مقدمة : تعدُّ رواية “أسطول الشمس” من أهم الأعمال الإبداعية العربية التي ظهرت مؤخرا وسعت بقوة إلى التعريف بالثقافة العربية الإسلامية، وما تحتوي عليها من عناصر الخير والجمال، فيجد القارئ فكرة السلام والتعايش الإيجابي بين الثقافات والأمم، وإعلاء القيم الإنسانية، متناثرة في ثنايا الكتاب، إضافة إلى المصالح المشتركة التي تظهر بشكل واضح وإيجابي من خلال “مبادرة طريق الحرير” الصينية. كما كان حضور الإسلام حاملا معه رسالة السلام قويا جدا في الرواية، لدرجة يمكن القول بأن الإسلام يمثل عمادا من أهم أعمدة هذه الرواية الشائقة الماتعة. 

 وقد ظهر الكتاب باللغة العربية لأول مرة في عام 2019م، بالتعاون مع دار لوسيل للنشر والتوزيع، ومنذ صدوره تمت ترجمته إلى عدة لغات عالمية، منها اللغة الصينية، ولعل أحدث الترجمات هي ترجمة الكتاب إلى أهم اللغات النيجيرية، وهما: الهوسا واليوروبا، بالتعاون مع أعرق الجامعات النيجيرية، حيث صدرت في شهر أكتوبر 2023م.

أما مؤلف الكتاب فهو الدكتور علي بن غانم الهاجري، دبلوماسي قطري، وصاحب عدد من المؤلفات التاريخية القيّمة، من أهمها: “السلطنة الجبرية”، و”إمبراطور الشرق تشودي”، و”تشنغ خه إمبراطور البحار الصيني”، و”أسطورة إفريقيا وعالمها الشيخ عثمان بن فودي“، و”الحاجب المنصور أسطورة الأندلس”.

وأثنى عدد من الأدباء والمفكرين الكتاب الذي بين أيدينا بصفات مختلفة من حيث مضمونه وصياغته. فهناك من يرى في مضمونه “دعوةً صريحةً لاكتشاف السلام بين الأديان، ودعوة الإسلام للسلام في نفس البشرية”، ويذكر آخر بأن الرواية استعرضت في دفّتيها الإرث التاريخي بين الشعوب الآسيوية والأفريقية والصينية، فهي تجسد العلاقة بين الإنسان والإنسان والعلاقة الاقتصادية والثقافية بين الأمم والشعوب، بينما يرى آخر بأن الرواية نوع من الأدب الذي يوثق رسالة طريق الحرير التاريخية والحاضرة.

 ولعل من أهم الآراء  حول الرواية ما أوضحته رئيسة تحرير دار النشر لجامعة بكين لإعداد المعلمين، بأن الكاتب ركز على تقديم دراسة علمية وميدانية معمقة في الواقع العربية المختلفة، مؤكدة بأن الرواية تتيح للقراء العرب على معرفة «طريق الحرير» ومعرفة التاريخ العميق والعلاقة الودية بين الصين والعرب. (1)

وأشار كاتب الرواية علي بن غانم الهاجري إلى أنها تهدف إلى إثراء التعاون المعرفي بين الصين والعالم العربي، مضيفا بأن الرواية تعتبر عملا وثائقيا يتحدث عن الروابط الإنسانية بين الصين وبلاد العرب والبلدان الآسيوية والأفريقية، وأنها أجمل طريق للسلام والمصالح المشتركة.  (2)

حضور الثقافة العربية الإسلامية في رواية “أسطول الشمس”

أولى كاتب رواية “أسطول الشمس” عنايةً كبيرةً للثقافة العربية والإسلامية في عمله، حيث استحضرها في معظم محطّات الرواية، بحيث لا يمكن للقارئ إلا أن يعترف بأن الرواية تلعب دورا بارزا في التعريف بالثقافة العربية الإسلامية على اختلاف أشكالها. ويمكن لنا أن نذكر بإيجاز نماذج من الملامح الثقافية العربية التي حضرت بقوة في الرواية، وهي كالتالي:

 أثّث الكاتب فضاء هذه الرواية الماتعة بعدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، إضافةً إلى حضور لافت للنصوص الشعرية والنثرية، وذكر شخصيات مشهورة في التاريخ الإسلامي، وكذلك البيئة العربية وخصائصها وغير ذلك من القيم الإسلامية والعربية التي أضفت على الرواية هوية وانتماء خاصين، ومن النماذج ما يلي:

