شكلت نصوص الحديث النبوي ومدى الدقة في رواياتها ومصداقية النقل وأخلاقيات الراوي وسيرته موضوع الأغلب الاعم من الدراسات الخاصة بهذا الموضوع، ولكن دور السلطة السياسية في “تاليف او ترويج او تكذيب او اثبات النصوص” كان موجودا وحظي ببعض الاعتناء ، لكن ما يضيفه الكاتب أحمد صنوبر في كتابه “السلطة السياسية وحركة رواية الحديث ونقده- دراسة تاريخية في أحاديث فضائل الصحابة” هو اعتماد المنهج الاحصائي كأداة بحثية اضافية للتحقق من مدى دقة الروايات للأحاديث. الكتاب من منشورات دار الفتح، الأردن، 2023 ويقع في 240 صفحة و6 مباحث.

لما كان موضوع الحديث النبوي موضوعا فيه ابعاد عديدة (مناسبة الحديث ، شخصية الراوي للحديث، الظروف في لحظة الحديث أو روايته  أو مناسبته ،دقة المفردات المنقولة أو تغييرها..الخ) فقد ركز الباحث في هذه الدراسة على مسألتين هما: اختيار موضوع ذكر فضائل او عيوب “الأمويين ونخبتهم القيادية “وفضائل أو عيوب “العباسيين ونخبتهم القيادية كذلك “وحاول الباحث ربط هذا الجانب (بما فيه من سنة وشيعة وما بينهما من تنافس وتناحر) بدور السلطة السياسية في كل هذا، بمعنى هل كان للامويين والعباسيين دور في “اختراع او ترويج أو تحوير أحاديث نبوية تمجد من يحكم (أمويا أو عباسيا) أو تذمه وتطعن في أهليته (أمويا أو عباسيا؟)، أي توظيف الأحاديث النبوية لتكريس شرعية السلطة السياسية الحاكمة أو نقدها.

أما المسألة الثانية فهي مدى انتشار الحديث “المسيس” وربط ذلك بالبيئة السياسية الاجتماعية السائدة في لحظة الترويج والنقل وتواتره في لحظة معينة، واستخدم الباحث الاحصاء الوصفي وربطه بالبيئة والاستدلال من ذلك على نتائج معينة مثل:

أ‌- أن أحاديث فضائل علي بين أبي طالب كانت هي الأكثر انتشارا في العصرين الأموي والعباسي

ب‌- أن الأحاديث حول فضائل معاوية لم تنتشر في العصر الأموي (عصره) بل زادت في فترة العباسيين( بافتراض أنها من انتاج  المعارضة)

ت‌- الأحاديث حول فضائل العباس لم تكن زمن الامويين بينما في زمن العباسيين ازدادت انتشارا.

ولتدعيم الباحث (من صفحة 145 الى 173)  نتائجه أشار إلى :

1- في فترة الأمويين كان مجموع  رواة الاحاديث النبوية عن فضائل علي بن أبي طالب 96 ، بينما في زمن العباسيين كان المجموع يتراوح بين 218 -220( وهنا يثور سؤال يستحق الوقوف عنده ، وهو لماذا هذا الفارق  ال 122 او 124 من الرواة زمن العباسيين)؟ فإذا كان العدد المجرد للسكان والباحثين والرواة فلماذا لم ينعكس ذلك في الفارق عند النموذجين الاخرين؟ هل لذلك علاقة بالوزن النوعي للشخصية موضوع البحث؟

2- نفس الملاحظة نجدها في الأمويين كان عدد الرواة عن فضائل العباس بن عبد المطلب 6  لكنهم أصبحوا  24 زمن العباسيين .

3- يبدو أن دور المعارضة الاموية في الزمن العباسي كان نشطا في هذا الصراع “حول الفضائل المدفوعة بدوافع سياسية”، ففي فترة الامويين تم ذكر 10 عن فضائل معاوية لكنها ازدادوا الى 15 في فترة العباسيين.

ولكي يعزز الباحث استدلالته قام  باخذ ثلاثة احاديث نبوية  لكل واحد من الثلاثة (معاوية، علي، العباس) وتتبع مدى انتشار كل حديث واين انتشر الحديث بهدف ربط مجتمع المكان (بانتشار الحديث في الاماكن المؤيدة لعلي او المؤيدة للعباس أو لمعاوية ) أي بمعنى آخر ” الجغرافيا السياسية للحديث النبوي”(من صفحة 50 الى 143)، واستنادا لذلك يستنتج الباحث أن مجموع رواة احاديث فضائل علي كان 360 راويا مقابل 30 لفضائل العباس و 25 لفضائل معاوية.

وفي ظل هذه النتائج، فان الباحث يرى أن افتراض العلاقة بين تكرار وانتشار احاديث وفضائل طرف معين قياسا لغيره هو نتيجة “لدور سياسي تصنعه السلطة أمر غير صحيح”

وأعتقد أن عينة الباحث (3 أشخاص) و(3 أحاديث)  فضائل لكل منهم، هي عينة يصعب الاستناد لها كنتائج نهائية ولكنها تفتح بابا لتوسيع الباحثين لهذا الموضوع وتوسيع دائرة البحث لكل الاحاديث ذات المدلول السياسي المباشر ، لكنها ايضا تفتح الباب ايضا إذا تدعمت بما اشرنا له لاعادة النظر في مدى مصداقية نتائج بحوث الكتاب المعاصرين ممن تناولوا التراث الاسلامي والعقل العربي مثل محمد عابد الجابر ومحمد أركون.. وغيرهم ممن مالوا إلى الربط بين الحديث النبوي وبين البعد السياسي.

من جانب آخر فاني أميل إلى مساندة الباحث في نقده للباحثين المعاصرين من زاوية استحضار نموذج الدولة المركزية المعاصرة واسقاطها على نموذج الدول التاريخية في الحضارة الاسلامية (الصفحات 213 الى 217)، فدرجة التحكم والسيطرة والتاثير والتداخل والبنية فيها فوارق كبيرة لم تؤخذ في الحسبان عند الربط بين السلطة السياسية والحديث النبوي ، فاغلب وزارات هذا الزمن كانت تديرها الاوقاف في تلك الأزمان، دون – بالطبع- المبالغة في هذه المسألة، ناهيك عن ان الكثير من الرواة وكتاب الحديث لم يكن لهم تلك العلاقة المريبة مع السلطة السياسية، لا سيما ان الفكر السياسي وبخاصة في جانب اختيار الحاكم هو الاضعف في الفكر السياسي الاسلامي القديم بل أن أبأ حامد  الغزالي اعتبره من “الصغائر” .

اعتقد ان الكتاب يشكل مساهمة جديدة وجادة في تناول هذا الموضوع لحساسيته من ناحية وراهنيته من ناحية اخرى بخاصة في ظل نقد وتحليل هذا الجانب وبخاصة حول كتب الاحاديث ورواتها سواء اكانت كتب البخاري ومسلم او الرواة وعلى راسهم ابو هريرة.