انطلقت رحلة التعليم ليحمل أولادنا أنفسهم ومستلزماتهم إلى محاضن التعليم، فماذا عسى أن يكونوا حملوا معهم من احترام لمعلميهم وتقدير لمرشديهم وثناء لمديريهم وصحبة لزملائهم؟ ماهو حق المعلم على المتعلم ؟

العلم.. أجلُ الفضائل، وأشرف المزايا، وأعز ما يتحلى به الإنسان، فهو أساس الحضارة، ومصدر أمجاد الأمم، وعنوان سموها وتفوقها في الحياة، ورائدها إلى السعادة الأبدية، وشرف الدارين.

والعلماء.. هم ورثة الأنبياء، وخزَّان العلم، ودعاة الحق، وأنصار الدين، يهدون الناس إلى معرفة الله وطاعته، يوجهونهم وجهة الخير والصلاح. قال تعالى: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، وقال عز وجل:( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (سورة المجادلة: 11) .

العلم والتربية أساس كل حضارة وعمران: فالعلم هو النور الذي ينير الدرب أمام البشرية لتسير في طريق التقدم والإزدهار، وهو النور الذي ينير عقل البشر ليخرجوا من ظلمات الجهل، فلولا العلم لبقيت حياة الإنسان بدائية قريبة من عيش الحيوانات العجماوات، وإنه لا يمكن لأمة أن ترتقي إذا لم يكن عندها تعليم راق، وإذا لم تستثمر في ذلك استثمارا حقيقيا .

ولما كان العلم منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقد أشار القرآن الكريم إلى مكانة المعلمين من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإلى دورهم في نقل هذه الرسالة وتعليمها إلى الناس أجمعين من خلال منهجين: منهجٌ قائمٌ على التعليم، ومنهجٌ آخرٌ قائمٌ على التزكية (التربية). يقول ربنا سبحانه وتعالى: { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } (سورة البقرة : 129)

وإذا أرادت امة أن تترقى في مدارج العز والتمكين فأول ما ينبغي عليها أن تعلي من شأن العلم والعلماء ومعلمي الناس الخير؛ فلا ينبغي أن يقدم على العلماء والمعلمين أحد، كما ينبغي بذل ما يجب لهم من الاحترام والتوقير والتأدب، قال شوقي رحمه الله :

قــم للمــعــلــم وفـــه التبجـيـــلا كاد المعلم ان يكون رسولا
أعلمت اشرف أو أجل من الذي. يبني وينشئ أنفسا وعقولا

لكن، حال كثير من مجتمعاتنا اليوم في تعامل أبنائها مع المعلمين حال يندى له الجبين وهي حال لا تبشر بخير؛ فقد رأينا من يتطاول على معلمه بالسب والتجريح، ومن يعتدي على معلمه بالضرب والتهديد وإتلاف ممتلكاته. فأي خير يرتجى لأمة هذا شأن بنيها مع معلميهم؟!.

إن الــمعــلم والطبيب كلاهما  لا ينصحان إذا هما لم يكرما
فاصبر لدائك إن أهنت طبيبه  واصبر لجهلك إن جفوت معلما

إن العلاقة بين المعلم والمتعلم يجب أن تقوم على على الحب والوفاء، وعلى التكريم والتوقير؛ فالمعلم والد يؤدب بالحسنى، ويهذب بالحكمة وقد يقسو حينما تجب القسوة، ولكنها قسوة من يريد الخير لابنه وتلميذه، والمتعلم ابن مطيع بار يرى في إجلاله لأستاذه من مظاهر ألأدب وحسن الخلق.

ومن حق المعلم على المتعلم: التأدب معه، وشدة الرغبة فيما عنده من العلوم النافعة، وفي الحديث الشريف عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن رسول الله قال: “ليس من أمتي من لم يجِلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقَّه.

 وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعظمون النبي أشد التعظيم، ويحترمونه أشد الاحترام، ويوقرونه أشد التوقير، وهو المعلم الأول ، وأصحابه رضوان الله عليهم هم التلامذة الأُول في هذه الأمة، ومن صور هذا الأدب عند أصحاب محمد :

احترامه وتعظيمه: قال ابن مفلح المقدسي: “وقد تواتر تعظيم الصحابة رضي الله عنهم  للنبي إلى غاية حتى بهر الأعداء؛ كما في حديث صلح الحديبية وغيره، وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } (سورة الحجرات : 2 )

 وقول عمر: “جلسنا حول رسول الله في جنازة كأنما على رؤوسنا الطير”، وعن المغيرة بن شعبة قال: “كان أصحاب النبي يقرعون بابه بالأظافير”؛

وإن أول ما ينبغي تعويد التلاميذ والأبناء عليه، احترام معلمهم، وتوقيره، والقيام بحقه لا سيما إذا كان هذا المعلم صالحاً فاضلاً، هذا السلوك مبدأ إسلامي ثابت أكده نص الشرع وثبته، جاء في الحديث: “تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والوقار وتواضعوا لمن تتعلموا منه.

إن التواضع للمعلم باب من أبواب الفلاح، وسبب من أسباب التحصيل، هكذا يربينا الإسلام، وهكذا يرشدنا، وهو حق من حقوق المعلم على المتعلم، وعلى المجتمع كله أداء هذا الواجب إزاء العالم.

ومما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تبيان حق العالم على المتعلم، في وصية جامعة مانعة: “ومن حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامة وتخصه بالتحية، وأن تجلس أمامه، ولا تشيرن عنده بيديك، ولا تغمز بعينيك غيره، ولا تقولن قال فلانٌ خلاف قوله، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا تطلبن عثرته، وإن زلَّ قبلت معذرته، عليك أن توقره لله تعالى، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته، ولا تسارر أحداً في مجلسه، ولا تأخذه بثوبه، ولا تلح عليه إذا كسل، ولا تشبع من طول صحبته، فإنما هو كالنخلة ينتظر أن يسقط عليك منها شيء”.