداء العمرة في رمضان تجديد العهد مع الله تعالى وحصول التوبة الصادقة من العبد المسلم، ومراجعة للنفس فيما تفعله من الأعمال، وعون على الاستقامة على طريق الله.

4 – كما أن في أداء العمرة في رمضان تحقيق لمعنى أخوة المسلمين مع اختلاف مشاربهم وأوطانهم وألسنتهم، فيتقابل المسلمون في العمرة – في رمضان خاصة- من مشارق الأرض ومغاربها، يتعارفون فيما بينهم على الإيمان والإسلام.

5 – وإن من جميل ما يرى في أداء الشعيرة أن يتقابل المسلمون مع اختلاف لغاتهم فيقابل بعضهم بعضا بالابتسامة أو السلام بالإشارة؛ بما يحقق أسمى معاني الأخوة في الله.

6 – وفي رحاب بيت الله خاصة في رمضان، يتحصل المسلمون على السكينة والراحة والهدوء، ويغسلون أرواحهم مما علق بها من أدران النفس وشهواتها، وينظفون داخلهم من تلك العوالق والعوائق؛ فتحصل السكينة والطمأنينة بمجاورة بيت الله في أعظم أشهر الله، في صحبة خلق الله.

نصائح لأداء العمرة في رمضان

ومما ينصح به المسلمون في أداء العمرة في رمضان ما يلي:

1 – التجهيز الجيد لرحلة العمرة، من خلال البحث عن المكاتب السياحية والحصول على تأشيرة الزيارة والحجز المسبق للفنادق والنقل ونحوها مما يحتاجه معه من الحاجات الشخصية وغيرها.

2 – التزام الآداب الإسلامية أثناء أداء العمرة، وحسن التعامل بين المسلمين والصبر على التدافع في الزحام ونحوها، والمعاملة الحسنة للمسلمين، وعدم رفع الصوت أو الشتم ونحو ذلك مما هو محرم.

3 – الاستفادة من الأوقات أثناء التواجد في مكة والبيت الحرام، فلا يكون غالب الوقت في الشراء والمتعة، بل يحرص  المسلم على البقاء في البيت الحرام أطول مدة ممكنة، وأن يخفف من أمور الدنيا، وأن يحرص على الاستفادة من وجوده في بيت الله الحرام بالطاعة والتقرب إلى الله تعالى.

4 – مجاهدة النفس في الطاعة واجتناب المحرمات والتفكر في آيات الله تعالى التي يراها في بيت الله الحرام، وأن يطيل النظر إلى الكعبة المشرفة والمسجد الحرام، وأن يتأمل ما حوله من إخوانه المسلمين خاصة ممن أتوا من أماكن بعيدة ويتعلمون ألسنا مختلفة؛ فيعرف عظمة هذا الدين وجمال الأخوة في الله.

5 – العناية بالنظافة الشخصية واللياقة البدنية، والحرص على اتباع النظام الصحي في تناول الطعام والشراب، وأن يحرص على ممارسة رياضة المشي ونحوها مما يفيد الجسد ويجعله قادرا على أداء الطاعات.

6 – تجنب التجمعات الكبيرة والازدحام قدر المستطاع، وألا يدافع الرجال أثناء الطواف، وأن يراعي النساء في ذلك وأن يتصبر عليهم قدر استطاعته.

7 – تجنب الإفراط في الطعام والشراب، وأن يأكل ما يقوي بدنه على أداء العبادة دون سرف.

8 – الحرص على خفض الصوت وعدم إزعاج الآخرين سواء أثناء أداء العبادة، أو في أثناء تواجده في الفندق أو في الشارع.

9 – تجنب التأخر في أداء العمرة في رمضان حتى لا يفوته أداء العمرة. لا يتعارض مع الإجراءات والتنظيمات.

10 – اتباع الإرشادات وعدم مخالفة الإجراءات والتعليمات الإدارية والتنظيمية التي تفيد الجميع.