يقولون إن الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي كان يقرأ بسرعة فائقة تتجاوز الألف كلمة في الدقيقة، في حين أن القراءة السريعة لدى الشخص العادي لا يتجاوز متوسطها مائتي كلمة بالدقيقة، هذه قدرات طبيعية، يتفاوت فيها الناس بقدر عطايا ومواهب ينعم به الله على خلقه.

لكن الأمر يمكن ألا يقف عند حد المواهب والعطايا، فمثلما يروض المرء نفسه على أمر ما شاق عليه، كرفع الأثقال مثلا أو الجري لمسافات طويلة، ويصل فيها إلى شأن أو مستوى عال بالتدريب والتريض، يمكن أيضا رياضة النفس على القراءة السريعة حتى يصل المرء إلى معدل يناهز معدل الرئيس الراحل كينيدي وربما يفوقه.

لم تكن هناك حاجة فيما مضى إلى القراءة بسرعة، فقد كان المعروض للمطالعة غير كثير، وكان إيقاع الحياة هينا وئيدا، كانت التخصصات والفروع قليلة، وكان الداعي للقراءة آنذاك الترف العقلي والتعليم البسيط، فكان يناسبها المعدل العادي الطبيعي للقراءة.

أما الآن مع انفجار ثورة المعلومات والاتصالات، وأمواج لا تنتهي من المعرفة، فالمرء تضطره الضرورة والحاجة إلى القراءة الكثيرة لاهثا وراء الجديد الذي يطل عليه في كل يوم بل في كل ساعة، وربما اقتضى عمله المواكبة لكل ما يفد على تخصصه، وإلا خرج من حلبة المنافسة، وضاق رزقه، فهناك أعمال ومهن تحتاج إلى التعليم المستمر والمطالعة الدءوبة التي لا تنقطع، كالذين يعملون مثلا في فروع الطب والعلوم التجريبية وتكنولوجيا المعلومات، بل إن هناك عددا من العلوم الإنسانية أصابته اللوثة ذاتها وصار الجديد فيه يبهر أنفاس المتابع الملاحق.

اذن فالدواعي والأسباب التي تحمل المرء في عصرنا الحديث على القراءة الغزيرة المستمرة السريعة، تتعدد وتتنوع، ولذلك تنتشر الآن في دول العالم المتقدم، مؤسسات تدريبية تقدم دورات يتدرب فيها الشخص على القراءة السريعة، وعدد هذه المؤسسات آخذ في الزيادة.

ولا يقتصر الأمر على إقبال الكثيرين على تلقي تلك الدورات بمبادرات فردية، بل إن الشركات والمؤسسات ترسل الآن موظفيها للتدريب على القراءة بسرعة، أملا منها في مضاعفة سرعة القراءة لديهم لمواجهة تحديات فيضان المعلومات والمعارف في عصرنا.

تعلم القراءة من جديد

نعم هذا الذي يحدث في أغلب الحالات، إذ يتعلم المتدرب القراءة من جديد للمرة الثانية خلال تلك الدورات المتخصصة، ولذلك يبدأ معه المدربون بمحاولة جعله ينسى الطريقة التي يقرأ بها الآن، ثم عليه بعد ذلك أن يتخلص من أمرين تتسم به قراءته قبل الدورة:

– يجب عليه ألا يقرأ قراءة داخلية (كل كلمة على حدة)

– يجب عليه ألا يقرأ بصوت عال.

فمن يخضع طوعا للتدريب على القراءة السريعة، يتعين عليه أن يعرف طرفا عن مدى تعقيد أنشطة الدماغ أثناء عملية القراءة، حتى يفهم ما هو بصدده من تغيير في أسلوب قراءته ومن ثم سرعته؛ فالذي يحدث أثناء ممارسة القراءة أن العين تدرك عددا محددا من الرموز أو الحروف، يقوم الدماغ بعد ذلك بترجمتها إلى كلمات، ثم إلى جمل يخلص بها إلى مدلول معين، وبالطبع لا يلحظ أحد هذه التفاصيل ولا يشعر بهذا التعقيد، ولا يذكر حتى كيف بدأ يقرأ أو تعلم القراءة.

والواقع أن البداية غالبا ما تكون كالتالي: يقرأ المرء بصوت عال، ويلعب هذا دورا مهما في انسجام الحروف وتناغم اللغة، وعندما يتقن الواحد منا القراءة ويكبر، يقوم دون أن يشعر بتكرار نفس العملية، إذ يقرأ داخليا بصوت عال يسمعه هو ليحافظ على الانسجام والتناغم، تماما كان يفعل وهو طفل؛ أي أنه ينطق الكلمات داخليا.

هذان الأمران يشكلان عائقا هاما في تجاوز القراءة بالمعدلات العادية إلى معدلات سريعة تفوق الألف كلمة في الدقيقة.

فالمحور الذي تدور حوله القراءة السريعة هو “القراءة البصرية لا الصوتية”، بمعنى أن العين المبصرة البشرية لها نطاق بصري يتراوح بين ثلاثة إلى ثلاثة ونصف سنتيمتر، وهذا النطاق يتم التدريب في القراءة السريعة على استغلاله بشكل أمثل، إذ لا يقوم فيها المتدرب بقراءة كل كلمة على حدة، بل يتدرب على قراءة الكلمات الواقعة ضمن نطاق عينيه البصري، وهذا يعني أنه سوف يقرأ ثلاث أو أربع كلمات دفعة واحدة وربما يزيد في بعض الحالات إذا كانت الكلمات قصيرة.

