يعتبر الاعتدال في الإنفاق من معالم الإعجاز الاقتصادي في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة. كما يعتبر نظام الأولويات في الإنفاق من أساسيات المنهج الإسلامي في التنمية الاقتصادية.وإحداث التنمية يكون من القاعدة، أي من الإنسان، وفي ذات الوقت تعمل من أجله كافة جوانب الحياة.

ولرفع كفاءة الأشخاص والدولة في مجال إنفاق الدخل؛ يتم خضوع الإنفاق إلى مجموعة من الضوابط؛ مثل: تحقيق إشباع حاجة حقيقية وليست وهمية، وتحقيق مصلحة، ويكون الإنفاق طبقاً للأولويات، ومنع الإنفاق في المجالات الثانوية على حساب المجالات الضرورية ذات الأولوية. كما أن الانفاق مقترن بالطيبات، وفي سبيل الله.

أولاً: ترتيب أولويات الإنفاق في القرآن والسنة:

إن فاعلية التنمية وتحقيقها لأهدافها، تتوقف على القدرة على إيجاد الدافع الملائم الذي يؤدي إلى توجيه سلوك الأفراد نحو تحقيق أكبر قدر ممكن من التنمية الشاملة. والمنهج الإسلامي في مجال الإنفاق يكون وفقاً للأولويات؛ حيث يتم استخدام المال في إطار نظام أولويات شديد الوضوح، ودقيق التحديد.

يقول الله عز وجل:

{ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } (البقرة: 3).

{ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } (البقرة: 274).

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } (البقرة: 172).

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } (البقرة: 267).المراد بالإنفاق هنا الصدقة.

يستنبط من الآيات السابقة ما يلي:

– تأتي مرتبة الإنفاق مباشرة بعد الإيمان (العقيدة)، وإقام الصلاة.

–  الحض على الإنفاق في المنهج الإسلامي في كل الأوقات وعلى كل الأحوال.

– أمر الإسلام أن يكون الإنفاق في مجال الطيبات؛ التي تعود على الإنسان بالمنفعة.

– كما أن كسب المال لابد أن يكون من طريق مشروع؛ وهو أساس الإنفاق في الطيبات.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“يا أيُّها النَّاسُ إنَّ اللَّهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلَّا طيِّبًا وإنَّ اللَّهَ أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ بِه المرسلينَ فقالَ ﴿يَا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ وقالَ {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} قالَ وذَكرَ الرَّجلَ يُطيلُ السَّفرَ أشعثَ أغبرَ يمُدُّ يَدَهُ إلى السَّماءِ يا ربِّ يا ربِّ ومطعمُهُ حرامٌ ومشرَبُه حرامٌ وملبسُه حرامٌ وغُذِّيَ بالحرامِ فأنَّى يستجابُ لذلِك”[1].

– “إنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بهَا وجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا”[2].

“مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا”[3].

ويستنبط من هذه الأحاديث الشريفة ما يلي:

– الضروريات هي التي أجملتها مقاصد الشريعة الغراء؛ من حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال.

– الحاجات الضرورية تشمل الحاجات المادية والمعنوية معاً؛ فهي لا تشمل الحاجات المادية فقط؛ مثل: الطعام والشراب والمأوى ووسائل الانتقال والتعليم والصحة والزواج، وإنما أيضاً تشمل الجانب الروحي والمعنوي؛ والتي يدل عليها الإخلاص في الدعاء إلى الله.

– كما أن الجانب المعنوي يشمل الكرامة الإنسانية والإحساس بإشاعة الحرية والعدل بين الناس.

– الإنفاق الصدقي يكون من طيبات الأموال التي تم اكتسابها، أي يجب على المؤمنين أن لا يعدلوا عن المال الحلال، ويقصدوا إلى الحرام؛ فيجعلوا الإنفاق منه. أي أن الزكاة وكل أنواع الصدقات؛ لابد أن تكون من الطيبات.

– بإشباع الحاجات المادية والمعنوية؛ يمكن للناس أن يتحملوا تبعية الاستخلاف وإعمار الأرض، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل واقعي وعملي.

ثانياً: تحريم الإسراف في القرآن والسنة:

إن زيادة الإنفاق الاستهلاكي عن الحد؛ يُعد من أهم أسباب انخفاض النمو الاقتصادي؛ حيث أن الإسراف يؤدي إلى انخفاض الادخار. وعلى مستوى الاقتصاد ككل فإن الدول المتخلفة اقتصاديا؛ وهي كما جاءت في القرآن؛ الدول التي تكفر بنعم الله؛ وهي التي تهدر مواردها التي حباها الله تعالى، ولا تستغلها استغلالاً رشيداً، ويؤدي ذلك إلى نتيجة: أن تلك الدول تمتلك جهازاً إنتاجياً غير مرن؛ في ظل إنتاجية منخفضة.

