للأعمال الخيرية أهمية قصوى في حياة البشر، حيث أنها لجميع فئات الناس ولا تميز بين أحد منهم، خاصة في إمداد يد العون للفقراء والمحتاجين. وقد عرف العمل الخيري تطورا كبيرا عبر العصور، حيث تغير شكله ودوره في العصر الحيث العديد بظهور منظمات عالمية وإقليمية ومحلية تختص بهذا الشأن، وأصبح هناك “اليوم الدولي للعمل الخيري” الذي يوافق 5 سبتمبر من كل عام. ونحن في ديننا الإسلامي قد نكون “أحق” بالعمل الخيري لقيمته ودرجته الرفيعة في  واعتناء شريعتنا الغراء التي اعتنت به عناية فائقة.

لا شك أن الأعمال الخيرية لا تعترف بالتفرقة في الدين، والوطن، والعرق، ولا تفرّق بين الناس في جنسهم، أو لونهم، أو شكلهم، بل إنها تجمل حياة الناس، وتجعل التراحم والمحبة أساس التعامل بين الناس، فالعمل الخيري شيء نابع من الأعماق، يأتي بالفطرة حسب كل شخص.

الأعمال الخيرية تتنوع بتنوع المجتمعات واختلافاتهم الثقافية، وأيضا حسب الأفراد والمجموعات التي تحتاج لمثل هذا العمل الخيري، وقد أصبح في العصر الحديث العديد من الطرق والوسائل للعمل الخيري، وأصبح هناك منظمات محلية وإقليمية وعالمية مهمتها الأساسية هي العمل الخيري، الذي أصبح منظما على مستوى جميع الدول والمجتمعات، ولم يعد كما كان في السابق يقتصر فقط على مستوى الأفراد، مما أضاف له الكثير من الهيبة والجدية والشمولية.

ولعل من أهم الأعمال الخيرية في العصر الحالي، الأعمال التي أنقذت أرواح ملايين البشر، خاصة أثناء الحروب والكوارث الطبيعية، من خلال إمداد يد العون لهم، وتقديم الطعام، وتوفير الشراب، والمسكن، والملبس لهم، وكذلك الاهتمام بتعليم كل الأطفال الأيتام، وإنشاء المدارس والجامعات، ومبادرات محو الأمية في الدول الفقيرة، خصوصا في الكثير من الدول الإفريقية التي عانت من المجاعات، والحروب الأهلية، والجفاف.

ما هو العمل الخيري؟

العمل الخيرى هو نشاط خيري يقوم به بعض الأفراد أو الجمعيات الخيرية بهدف تقديم سلع ما أو خدمات أو غير ذلك مما يحتاج إليه الناس في حيلتهم اليومية، وهذا العمل النبيل يكون بدون مقابل كونه عمل لا يهدف لجني ربح أو عائد أو مصلحة شخصية من وراءه، وهذا أهم ما تميز به العمل الخيرى عن غيره من الأعمال الأخرى ذات الصفة التجارية الربحية البحتة.

وتتنوع هذه الأعمال إلى أنواع كثيرة من تقديم للغزاء لذوى الحاجة أو المحتاجين إلى الرعاية الصحية لبعض المرضى ممن لا يملكون المال لدفع نفقة العلاج على نفقتهم الخاصة وأيضا مشاريع كفالة الأيتام تعد مثالا عظيما للأعمال الخيرية·

وقد تتوسع الأعمال الخيرية في مساعدة الطلاب من أبناء الفقراء في الاستمرار في دراستهم من خلال تيسير وتوفير السبل والوسائل اللازمة لاستكمال الدراسة·

اعتماد اليوم الدولي للعمل الخيري

باعتمادها جدول أعمال التنمية 2030 في سبتمبر 2015، أدركت الأمم المتحدة أن القضاء على الفقر بجميع صوره وأشكاله وأبعاده، بما في ذلك الفقر المدقع، هو تحد عالمي هائل ومتطلب لا غنى عنه في تحقيق التنمية المستدامة. وجدول الأعمال ذاك يدعو إلى تعزيز روح التضامن العالمي، ويركز تركيزا رئيسيا على حاجات الفئات الأضعف والأشد فقرا. كما أن جدول الأعمال يعترف كذلك بالدور الذي يضطلع به القطاع الخاص المتنوع، ابتداء من المؤسسات المتناهية الصغر ومرورا بالتعاونيات وانتهاء بالشركات المتعددة الجنسيات. كمان أنه يعترف كذلك بالدور الذي تضطلع به منظمات المجتمع المدني والمنظمات الخيرية في تنفيذ جدول الأعمال الجديد.

