يبحث كتاب الدّكتور وجيه كوثراني: “تاريخ التأريخ: اتّجاهات، مدارس، مناهج” في فكرة المعرفة التاريخيّة في ضوء طرائق التّفكير العلميّ، وفي إشكاليّة وصف التّاريخ بـِ “العلم”. والكتاب رصدٌ تأريخيّ لفكرة التّاريخ والكتابة التاريخيّة عند العرب، وكيف تطوّرت منذ طريقة الإسناد في رواية الحديث ونقل الخبر في السِّير والتّراجم والمغازي إلى اعتماد مناهج البحث الأكاديميّة الحديثة.

نواة كتاب “تاريخ التأريخ: اتّجاهات، مدارس، مناهج” صدرت، أوّل مرّة، في سنة 2001 في صورة كتيّب بعنوان “التّأريخ ومدارسه في الغرب وعند العرب”، غير أنّ هذا الكتاب يُعدّ جديدًا تمامًا، ومتكاملًا، فهو يجول في المدارس التاريخيّة الغربيّة كالمدرسة الوثائقيّة والمنهجيّة التي انبثقت من المدرسة الوضعانيّة، والمدرسة الماركسيّة، ومدرسة الحوليّات الفرنسيّة. وفوق ذلك فالكاتب يناقش، من خلال قراءات ومراجعات نقديّة، منهجيّة ومفهوميّة، مؤرّخين عربًا وباحثين معروفين في ميدان تاريخ الأفكار والفلسفة السياسيّة والاجتماع السياسيّ أمثال قسطنطين زريق وعبد العزيز الدوري ونقولا زيادة وزين نور الدّين زين وطريف الخالدي ورضوان السيّد ومحمد عابد الجابري وناصيف نصار.

وقبل أن نغوص في الكتاب، لنتعرف على الكاتب أولا.

من هو وجيه كوثراني؟

صاحب كتاب “تاريخ التأريخ: اتّجاهات، مدارس، مناهج” الدكتور وجيه كوثراني ولد في بلدة أنصار إحدى قرى جبل عامل في جنوب لبنان وذلك في العام 1941م. حائز على دكتوراة في التاريخ من جامعة السوربون في باريس في العام 1974م، حائز على دكتوراة دولة في الآداب من جامعة القديس يوسف – بيروت في العام 1985م. وهو أستاذ سابق في الجامعة اللبنانية قسم التاريخ بين سنتي 1975 و2005، ورئيس تحرير مجلة “منبر الحوار”. وهو مدير بحث ومدير فرع بيروت للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات حاليًا. وقد عمل سابقًا مديرًا للدراسات في مركز دراسات الوحدة العربية

تتركز أبحاثه في مجال التاريخ الاجتماعي والإسلامي وتاريخ الأفكار، وتشمل أبحاثه دراسات التّاريخ الاجتماعيّ وعلم اجتماع السياسة ومنهجية البحث التاريخيّ.

ومن مؤلفاته:

  • بلاد الشام: الاقتصاد والسكان والسياسة الفرنسية في مطلع القرن العشرين
  • وثائق المؤتمر العربي الأول
  • المسألة الثقافية في لبنان
  • الفقيه والسلطان
  • مشروع النهوض العربي
  • الذاكرة والتاريخ في القرن العشرين

ثلاث أقسام لتشريح التاريخ

صدرت الطبعة الأولى من كتاب “تاريخ التأريخ اتجاهات – مدارس – مناهج” في بيروت سنة 2012 عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وصدرت للكتاب طبعة ثانية سنة 2013، وهو كتاب من الحجم الكبير يشتمل على 448 صفحة. احتوى مدخلًا منهجيًّا وثلاثة أقسام وخاتمة، فضلًا عن قائمة المراجع والفهرس. أمّا المدخل فقد تضمّن بحوثًا في أصل مفردة التّاريخ، وفي تطوّر معناها الاصطلاحيّ في الثّقافتين اللاتينيّة والعربيّة، ومقارنة وافية بين مصطلح “أسطوريا” اليونانيّ ومفردة “أسطورة” العربيّة.