بعد تدريب طويل للدماغ والعين، سوف تزيد عدد الكلمات التي يقرؤها القارئ، لكنه سوف يلقى صعوبة في البداية ترجع إلى التدريب على السرعة الجديدة، وهي الصعوبة التي يلقاها أي مبتدئ مثلا في مركز للياقة البدنية أو يخوض تجربة العدو السريع أو رفع الأثقال أو إنماء عضلاته، ثم بعد ذلك برياضة النفس يصبح هذا الأمر سهلا وعاديا بالنسبة له.

يزيد تلك البداية صعوبة مسألة ضبط نطاق الرؤية على إيقاع السرعة الجديدة، إذ غالبا لن يتمكن المتدرب في البداية من فهم أكثر النص الذي يقرؤه بالطريقة والسرعة الجديدة، إذ يكون مشتتا بين التطبيق البصري وضبط الإيقاع والعمليات الأخرى التي يتدرب عليها.

عن الفهم والفاعلية

لكن بمجرد أن يتقن هذه العمليات، فإن إدراكه لمدلول ومضمون الكلام سوف يحتل بؤرة التركيز في المرحلة التالية، وبذلك ينصرف جل تركيزه إلى الفهم، ثم ما تلبث أن تجري الأمور بنفس السلاسة التي كان يقرأ بها وهو يستخدم طريقته القديمة، إذ لا يفكر المرء غالبا في كيفية إدراكه هذا العدد الكبير من الكلمات التي يقرؤها دفعة واحدة.

بديهي عند هذه النقطة أن يتلاشى الإحساس بإيقاع اللغة وموسيقاها عند التدريب على القراءة بسرعة، فالوصول لسرعة عالية يفقد في كثير من الحالات المرء مواكبة الصوت الداخلي الذي نسمعه في رءوسنا للكلمات المقروءة، وهذا يعني ضمن ما يعني أن قراءة عمل أدبي لن تكون مجدية بتلك السرعة العالية، فأول شيء يفقده المرء إذا قرأ عملا أدبيا أو قصيدة شعرية بتلك الطريقة هو الاستمتاع الحقيقي الذي تورثه الأعمال الأدبية الراقية، لذلك حتى مدربو تلك الطريقة يقصرون القراءة بها على الشئون التجارية أو العلمية أو ما شابه، والرجوع للطريقة القديمة في النصوص الأدبية.

كم سمعنا من الذين يعملون مثلا في قطاع تكنولوجيا المعلومات مر الشكوى لعدم القدرة على ملاحقة الجديد والحديث، كم مبرمج قال إنه يعاني مما يتوجب عليه قراءته من كم كبير من المعلومات والمعارف، الجميع يجزم بأن فيوض المعلومات تتعاظم ولا تهدأ، والعبء يزداد ثقلا مع مرور الأيام، ولم يعد لديهم أوقات فراغ يعيشون فيها شأنهم في ذلك شأن سائر البشر، بل يجب عليه أن يقرأ ويقرأ ويقرأ، ويظل هكذا كأنما خلقوا ليعملوا لا ليعيشوا.

المهم أن تزداد الفعالية فيجب ألا يهمل المرء الفهم بالتدريب على القراءة السريعة بهذه الطريقة، بل يجب عليه أيضا أن يرفع من درجات تركيزه أثناء تلقيه الدورة على الإدراك السريع، لذلك لا يقتصر الأمر على التدريب على القراءة السريعة، بل تم استحداث طرق جديدة تساعد على تقييم المعلومات المقروءة، وترتيبها داخل المخ ومعالجتها، وهذا ما تقدمه الدورات المتقدمة المتخصصة في القراءة السريعة، والتي من شأنها تحويل القراءة السريعة إلى قراءة فعالة أيضا، فالسرعة وحدها لا تعني الكثير.

كما هو واضح إنها دورات تدريبية مطولة –أشغال شاقة- وليست تعليمات أو نصائح، وبالتالي ليس من المنتظر أن نضع بين أيديكم مفردات وعناصر أي من تلك الدورات، كما أن كل شيخ وله طريقة.

لكن لا بأس بقليل من النصائح التي قد تساعد، لمن لا يريد دورة أو خلافه، أو ليس بمقدوره الالتحاق بأي منها، ومن هذه النصائح:

1- حتى تتغلب على تحريك الشفتين، فامسكهما لفترة حتى تعتاد العين القراءة وحدها، وتتخلص من القراءة بصوت.

2- إذا كنت ممن اعتاد تتبع الكلمات بالإصبع، فأمسك المطبوعة التي تحتوي النص بكلتا يديك.

3- لا تعد للوراء.

4- اقرأ الكتب والمجلات والصحف والقصاصات المطبوع منها والمرئي أي على الورق ومن الشاشة والهدف هو تعويد العين على التنويع.

5- حدد غرضك من القراءة فإذا كان للترفيه فلا داعي للتركيز القوي على التفاصيل، وإذا كان للمعرفة فاصرف تركيزك قبل بدء القراءة الفعلية إلى المفاهيم الأساسية، والهدف رفع درجة الاستيعاب قبل القراءة حتى تكون إطارا يسهم في الإسراع بها.

6- لا تتوقف عند ما لا تفهم، فمثلا إذا عرضت لك كلمة لا تفهمها وكانت هامة فغالبا سيوفيها الكاتب حقها من الشرح لاحقا، إما إذا كانت ليست كذلك فلا تستحق الوقوف عندها.

7- درب نفسك باستمرار.

8- يمكنك أن تستخدم ساعة لضبط سرعة قراءتك.

هشام محمد


هوامش ومصادر:

You can not speed read literature

Speed Reading Test Online

Improving Reading Speed