ووضعت أهداف التنمية المستدامة جدول عمل – يمكن تأطيره في أربع مجالات هي: الناس والكوكب والرخاء والسلام والشراكة – يعرض مفاهيم يمكنها تحويل معايشنا وكوكبنا من خلال تقديم أطر عملية لخدمة المؤسسات الخيرية في سعيها الجاد نحو تمكين الأفراد من الاسهام في تحسين عالمنا.

وعليه فقد تم اقرار اليوم الدولي للعمل الخيري بهدف توعية وتحفيز الناس والمنظمات غير الحكومية وأصحاب المصلحة المشتركة في جميع أنحاء العالم لمساعدة الآخرين من خلال التطوع والأنشطة الخيرية.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت في عام 2012 القرار 105/67 وبمبادرة من البعثة الدائمة لهنغاريا، وتم اختيار تاريخ 5 سبتمبر واعتباره “اليوم الدولي للعمل الخيري” من أجل إحياء ذكرى وفاة “الأم تيريزا”(وهي راهبة كرست حياتها لمساعدة المهمشين والفقراء) وحصلت على جائزة نوبل للسلام في عام 1979 تكريما للعمل الخيري الذي اضطلعت به من أجل التغلب على الفقر، والذي يشكل تهديدا للسلام العالمي.

العمل الخيريكقيمة ثقافية في الشخصية القطرية

في دولة مثل قطر، تحتفي هيئة تنظيم الأعمال الخيرية، في الخامس من سبتمبر من كل سنة، مع العاملين في القطاع الخيري والإنساني حول العالم، باليوم الدولي للعمل الخيري.وتَسعى الهيئةُ من خلال الاحتفاء بهذا اليوم إلى إبراز الدور الريادي الذي تقوم به دولة قطر في خدمة القطاع الخيري محليًا وإقليميًا ودوليًا.

وتحلُّ ذكرى اليوم الدولي للعمل الخيري هذا العام في ظروف إنسانية صعبة، حيث تعاني بعض الدول من الكوارث الطبيعية والفيضانات، كما تعاني أخرى من الحروب والنزاعات المسلحة وما تخلفه من عمليات نزوح جماعية، وهو ما يفرض على العاملين في القطاع الخيري مسؤوليات أكبر تجاه هذه الأزمات.

وبهذه المناسبة، أشادت الهيئة بالدور الفاعل الذي تقوم به الجمعيات والمؤسسات الخيرية القطرية خاصة والعالمية عموما في مواكبة هذه الأزمات، والاستجابة السريعة لتقديم المساعدات العاجلة لمعالجة آثار هذه الأزمات الطارئة. وتأتي مثل هذه المناسبة الدولية المهمة لتذكير الإنسانية جمعاء بأهمية تقديم يد العون حتى يعم الخير العالم أجمع، كما أنها تعد فرصة للتأكيد على ما أحدثته الجمعيات الخيرية القطرية من تغيير جذري لمفهوم العمل الإنساني، حيث أصبح العطاء والبذل قيمة ثقافية في الشخصية القطرية، وسمة من سمات الهوية المتجذِّرة في المجتمع القطري.

ويتمثل ذلك في دعم مجالات العمل الإغاثي، والتنمية المستدامة، ودعم التعليم ومحو الأمية، والتمكين الاقتصادي وغير ذلك من مجالات العمل الخيري والإنساني التي تصبُّ في مساعدة المجتمعات وتنميتها، كل ذلك في ظل منظومة رقابية عالية تضمن وصول المعونات بشكل آمن لمستحقيها.

جمعيات خيرية بلا حدود

 أطباء بلا حدود، أنقذوا الأطفال،‏ يونسيف،‏ قرى الأطفال إس أو إس‏، العمل ضد الجوع، مؤسسة الحرمين الخيرية… منظمات وجمعيات خيرية ومنها الآلاف منشرة عبر العالم كلها في خدمة العمل الخيري عبر العالم.

لقد أصبح العمل الخيري والتطوع من الأعمال الظاهرة البارزة في واقع الناس، فقامت العديد من الدول والمؤسسات والجمعيات الخيرية التي تهتم بالأيتام والفقراء والمساكين وذوي الاحتياجات الخاصة. وأضحت تلك الجهات مواقعا لتفجير الطاقات المختلفة واحتضان الإبداعات ومناخا للتعاون الجماعي المثمر وفرصة سانحة للكثيرين لإبراز إبداعاتهم في مختلف قنوات العمل الخيري المؤسسي.

