قال الفضيل بن عياض: جاء قوم من المسلمين إلى النبي – – فقالوا: إنا قد أصبنا من الذنوب فاستغفر لنا، فأعرض عنهم؛ فنزلت { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم } (الأنعام: 54).

هذه واحدة من الآيات المبشرة للمؤمنين، وإن كانت نزلت في حادثة معينة، إلا أن ما جاء فيها يشملهم وكل مؤمن يأتي بعدهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فالعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، كما في علم أصول الفقه. الله عز وجل – كما يقول القرطبي: ” كتب على نفسه الرحمة أي: أوجب ذلك بخبره الصدق، ووعده الحق، فخوطب العباد على ما يعرفونه من أنه من كتب شيئاً فقد أوجبه على نفسه.

إذن هي بشارة وتكريم للمؤمنين ووعد صدق منه سبحانه، أن من يخطئ ويذنب، ثم يستغفر الله، يجد الله غفوراً رحيماً. فالإنسان منا في هذه الدنيا أو هذه الجهالة، غير معصوم من الخطأ، ومن يعمل السوء بجهالة، ثم يعود سريعاً إلى رشده، آيباً تائباً حامداً، فهو بإذن الله ضمن الوعد الإلهي أو الرحمة الإلهية، كما جاء عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله : ” لما قضى الله الخلق، كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي.

إن الله يغفر الذنوب جميعا

بشارة إلهية أخرى من تلك التي تشحن النفوس شحناً، وتمنحه أملاً بجولة أخرى في الحياة الدنيا، ليعيد ما قام بهدمه ويبني مستقبله المنتظر في الآخرة. تلكم البشارة في قوله تعالى { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله.. } (الزمر : 53)

آية تبعث في النفس طمأنينة وراحة لا يدرك معانيهما سوى من يبحث عنهما. آية واضحة بذاتها تبين لك مدى سعة الرحمة الإلهية بعباده. رحمة وطمأنينة تأتيان على شكل دعوة غاية في اللطف من الخالق عز وجل لعباده. دعوة تشير إلى أهمية وضرورة عدم فتح المجال لشعور اليأس أن يسيطر على النفس، والطارد لأي أمل أو رجاء من حدوث أمر إيجابي مستقبلي، مع أهمية الإدراك واليقين التام بأن رحمة الله أوسع وأكبر مما نتصور.

روي عن رسول الله قال:” ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية . لماذا أحب النبي الكريم هذه الآية أكثر من الدنيا وما فيها؟ لأنها ودون كثير شروحات وتفصيلات، بشارة إلهية لعباده أنه واسع المغفرة والرحمة، لا يأبه لأي ذنب، صغير كان أم كبير إلا الشرك، فإنه ظلم عظيم يقترفه الإنسان.

لكن طالما الإنسان المذنب أو المسرف على نفسه، قرر الإنابة والتوبة النصوح، وعدم العودة إلى ما كان يسرف فيه، فليعلم أن الله أرحم مما يتصور، وضرورة أن يكون عنده أمل ورجاء بأن القادم من أيامه أفضل، بشرط أن يبذل جهداً مستحقاً مناسباً لرؤية ذلك. وقد جاء عن علي بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله عنهما أن هذه أرجى آية في القرآن.

لو لم تذنبوا

حتى نوجز الموضوع بشكل واضح، نقول بأن الله خلقنا لنعبده ولا نشرك به شيئا. ولأن فطرتنا البشرية تختلف عن الفطرة الملائكية، تجدنا نفعل الخير والشر. نخطئ ونعود للصواب. وهكذا هو الحاصل مع البشر، عكس الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. فتلك هي فطرتهم.

ولأننا بشر، فالخطأ وارد، وبالتالي الرجوع عنه وتصحيحه هو المتوقع والمطلوب. وهكذا في حركة مستمرة حتى نهاية العمر. وقد جاء في الحديث الصحيح:» لو لم تُذنِبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يُذنبون ثم يستغفرونَ فيغفرُ لهم «.

الحديث أوضح من أن يشرحه أحد. وبالتالي نفهم أن التعثر والسقوط في دروب الحياة لسبب وآخر، لا يعني فقدان أمل النهوض والسير مجدداً، مع أهمية التعلم من الأخطاء والاستفادة من العثرات والكبوات.

الحياة الدنيا ما هي إلا مدرسة تتنوع فيها الاختبارات والامتحانات، لكن ميزة اختبارات مدرسة الحياة أن الإجابات واضحة ومرئية مكشوفة، وطرق تجاوز أي اختبار دنيوي بهذه المدرسة واضحة كذلك، وكل ما على المرء الممتَحن فيها، هو اتباع تلك الطرق الواضحة المكشوفة، كي يجتاز اختباراته بنجاح، وتأمين مستقبله القادم في جنة عرضها السماوات والأرض بإذن الله.

فهل من مُدّكر؟