ويشتمل هذا الكتاب على مدخل وثلاثة أقسام، تنهض على خمسة عشر فصلاً وخاتمة وقائمة للمصادر والمراجع.

القسم الأول: التأريخ العربي من الإسناد إلى طبائع العمران إلى البحث الأكاديمي المعاصر.

القسم الثاني: تطور الفكر التاريخي في الغرب الحديث ومدارسه المعاصرة، مع التركيز على الأنموذج الفرنسي.

القسم الثالث: قراءة ومراجعات في الممارسة التأريخية العربية المعاصرة.

يناقش المؤلّف، من بين الموضوعات المختلفة، الأفكار التي عرضها المؤرّخ اللبنانيّ أسد رستم في شأن قواعد الجرح والتّعديل، وكذلك تحفّظ ابن رشد عن طريقة الجرح والتّعديل، ويعقد مقارنة بين الاثنين، ليخلص إلى نتائجَ واضحة عن عمليّة التّاريخ، ومدى استقلاليّته، وعلاقته بالعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة.

من غاية تعليمية إلى غاية بحثية

يعدّ كتاب “تاريخ التأريخ: اتّجاهات، مدارس، مناهج” تطويرًا وتوسعة لكتاب صدر عام 2001 بعنوان “التاريخ ومدارسه في الغرب وعند العرب- مدخل إلى علم التاريخ”، وكانت غايته تعليمية، إذ إنه وضع ليكون مقررًا دراسيًا لطلبة كلية الآداب بالجامعة اللبنانية، الذين يدرسون مادة موسومة بـ” مدخل إلى علم التاريخ”. وقد تمثل الهدف الجوهري لصاحب الكتاب في تعريف القارئ بالمنهج التاريخي ومدارسه الحديثة، مما يعني أنه يبتغي نشر المعرفة الحديثة المستجدة في الكتابة التاريخية وفي طرائقها واتجاهاتها المنهجية الجديدة.

وقد تطرق الكاتب في مقدمة كتابه إلى موضوع المعرفة التاريخية في ضوء مناهج التفكير العلمي وأساليبه العقلية والإجرائية، كما خاض في إشكالية تسمية علم سمي في اللغة العربية “تاريخًا” في حين سمي في اللغة اللاتينية وفروعها Historia وHistoire وفي اللغة اليونانية القديمة Istor، ويرى كوثراني أن هذه المفردة لها مثيلها الصوتي في “أسطور” وفي مشتقاتها: أسطورة وإسطار وفعل سطّر، تسطيرًا ؛ أي كتب…إلخ، وكلها في نظره مفردات وردت في لسان العرب بمعنى الكتابة، لذلك يتساءل هل من علاقة فيلولوجية وألسنية، وبناءً عليه، إبستمولوجية بين الأصلين؟ ولماذا سمي هذا العلم تاريخًا عند العرب في حين سمي “أسطوريا” في اللغات اللاتينية؟ وبالتالي ما العلاقة بين الأسطورة والتاريخ؟

بين كتابة التاريخ وتدوين الأخبار

يرى كوثراني أن التمييز بين ما هو أسطوري أو تصوري في المعرفة التاريخية المتناقلة، وبين ما هو واقعي أو حقيقي أو موضوعي هو حالة إدراك ووعي عقلاني لم يتوصل إليها الفكر البشري إلا بعد تطور طويل في طرائق التفكير، وبعد تراكم معرفي كبير أدّى بالعقل البشري إلى قفزات علمية. ولهذا يرى الباحث أن دارسي المعرفة التاريخية يميزون اليوم بين التدوين التاريخي الذي سمي في الحضارة الغربية “هيستوريوغرافيا” (Historiographie) أو كتابة التاريخ، وسمي في الحضارة العربية الإسلامية تدوين الأخبار، وبين المنهج التاريخي الذي يبرر إدراج التاريخ بوصفه مجالاً وطريقة في نطاق العلم. ويفنّد الكاتب في مقدمة كتابه فكرة اعتبار المنهج التاريخي ثمرة القرن التاسع عشر معتبرًا هذا المنهج صنع مشترك لأزمنة وحضارات كثيرة.