وتشير التقارير الدولية إلى أن عدد الجمعيات الخيرية في الولايات المتحدة الأمريكية قد زاد بنسبة 70 % ليصل العدد إلي 2,3 مليون جمعية، وأن عدد الجمعيات المسجلة في الضرائب بلغ نحو 1,6 جمعية . وفي روسيا هناك ما يقارب من 65 ألف منظمةغير حكومة مسجلة للأعمال الخيرية، وفي الهند هناك أكثر من مليون منظمة تطوعية مسجلة , وأكثر من 200 ألف منظمة غير حكومية في السويد، وأكثر من 210 ألف منظمة في البرازيل، أما في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية فهناك أكثر من 50 ألف منظمة، وفي كينيا مثلا ينشأ كل سنة ما لا يقل عن 240 منظمة غير حكومية، في حين أن عدد الجمعيات الخيرية في العالم العربي أكثر من 2050 جمعية عربية مسجلة للأعمال الخيرية.

وفي ظل عالم يموج بالتغيرات والتحولات التي غيرت شكل العالم عما كان مألوفا قبل ذلك لعدة عقود، تبرز العديد من الظواهر والتي غيرت من شكل العالم كظاهرة العولمة وما ارتبط بها من ترابط دولي، وأيضا الظواهر المعلوماتية من إنترنت وشبكات التواصل التي جعلت العالم أشبه بقرية صغيرة، تنتقل فيها المعلومات والاستثمارات والسلع والخدمات بحرية تامة، وما ارتبط بذلك من إمكانية التقاء الأفراد والعمل معا بصورة متزايدة في حياتهم اليومية بثقافات أخرى وقيم مغايرة.

العمل الخيري في الإسلام

الإنسان في الإسلام مخلوق مكرم ومكانته محترمة، لأن ديننا الإسلامي يهدف إلى مجتمع متراحم ومتعاون ينشر المحبة والتسامح والعطف على الفقراء و المحتاجين، حيث يزداد العمل الخيري أهمية في حماية المجتمع وتربية الأفراد على البذل والعطاء ومشاركة الآخرين وتنمية العلاقات الأخوية التي تقوّي المجتمعات. وقد ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية ما يؤكد على وجوب الزكاة للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل. فالأعمال الخيرية هي سد الحاجة للمحتاجين وكفاية المؤونة وتخفيف الآلام وحفظ الكرامة وحماية المجتمع من شتى الانحرافات والجرائم والآفات.

ومن ثم فإن للعمل الخيري أهمية لا نظير لها في الإسلام، وذلك نابع من اعتناء الشريعة الإسلامية الغراء عناية بالغة بالعمل الخيري لإغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج دون مقابل مادي يحصل عليه المتطوع أو طلبا للثناء والشهرة، أو نحو ذلك من أغراض الدنيا. فالعمل الخيري في الإسلام هدفه ابتغاء مرضاة الله ورجاء الثواب عند الله، فضلاً عما يناله في الحياة من بركة، وحياة طيبة، وسكينة نفسية، وسعادة روحية لا تقدر بثمن عند أهلها.

عمل الخير وإشاعته وتثبيته من المقاصد الشرعية أو الضروريات الأصلية كالمحافظة على الدين، وعلى النفس، وعلى النسل، وعلى العقل، وعلى المال، وعلى العرض أيضا.

وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

يرى العديد من علماء الأمة الإسلامية، وفي مقدمتهم العلامة الدكتور يوسف القرضاري، أن العمل الخيري جاء في القرآن والسنة بصيغ شتى، بعضها أَمْرٌ به أو ترغيبٌ فيه، وبعضها نهيٌ عن ضده أو تحذيرٌ منه، بعضها مدح لفاعلي الخير، وبعضها ذم لمن لا يفعل فعلهم، بعضها يثني على فعل الخير في ذاته، وبعضها يثني على الدعوة إليه، أو التعاون عليه، أو التنافس فيه؛ ففي الدعوة لفعل الخير قال تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج: 77]، وقال: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) [آل عمران: 115]. وفي  قول الخير قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة: 83]، وفي الحديث: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت”. وفي  المسارعة إلى الخير قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) [آل عمران 133، 134]، وفي وصف بعض مؤمني أهل الكتاب: (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) [آل عمران: 114]، وفي وصف أهل الخشية من ربهم: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون: 61].

وقد حرص الإسلام في دفع المؤمنين إلى التسابق على عمل الخير بقوله تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا) [المائدة: 48]. وأن يقوم فريق من الناس بالدعوة إلى الخير لقوله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) [آل عمران: 104]، وقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “من دل على خير فله مثل أجر فاعله. مع  الحض على الخير: مثل إطعام المسكين، حتى لا يهلك جوعا، بقول  الله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [الماعون: 1-3]، وقال في شأن الكافر الذي استحق دخول الجحيم: (إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ* وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [الحاقة: 33، 34]، وينكر الإسلام على المجتمع الجاهلي تركه لهذه الفريضة: (كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [الفجر: 17، 18].

ولم يقتصر الإسلام على الدعوة للخير و فعله، بل حرض المؤمنين على عقد النية لعمل الخيرات، وحتى ولو لم تتيسر لهم الظروف لفعله فإنه يثاب على نيته الخيرية.

مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ

كما عظم الإسلام من شأن العمل الخيري ولو كان صغيرا؛ لقوله تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) [الزلزلة: 7]، وقال سبحانه: (إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 40]، وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “سبق درهم مئة ألف درهم”. قالوا: وكيف؟ قال: “كان لرجل درهمان، تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله فأخذ منه مئة ألف درهم فتصدق بها”. [كما مدح القرآن فاعلي الخير والداعين إليه وذم الذين يمنعون الخير، فقال تعالى: (وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ* هَمَّازٍ مَّشَّاءِ بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) [القلم: 10-12].فجعل من أوصاف هذا المشرك الذميمة جملة من الرذائل؛ مثل: كثرة الحلف، والمهانة (حقارة النفس)، والهمز (الطعن في الآخرين)، والمشي بين الناس بالنميمة، وكثرة المنع للخير، والاعتداء، والإثم، وهكذا نجد صفة أو رذيلة (مناع للخير) ضمن ما ذمه القرآن الكريم.

وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى

ويدعو الإسلام أبناء الأمة إلى التعاون في  فعل العمل الخيري  بروح الفريق لقوله  تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2]. وقول  رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”، وشبك بين أصابعه. داعيا أصحاب رؤؤس الأموال إلى التنسيق والتعاون  مع الجمعيات الخيرية والجهات المعنية بالضعفاء والمرضى والمعوقين وذوي الحاجات  الخاصة  لتقديم العون لهم، عملا بالحديث النبوي الشريف: “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”. كما أن ثواب العمل الخيري لا يدانيه ثواب من الله تعالى، فالعامل على الصدقة – تحصيلا أو توزيعا– كالمجاهد في سبيل الله، إذا  تحرى الحق، وابتغى وجه الله بعمله، ويدخل في هذا العاملون في الجمعيات الخيرية والإغاثية، وإن كانوا يأخذون أجرا على أعمالهم، إذا صحت نياتهم، وقصدوا بعملهم – في الأساس– وجه الله تعالى فعن رافع بن خديج ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: “العامل على الصدقة بالحق  كالغازي في سبيل الله ـ عز وجل ـ حتى يرجع”. وما ورد عن السيدة  عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها بما اكتسب، وللخادم مثل ذلك، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا”.

مصادر لا تنتهي..في مصب التطوع والإحسان

إن الحديث عن العمل الخيري في الإسلام، حديث لا ينتهي، فللعمل الخيري مصادر متعددة:

كالزكاة التي فرضها الله على أموال المسلمين، تطهيرًا وتزكية لأنفسهم وأموالهم، وتحقيقا لتكافل المجتمع المسلم، ومساهمة أساسية في عمل الخير.

والصدقات التطوعية الاختيارية التي يتطوَّع بها المسلم تقرُّبا إلى ربه، كأحد مصادر تمويل العمل  الخيري.

والوقف الخيري لتحقيق التكافل والتضامن بين أبناء الأمة، فالصدقة الجارية من أهم مصادر تمويل العمل الخيري، وثوابها عند الله عظيم وممتد.

وهناك مصادر أخرى لتمويل العمل الخيري في الإسلام مثل الفيء والخراج، وما يرد على خزانة الدولة لسد حاجات المساكين وأبناء السبيل واليتامى وغيرهم من ذوي العَوز والحاجة. ومن المصادر أيضا الضرائب من أجل الخير، و الأضحية في عيد الأضحى بتوسعة أهل المضحِّي على أقاربه وجيرانه والفقراء من حوله، وكذلك الهَدْي في الحج، وكذلك ما أوجبه الله على المسلمين من كفَّارات بمناسبة ارتكاب تقصير أو خطأ في عبادة ما، أو سلوك ما، مثل ما أُوجب على مَن حلف على يمين أن يفعل شيئا أو لا يفعل شيئا في المستقبل، ثم لم يفِ بما حلف عليه، فيحنث في يمينه، ويكفِّر عن ذلك بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم.

وهكذا يتيح العمل الخيري، مثله في ذلك مثل مفهومي التطوع والإحسان، فرصة لتعزيز الأواصر الاجتماعية والإسهام في خلق مجتمعات أكثر شمولا ومرونة. فللعمل الخيري القدرة على رفع آثار الأضرار المترتبة على الأزمات الإنسانية، كما أنه له القدرة على دعم الخدمات العامة في مجالات الرعاية الطبية والتعليم والإسكان وحماية الأطفال. والعمل الخيري فاعل جدا في تحسين الثقافة والعلوم والرياضة وحماية الموروثات الثقافية، فضلا عن تعزيزه لحقوق المهمشين والمحرومين ونشر الرسالة الإنسانية في حالات الصراع.