  يقول الله عز وجل:

{ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }  (آل عمران: 147).

{ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا }  (الإسراء: 29).

{ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا } (الفرقان: 67).

– { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } (آل عمران: 147).

  ويستنبط من هذه الآيات الكريمة ما يلي:

– الإسراف هو تجاوز الحد في المال. وقد حرم الإسلام الإسراف.

– إن تحقيق المصلحة المجتمعية يجب أن يكون دون إهدار للموارد.

– يؤدي الإسراف إلى مشكلات كثيرة على مستوى الفرد والدولة.

– إن الإنفاق العام للدولة سواء أكان نقدياً أو عينياً من أجل اشباع حاجات عامة؛ يجب أن يكون حقيقيا بعيداً عن الترفيات.

ويقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

“كُلُوا، وتَصدَّقوا، والبَسُوا، ما لم يُخالِطْه إسرافٍ ولا مَخِيلَةٌ“[4].

– وفي الحديث: “أن رسول الله نَهى عن ثمنِ الكلب، ومَهرِ البَغي، وحُلوانِ الكاهن”[5].

– “لا تزولُ قَدَما عبد يوم القيامةِ حتى يُسأل عن عمرِه فيما أفناه، وعن عِلمِه ماذا فعل، وعن مالهِ من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جِسمِه فيم أبلاه”[6].

  ويستنبط من هذه الأحاديث الشريفة ما يلي:

– الإنفاق يكون في الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وتبدأ بالطعام وهو من الضروريات، وكذلك الملبس.

– إعطاء أولوية للإنفاق الصدقي؛ والذي يعد أيضاً من الضروريات؛ حتى لا ينسى المسلم في إنفاقه الفقير والمحتاج، ومن أخلاق المسلم في إنفاقه كذلك؛ أن يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة.

– كما أن الشح والتقتير أيضاً له نتائج سلبية؛ فالإسلام دين يعمل على إيجاد التوازن في الانفاق بين الإسراف من ناحية، والشح والتقتير من ناحية أخرى.

– يؤدي زيادة الاستهلاك الترفي – وهو محرم في الإسلام – إلى نتائج سلبية؛ فعندما يزيد الإنفاق لحد الإسراف ينخفض الادخار والاستثمار، وتزيد البطالة، ويقل الدخل الحقيقي، وينخفض النمو، وينخفض مستوى المعيشة.

– كما يؤدي زيادة الانفاق عن الحد إلى زيادة الواردات، وزيادة انخفاض قيمة العملة – بفرض ثبات العوامل الأخرى على حالها –، وبالتالي ينخفض الادخار والاستثمار، ويؤدي ذلك إلى مزيد من انخفاض الإنتاجية، وضعف مرونة الجهاز الإنتاجي.

ثالثاً: الإعجاز الاقتصادي في تحريم التبذير في القرآن والسنة:

 يعتبر التبذير أشد خطورة من الإسراف؛ لأن الإسراف هو: صرف الشيء فيما ينبغي زائداً على ما ينبغي، أما التبذير فإنه: صرف الشيء فيما لا ينبغي.

يقول الله عز وجل:

– { وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا } (الإسراء: 27،26).

– { كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ﴾ (طه:81).

– { فخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ⁕ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ⁕ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ } (القصص: 79 – 81).

ويستنبط من هذه الآيات الكريمة ما يلي:

– تحريم الإنفاق الترفي الذي يخرج عن دائرة المصلحة، وقد ينحرف إلى دائرة التبذير.

– الإنفاق يكون مقيداً بنوعية المنتجات.

– من واجب الدولة التدخل للحد من الإنفاق الاستفزازي؛ الذي يزرع الحقد في الصدور.

وعليه؛ فإن التبذير أشد خطورة من الإسراف؛ لأنه يرتبط بنوعية المنتجات؛ ويعتبر الإنفاق الصدقي من العوامل التي تجعل الإنفاق يخرج عن دائرة التبذير، كما يعتبر الكبر والتفاخر في الإنفاق من الأمور التي تنحرف بالإنسان إلى دائرة التبذير، وهي محرمة في الإسلام؛ فكما أنه لها نتائج اقتصادية خطيرة؛ فإنها كذلك تزرع الحقد في الصدور وتؤدي إلى نتائج اجتماعية سلبية.