فكرة التاريخ عند العرب

سعى كوثراني في القسم الأول من كتاب “تاريخ التأريخ: اتّجاهات، مدارس، مناهج” إلى تتبع تاريخي لفكرة التاريخ والكتابة التاريخية عند العرب، فتوقف عند عوامل ازدهار الكتابة التاريخية العربية، ومنها النظرة التاريخية الجديدة بعد الإسلام. والمقصود بالنظرة التاريخية عنده إدراك امتداد الزمن التاريخي وتتابع أحواله جيلاً بعد جيل، في تعاقب زمني تبدو الأحداث والوقائع متعاقبة متسلسلة فيه، فمثل هذا الإدراك غير موجود في فترة ما قبل الإسلام عند العرب، من ذلك أن روايات الأنساب والأيام الشفهية هي في نظره تراث متقطع ومنفصل وخاص بتاريخ كل قبيلة.

وتطرق الكتاب بعد ذلك إلى أنواع الكتابة التاريخية وفقًا للزمان والمكان، مركزًا في المقام الأول على العناصر الرئيسية؛ أي الخبر والسنة، إذ يعرض الكاتب في المقام الأول لصورة الخبر في الرواية التاريخية من وجهة نظر المستشرق فرانز روزنتال، وتتميز بثلاث صفات:

  1. إن كل خبر تام بنفسه.
  2. احتفاظ الخبر منذ عهد قصص “الأيام” بأسلوب القصة القصيرة وأخبار الوقائع المثيرة.
  3. اقتران الخبر غالبًا بشاهد شعري.

تأسيس علم التاريخ عند العرب

وينتقل الباحث بعد ذلك إلى الحديث عن أبرز صور تأسيس علم التاريخ عند العرب والمسلمين على غرار التاريخ الحولي أو التأريخ للسنين والتاريخ العالمي والمحلي، وانتقى نماذج معينة تمثل هذه الصور “كتاريخ الطبري” و”مروج الذهب” للمسعودي و”تجارب الأمم” لمسكويه.

وتطرق كوثراني، في الفصل الثالث الموسوم بـ”العناوين الرئيسة في تدوين الفترات التاريخية وتقسيم الموضوعات”، إلى الموضوعات التي اهتم بها التأريخ العربي من قبيل:

  1. التأريخ على أساس تعاقب الدول؛ الخلفاء والسلاطين.
  2. تقسيم المراحل والموضوعات حسب “الطبقات”.
  3. ترتيب الموضوعات حسب الأنساب.
  4. التراجم.
  5. الجغرافيا.
  6. الفلسفة.
  7. السياسة والإدارة والاجتماع والاقتصاد.

وتوقف الكاتب في الفصل الرابع كتاب “تاريخ التأريخ” والموسوم بـ “من الإسناد إلى استخدام الوثائق” عند بعض قواعد الجرح والتعديل في الإسناد أولاً، وهي طريقة اتُفق على أنها من أهم الإنجازات المنهجية التي شهدتها طرائق المعرفة التاريخية، والتي استفاد منها علم التاريخ استفادة جمة في السياق العربي الإسلامي. ثم درس مصطلح التاريخ وما يقابله في علم الحديث، من منظور أسد رستم، ثم خصص مبحثًا للنظر في إشكالية استخدام الوثائق والنقوش والنقود مصدرًا تاريخيًا.

هل من مدرسة تاريخية خلدونية؟

أما الفصل الخامس الموسوم بـ “جديد ابن خلدون وهل من مدرسة تاريخية خلدونية؟”، فقد توقف فيه الباحث عند ظاهرة لافتة في علم التاريخ الإسلامي هي الظاهرة الخلدونية، وقد حاول من خلالها أن يتساءل عن سبب انتقاد ابن خلدون قواعد الجرح والتعديل واعتبارها غير كافية لتمحيص الخبر التاريخي، مع أن المؤرخ الحديث أسد رستم رأى أنها طريقة مطابقة لقواعد المنهجية التاريخية الحديثة، وعَدَّ أهل الحديث سبّاقين إلى هذا العلم المنهجي(ص12).