حضور الآيات القرآنية في الرواية

 استحضر الكاتب عددا كبيرا من الآيات القرآنية في الرواية وذلك ليتمكن من إيصاله رسالته ببراعة ووضوح، ومن ذلك ما ورد على لسان عُمير أحد أبطال الرواية: “صدقتَ يا شمس الدين، وهذا هو خلق أهل فويرط الذي أوصاهم به دينهم الحنيف: (وإن جنحوا للسِّلم فاجْنحْ لها وتوكّل على الله إنه هو السميع العليم) سورة الأنفال، الآية 61. إننا أهل البحر نخوض غِماره، ونقتحم ظلماته بصدورنا العارية، لنأتي بخير وفير، يغذي البطون، ويزيّن الجباه، أيادينا لا تمتد إلا بالخير للبشرية بأسرها، وأولي القربى أولى بخيرنا وجودنا ومكارم أخلاقنا. (3)

حضور الأحاديث النبوية الشريفة في الرواية

حظيت الأحاديث النبوية الشريفة بنصيب وافر من المساحة في هذه الرواية، من ذلك ما ورد على لسان الضيغمي، أحد أبطال الرواية، حيث قال: “نعم، ومن لا يعرف هذه البلاد العظيمة؟! لقد سمعتُ عنها الكثير، ويكفي أن النبي- - ذكرها في حديث طلب العلم حين قال: “اطلبوا العلم ولو في الصين”، (4) وقول الخلاوي في بيانه عن كلمة العرب: “ليست العربية من أحدكم بأب أو أمّ، إنما العربية لسان. (5)

حضور النصوص الشعرية في الرواية

ورد في الرواية عددٌ من أبيات عمالقة الشعر العربي كأبي الطيب المتنبي، وغيره مما ورد على لسان أبطال الرواية، خصوصا الخلاوي بصفته حكيما وشاعرا. ومن ذلك ما يلي: “لم يكن الخلاوي في حاجة لمن يقدّمه لشمس الدين، حيث عبّر عن نفسه على عادة أمثاله من الشعراء، حين ملأ المكان فصاحةً بقصيدة نظّمها تعبيرًا عن ابتهاجه، وسائر أهل جزيرة العرب بالضيف الكريم، وبمكانة بلده الصين لديهم، وما لها من تقدير جعل كُلَّ ناشد للحكمة يطلبها، وكلَّ طالب للعلم يؤمُّها، حتى ولو كانت في نهاية سطح الأرض، وبدأها قائلا: نعدُّ الليالي والليالي تعدنا   الأعمار تفنى والليالي بزايد (6)

حضور شخصيات مشهورة في التاريخ الإسلامي

ورد في الرواية ذكر عدد كبير من شخصيات مشهورة في التاريخ العربي الإسلامي مما أضفى على الرواية نكهة خاصة، منهم على سبيل المثال لا الحصر: عمرو بن العاص، داهية العرب في السياسة والحرب، وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وسعد بن أبي وقاص، وابن سينا، والبخاري، وقتيبة بن مسلم الباهلي، وصلاح الدين الأيوبي، ونور الدين زنكي، وقطري بن الفجاءة، وصاحب اليمن، وابن خلدون.

حضور الأحداث التاريخية في الإسلام

من الأمور التي تدل على عمق معرفة الكاتب بالثقافة العربية الإسلامية استحضاره لعدد من الأحداث التاريخية في الإسلام، من ذلك ما وقع زمن القرامطة وما أحدثوا من فظائع في بيت الله الحرام، وكذلك اعتداء أبرهة الحبشي على الكعبة، وما وقع يوم الجمل من الاقتتال بين المسلمين، إضافة إلى ضرب الكعبة بالمجانيق، ودعوة إلى سرقة الحجر الأسود، وانتهاك قبر النبي وغير ذلك مما شهدها التاريخ الإسلامي. (7)

حضور أسماء البلدان العربية والإسلامية التاريخية

استحضر الكاتب في مختلف أرجاء هذه الرواية الشائقة عددًا كبيرًا من أسماء البلدان والمدن العربية والإسلامية التاريخية، والأماكن المقدسة، ومن الأمثلة في ذلك: الإحساء، وجدّة، وظفار، والقطيف، واليمن، وهرمز، ومسقط، ومِنى، وعمان، ومصر، وبيت الحرام، وبغداد، والمغرب، وغرناطة، والعراق، والشام، والأندلس، والقاهرة، وعدن، والصقلية، وبخارى، وسمرقند، ومكة وغيرها.