ولا شك أن الإنفاق وفقاً لمبدأ ترتيب الأولويات، وكذلك منع الإسراف يقي المرء من الوقوع في التبذير؛ حيث يوجد ارتباط وثيق بينهم.

رابعاً: نظرة الاقتصاد الوضعي للإنفاق الاستهلاكي:

يعتبر الإنفاق الاستهلاكي من أهم العوامل المؤثرة في الاقتصاد العالمي. كما أن دليل أسعار المستهلك CPI[7] يعتبر المؤشر الرئيس لقياس التضخم؛ لأنه يرصد تكلفة مجموعة من السلع مثل: الغذاء، والملبس، والوقود، وكذلك يشمل الخدمات مثل: النقل والتعليم والصحة.

 كما يعتبر مؤشر الاستهلاك أحد مؤشرات الحالة الاقتصادية؛ ويُتخَذ كمقياس عن حالة النمو الاقتصادي والانتعاش الاقتصادي؛ ويقاس بصفة مستمرة.

وتعتبر النظرية الاقتصادية في الاستهلاك – أي في تفسير سلوك المستهلك – جزء هام من أجزاء النظرية الاقتصادية.

وبالرغم من الاسهامات الكبيرة لهذه النظرية، فقد تم تقديم صورة غير واقعية لإنفاق المستهلك؛ حيث تم النظر إليه على أنه دائماً يقوم بطريقة عقلانية بحساب العائد والنفقات والمقارنة بينهما، بينما الواقع يشير إلى غير ذلك.

وتوجد صور تحيز مختلفة تنطوي عليها النظرية الاقتصادية في الاستهلاك؛ وذلك فيما يلي[8]:

1- تحديد مفهوم الاستهلاك.

2- تحديد هدف المستهلك.

3- العوامل المحددة لسلوك المستهلك.

4- موضوع إمكانية نجاح المستهلك في تحقيق هدفه.

وبالتركيز على هدف المستهلك؛ نجد أنه يتم إجماله في هدف واحد، وهو تحقيق أكبر قدر من المنفعة (utility)، أو تحقيق أقصى قدر من الإشباع (satisfaction).

ومن ثم؛ فهي تهمل عوامل كثيرة. فمثلاً لا تفرق بين السلع؛ من حيث إن كانت نافعة أو ضارة؛ لأنها كما تنطبق على الغذاء والملبس والمأوى أو المسكن، تنطبق أيضاً على شراء منتجات ضارة؛ طالما أن هذه السلع أو الخدمات تجلب لمشتريها “منفعة ما”.

 أي أنه من وجهة نظر المستهلك يحصل على “أقصى إشباع”. والقول إن هدف المستهلك تحقيق أقصى إشباع يعني أنه ليس هناك حد أقصى للمنفعة المستمدة من السلع والخدمات، طالما أن لديه القدرة الشرائية اللازمة. والواقع يؤكد أنه من الممكن أن ينخفض مستوى الرفاهية إذا زاد استهلاك الفرد أو المجتمع ككل من السلع والخدمات على حد معين، بل وبسبب هذه الزيادة نفسها.

وبالنظر إلى العوامل المحددة لسلوك المستهلك؛ وهي: مستوى الدخل، وسعر السلعة أو الخدمة، ومستوى أسعار السلع المكملة أو البديلة، نجد أنها لا تتضمن عوامل أخرى مثل سن المستهلك، ونوعه – رجل أو امرأة –، متزوج أو غير متزوج، له أولاد أو بنات أو ليس له، أو تتعلق بوظيفته وطبيعة عمله، والدين الذي يدين به، والطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها.. إن قائمة العوامل التي تؤثر على الاستهلاك طويلة جداً. ويتجاهل الاقتصادي كل هذه العوامل ولا يهمه من الاستهلاك إلا واقعة الشراء، ويجرد الإنفاق من طابعه الاجتماعي، ويجرده أيضاً من صلته بمعتقدات المستهلك ونوازعه، وكأن السلعة أو الخدمة ليس لها أي وظيفة اجتماعية أو نفسية. إنها فقط ذات سعر، وتكلفتها الوحيدة هي هذا السعر، وفائدتها الوحيدة هي “إشباع رغبة المستهلك”.