ويثني الكاتب، في الفصل السادس المعنون بـ “قواعد التعديل والتجريح بين ابن خلدون وأسد رستم”، على موقف ابن خلدون المتميز من القاعدة المتبعة في مجال الإسناد للتحقق من صحة الخبر، وهي قاعدة التعديل والتجريح المتبعة في علم الحديث. وقد لفت نظر كوثراني إعجاب الباحث أسد رستم بهذه القاعدة، فهو يعتبرها مطابقة لقواعد المنهجية التاريخية الحديثة التي جاءت بها المدرسة التاريخية الحديثة في القرن التاسع عشر.

فرضيات الكتابة التاريخية

وقد تساءل رستم عن سر إعجاب مؤرخ وضعاني معاصر بالتعديل والتجريح خاصة أنه ينتمي إلى ثقافة المدرسة الوثائقية الألمانية الفرنسية التي سادت في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين؟ ويقدم الكوثراني جملة من الفرضيات إجابة عن هذا السؤال، وهي:

  • الفرضية الأولى: إن الكتابة التاريخية العربية منذ أوائل القرن الثالث للهجرة وحتى الجبرتي في أواخر القرن الثامن عشر والتاسع عشر لم تؤلف علمًا قائمًا بذاته، كما لم تؤلف مؤسسة مدرسية قائمة بذاتها لها متخصصوها ومدارسها وقواعدها، كما كان شأن الحديث والفقه في المدارس الدينية، وكما سميت في عصر السلاجقة المدارس النظامية نسبة إلى نظام الملك.
  • الفرضية الثانية: جرى التأسيس للتاريخ علمًا مستقلاً له حقل معرفي ومنهج ومؤسسات في سياق تطور الفكر العلمي الغربي وبتأثير مباشر من المدرسة الوضعية لأوغست كونت، وهذه المدرسة انبثقت عنها المدرسة التاريخانية الألمانية من خلال جهود رنكه وتلامذته، وكذلك المدرسة الفرنسية من خلال جهود المدرسة الوثائقية أولاً ثم المدرسة المنهجية ثانيًا، وهي مدرسة مثلتها المجلة التاريخية التي تأسست عام 1875م. ويتساءل كوثراني أين يقع التشابه؟ وفي أي حيز؟ ويجيب أنه يكمن في قواعد التفكير والنقد والتمحيص بين المدرسة الوضعية التاريخانية الألمانية والفرنسية وبين قواعد التفكير والنقد لدى أهل الحديث والفقه في حقل قواعد الجرح والتعديل، ويعود هذا التشابه إلى المنهج الفيلولوجي الواحد المنصبّ في مجال الحديث على نقد الرواية، رواية الخبر أو الحديث، لدى المحدّثين، والمركّز؛ أي المنهج الفيلولوجي، على الوثيقة لدى المؤرخين الوضعيين. والمعيار في الحالين واحد، وهو الصدق والكذب، صدق الوثيقة أو الخبر.
  • الفرضية الثالثة: إن تجاذب ابن خلدون بين الموقفين؛ المؤرخ المستقل والفقيه المبرر، تفسره سيادة ثقافة عامة، أي سلطة نمط قائم من المعرفة “براديغم” لم يستطع ابن خلدون الخروج عنها لأسباب كثيرة.
  • الفرضية الرابعة: محافظة الكتابة التاريخية إلى القرن التاسع عشر على خاصيتها المتمثلة في كونها أدبًا وصفيًا مفتوحًا ومتعدد الاهتمامات وغير محكوم بإسناد أو تعديل وتجريح لمصادره. أمّا الكتابة التاريخية الغربية الآخذة آنذاك في الاختصاص وفي الانتظام المؤسسي المدرسي وفي التقيد بقواعد المنهجية التاريخية في نقد النصوص، فكانت تتكون باعتبارها مؤسسة علمية وإيديولوجية معًا، ثم مؤسسة رسمية لها وظيفتها ودورها في تبرير نشوء “الدولة الأمة” في أوروبا وخاصة في ألمانيا وفرنسا.