حضور علم الأنساب والقبائل

ورد في أماكن متفرقة من الرواية معلومات تشير إلى أهمية الانتماء القبلي لدى العرب، بالإضافة إلى ذكر عدد من القبائل العربية وما تتميز بها من غيرها، مثل الدواسر، والضياغم، وأشراف مكة، وقبيلة جار الله وغيرها، مما يدل على أهمية الانتماء القبلي لدى الإنسان العربي. ومما جاء في الرواية بشأن النسب ما ورد على لسان الخلاوي: “النسب والأصل لدينا نحن العرب، مما نُلقّنه أبناءنا منذ نعومة أظفارهم، فيحفظون شجرة جدودهم وأصلهم ونسبهم مع أول قدرة لهم على نظم الحروف، وتكوين الكلمات، إننا أمة لا يعتدل حاضرها إلا متكئا على ماضيها. (8)

حضور البيئة العربية ومميزاتها

تزخر هذه الرواية بوصف شامل للبيئة العربية وما تتميز بها من الصحراء وجنباتها الشاسعة وأجوائها وطبيعتها الخلابة وطبيعة ساكنيها من البشر والحيوان وطول طريقها ووعورته، وكثبانها وجبالها ووديانها ونسيمها، وأريج رمالها، وواحاتها، إضافة لوصف أفضل أنواع النوق العربية، وأسرع الجياد وأشهرها، والحديث عن حليب الناقة وفوائده، وموضع الكلأ وغيرها من الأمور التي تمتّ بصلة إلى أجواء البادية الأصيلة في الجزيرة العربية. ومن ذلك ما ورد في الرواية: “نحن أبناء البادية، نعشق الصحراء، تحملنا كثبانها وجبالها ووديانها بين جنباتها، مستقرُّنا ظهور الجياد والإبل، وأوطاننا حيث موضع الكلأ والماء. لا نحتمل أن تحول الأحجار بيننا وبين نسيم الصحراء وأريج رمالها الذي ينساب داخلنا صروحا من البلاغة والفصاحة والبيان.” (9)

حضور مناطق شرق الجزيرة

استحضر الكاتب في الرواية شرق الجزيرة وما تتمتع بها من خصائص، من ذلك كونها أكثر المناطق نشاطا في صيد اللؤلؤ، والإشارة إلى وفور اللؤلؤ فيها وما يتميز به من ألوان خاصة وأحجام أكبر من سواه في بقية دول الساحل الشرقي لجزيرة العرب. فقد ورد على لسان الخلاوي قوله: “فهي أرض كنوز اللؤلؤ، لديها أفضل أنواعه وأحجامه، لذا أقبل عليه القياصرة والملوك عبر الحقب والأزمان، يزينون به تيجانهم، ويطوّقون به نحورهم، ويتخذونه هديةً تحمل كل معاني التقدير والاعتزاز بمن يقدمونه إليه، فلبسه الأشوريون، والبابليون، والفرس، والروم، والترك، والمغول، وأهل الهند، والفرنجة، وأهل الأندلس، والبربر. وظل لؤلؤ فويرط يزيّن رؤوس الجميلات شرقا وغربا رمزا للسلطة والجاه بين ذوي السلطان”. (10)

حضور القيم العربية الأصيلة

 تزخر الرواية بحضور قوي للقيم العربية الأصيلة، من الكرم، والجود، والشهامة، والاحترام، والحفاوة بالضيوف. ومن ذلك الآتي: “وطئت قدما شمس الدين المدينة العربية الأولى التي استهل بها رحلته للمنطقة، التي لطالما راودته نفسه بزيارتها. نمّ الاستقبال الحافل والترحاب الشديد الذي لقيه شمس الدين من قبل ملك ظفار عن المكانة العظيمة والسمعة الطيبة اللتين سبقتا الرجل إلى هذه الديار. أقام الملك حفل عشاء ترحيبا بالضيف الكريم، فازدان القصر بأبهى حُلّة، وأُضيئت الشموع بين جنباته، وعجّ بوجهاء المدينة وأعيانها وكبار زوّارها الذين قدموا للترحيب بالضيف الكبير.” (11)

خاتمة

تحدث هذا المقال حول مدى حضور الثقافة العربية والإسلامية في رواية “أسطول الشمس” للدكتور علي بن غانم الهاجري، وذلك من خلال استعراضنا لعدد من النماذج الواردة في الرواية. وقد توصل المقال إلى النتائج الآتية:

  • أن رواية “أسطول الشمس” زاخرة بالثقافة أو بالأحرى بالهوية العربية والإسلامية على اختلاف أشكالها وألوانها. ويشمل ذلك حضور النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والأبيات الشعرية.
  • هناك حضور لشخصيات مشهورة في التاريخ الإسلامي، إضافة إلى الأحداث التاريخية في الإسلام، وذكر أسماء البلدان العربية والإسلامية التاريخية.
  • حضور البيئة العربية ومميزاتها، وكذلك مناطق شرق جزيرة العربية، بالإضافة إلى بعض القيم العربية الأصيلة والاهتمام بالنسب والقبيلة.