وعليه؛ فقد تم اختزال العوامل التي تحدد سلوك المستهلك في: مستوى الدخل، وسعر المُنتَج، وأسعار المنتجات البديلة والمكملة، وأيضاً ذوق المستهلك .(taste) ويقصد “بذوق المستهلك” كل العوامل التي لا تتضمنها العوامل الثلاثة الأولى – الدخل والسعر وأسعار المنتجات الأخرى -، أما العوامل الدينية أو الثقافية أو التاريخية أو النوع أو الجنسية.. وغيرها تدخل ضمن “ذوق المستهلك”. أي أن سلوك المستهلك إزاء أي مُنتَج محكوم بمدى رغبته في هذا المُنتَج، وبحدود دخله، أي الرغبة والقدرة. وهو في الواقع كلام لا يعني أي شيء، فهو كلام نظري، لا تقتصر صحته على سلوك المستهلك، بل على السلوك البشري. [9]

ولقد حدثت بعض التطورات لتصحيح النظرية على المستويين النظري والتطبيقي. فقد أدخل “جون مينارد كينز” على نظريته العامة في التوظيف عناصر مثل الميل للاستهلاك والميل للاستثمار والميل للادخار. وجميعها تخضع لعوامل نفسية.

ويتوقف الاستهلاك على حجم الدخل الصافي والميل للاستهلاك. ويلاحظ أن الميل للاستهلاك وهو منحنى الميل للاستهلاك يمثل الظروف التي تحيط بالاستهلاك، وهي نفسها الظروف التي تحيط بالطلب عند الحديث عن منحنى الطلب. ويسمى منحنى الميل للاستهلاك للاختصار ” الميل للاستهلاك”. كما يمكن أن يسمى بدالة الاستهلاك؛ لأنه العلاقة المفعولية بين متغيرين، وهما الاستهلاك والدخل.

وأهم العوامل التي يتوقف عليها الميل للاستهلاك هي: عادات المجتمع المتعلقة بالإنفاق والادخار، وهيكل النظام الضريبي، وتقلبات أسعار الفائدة، ومقدار ما يحتفظ به الأفراد من أصول سائلة، ومستوى ما يتوقع الحصول عليه من دخول مستقبلية، واتجاهات ما يتنبؤون به بالنسبة لحركة الأسعار.

وأهم عامل في الدول الرأسمالية في تحديد الميل للاستهلاك هو هيكل توزيع الدخل القومي. ويؤدي تكدس الثروات – الانحراف في توزيع الثروة – إلى انخفاض الميل الجماعي للاستهلاك، والعكس صحيح؛ يرتفع الميل للاستهلاك كلما قل الانحراف في توزيع الثروة بين الأفراد. والميل للاستهلاك ثابت في الفترة القصيرة؛ نظراً لثبات العوامل المشار إليها، ولذلك فإن الاستهلاك يتوقف في الفترة القصيرة على الدخل.

ومن ثم؛ فإن حرية المستهلك في النظام الرأسمالي تعني أنه لا مانع من تصرف الفرد في دخله كما يشاء، واختيار نوع السلع الاستهلاكية التي ينفق عليها الدخل؛ فالإنفاق يمكن أن يكون على الترفيات، أما في الإسلام فهي حرية مقيدة.

وعندما يكون هدف السياسات الاقتصادية إحداث انتعاش وتوفير فرص عمل؛ وهي من أهم أولويات السياسات الاقتصادية الحكومية في الاقتصاد الرأسمالي. فإن ثقة المستهلك وإنفاقه يكون من الأمور الهامة لإحداث الانتعاش وزيادة التشغيل؛ لذلك تهتم دول العالم الغربي بمقياس ثقة المستهلك؛ كدليل على نجاح السياسات والإجراءات الاقتصادية المتبعة. أي أن لسلوكيات المستهلك وقرارات المستهلك مكانة هامة في تكييف النشاط الاقتصادي في النظام الاقتصادي الوضعي الرأسمالي، وفي عملية التنمية.


[1] حديث أبي هريرة: ورد في جامع الترمذي برقم 2989 (حديث حسن).

[2] رواه البخاري في صحيحه برقم 56.

[3] من حديث مروان بن معاوية عن سلمة بن عبيد الله بن محصن الخطمي عن أبيه وكانت له صحبة: ورد في جامع الترمذي برقم 2346.

[4] ابن ماجه برقم 3605

[5] حديث أبي مسعود الأنصاري: رواه البخاري في صحيحه بأرقام: 2237، و 2282، و 5346، و 5761.

[6] حديث أبي بَرَزة الأسلمي: ورد في جامع الترمذي برقم 2417.

[7] Consumer Price Index (CPI)

[8] أنظر: جلال أمين: فلسفة علم الاقتصاد: بحث في تحيزات الاقتصاديين وفي الأسس غير العلمية لعلم الاقتصاد (القاهرة: دار الشروق، ط 5، 2019م)، ص 107 – 109.

[9] المرجع السابق نفسه، ص 114 – 121.