الاستنتاج

ويستنتج كوثراني من هذه الفرضيات:

  1. إن وصف عزيز العظمة للكتابة التاريخية العربية التقليدية بأنها لم تنشئ مدرسة أو مؤسسة محترفة قائمة بذاتها ملاحظة صحيحة، لكنها تنطبق على كل الثقافات، ولا سيما الثقافة الغربية، وذلك لأن التاريخ لم يكتسب صفة علمية ومؤسسية إلاّ من خلال المدرسة الوضعية وفي إطار نشأة “الدولة الأمة”.
  2. إن القواعد المنهجية التي أوجدتها المدرسة الوضعية التاريخانية؛ أي “المنهجية التاريخية”، تشبه فعلاً القواعد التي أوجدها علم الحديث الإسلامي، ثم أصول الفقه، من حيث الاهتمام بنقد الوثيقة من جهة المؤرخين الوضعيين، ومن ناحية الاهتمام بنقد الرواية من جانب المحدثين المسلمين.وبناءً على هذا تفهم حماسة أسد رستم لهذه المقارنة والتشبيه، فهناك فعلاً، وفق كوثراني، تماثل في المفهوم المؤسسي والوظيفة الإيديولوجية ومنطق التفكير المشترك.
  3. إن إشارة ابن خلدون إلى استقلال علم التاريخ عن العلوم الأخرى ونقده للتعديل والتجريح لم يؤسس لمدرسة أو لمؤسسة علمية أو لاحتراف مهني، فظلت الممارسة التاريخية، عند ابن خلدون غيره من الباحثين، جزءًا من علوم واهتمامات واسعة أخرى سياسية واجتماعية وثقافية، أمّا أن يكون للفقه مؤسسته وعلمه ونظامه ومنهجه فهذا شأن نجد تفسيره في إرادة أهل الدولة السلطانية ومنهجهم في التاريخ الإسلامي، أن يكون للسلطة “علمها” و”مؤسستها” المساعدة على انتظام علاقتها بالمجتمع، وانقياد هذا الأخير لها.

المنهج التاريخي العربي المعاصر

وقد ورد الفصل السابع من القسم الأول من كتاب الباحث اللبناني وجيه كوثراني تحت عنوان “اتجاهات في المنهج التاريخي العربي المعاصر”، ويضمّ أربعة مباحث:

  1. التاريخانية المحافظة والتاريخ القومي.
  2. التاريخانية الثورية: التاريخ الماركسي.
  3. المنهج التاريخي الإسلامي: تاريخانية توليفية.
  4. اتجاهات جديدة وحقول متنوعة.

تطرق الكاتب في بداية هذا الفصل إلى محافظة بعض الكتابات التاريخية العربية ذات الطابع الأكاديمي على سمات موروثة من منهج التاريخ الإسلامي الإخباري الذي يقوم على سرد الأحداث وعرض سياسات الدولة ومؤسساتها وأعلامها فضلاً عن حروبها، إلا أن هذا التاريخ حمل أيضًا علامات التأثر بمناهج “التاريخانية الغربية”.

ويخلص كوثراني في خاتمة هذا الفصل إلى أن الدراسات التاريخية العربية المعاصرة لا تزال تتسم، في قسمها الأكبر، بالبعد عن هموم الفلسفة وعلوم الاجتماع وأسئلة هذه الأخيرة، يحوّل قضايا الدولة والمجتمع والسلوك وطبائع العلاقات والنفسيات والذهنيات. كما لا تزال تعطي لمنهجها في التعامل مع الوثائق والمصادر دورًا كليًا وأحاديًا في التوصل إلى تقرير الوقائع والحقائق، في حين تشهد العلوم الاجتماعية والألسنية والإبستمولوجيا إنجازات من شأنها أن تفتح آفاقًا جديدة في علم التاريخ.