قال د. إبراهيم حامد، أستاذ الدراسات الإسلامية بالمعهد العالي لعلوم القرآن الكريم بالقاهرة، إن البحث العلمي يعتمد على خطوات منهجية بحثية، وعلى مناهج لها أصولها وسماتها، وقد تعددت مناهج البحث طبقًا لطبيعة كل بحث، والغاية المرجوة منه.. مشيرًا إلى أن لكل منهج من مناهج البحث ما يميزه عن غيره من المناهج، وله مجاله الذي ينتفع به فيه.

وأوضح د. إبراهيم حامد أن البحث العلمي له أخلاق علمية وسمات ينبغي أن يتصف بها الباحث؛ ومن أهمها التسليم بقيمة العلم، والنزاهة والتجرد عن الهوى، وتحري العدالة، إضافة إلى الأمانة العلمية في نقل الأفكار والاقتباس منها كما وضعها أصحابها.. فإلى الحوار:

– من أين يبدأ الباحث إعداد بحثه أو رسالته؟

في البداية، ينبغي الإشارة إلى أن البحث العلمي له قواعد وأصول ترتبط بالمفاهيم والسمات، وبكل ما يتعلق بخطوات إعداد البحوث العلمية. والإخلال بتلك القواعد والأصول يؤدي إلى وجود مشكلة حقيقية في البحث العلمي.

فيبدأ الباحث إعداد بحثه أو رسالته باختيار موضوع البحث، وهو يُعَد الخطوة الأولى في إعداد البحث المنهجي. وينبغي أن يكون اختيار الموضوع نابعًا من الباحث، ويمكن أن يكون بتوجيه من غيره حول مسألة ما، والاختيار الموفق لموضوع البحث يساعد الباحث على المتابعة والصبر لإنجاز الموضوع.

البحث العلمي له هدف مرغوب يؤدي إلى الإضافة في مجال العلم

وعنوان البحث يعني أن الباحث سيعالج قضايا جديدة من خلال بحثه، بما يعني وجود إضافة حقيقية في مجال التخصص.

ما أهم مراحل إعداد الأطروحة العلمية؟

إعداد الأطروحة العلمية يمر بخطوات عشرة في مراحله، وهي:

  1. اختيار موضوع البحث.
  2. وضع خطة للبحث مع كتابة تقرير عنها.
  3. تجميع المصادر والمراجع حول موضوع البحث.
  4. جمع المادة العلمية من المصادر والمراجع في بطاقات.
  5. إعادة ترتيب البطاقات وتبويبها.
  6. كتابة البحث من البطاقات.
  7. كتابة الخاتمة، وفيها أهم النتائج.
  8. كتابة المقدمة.
  9. الفهرس أو الفهارس، وقائمة المصادر والمراجع.
  10. مراجعة البحث.

بالنسبة لإشكالية البحث أو الدراسة، هل هي مجرد صياغة لفظية أم هي أساس البحث وجوهره؟ وكيف يتم صياغتها؟

البحث العلمي لا يخلو من هدف مرغوب، يؤدي إلى الإضافة في مجال العلم، ولا يكون تكرارًا وترديدًا لما سبق. ومن خلال هدف البحث تتحدد مقاصد البحث والتأليف والأمور التي ينبغي الالتزام بها.

وإشكالية البحث أو الدراسة هي أساس البحث وجوهره؛ فمن خلالها تتحدد أهمية البحث، فليست مجرد صياغة لفظية.

إشكالية البحث هي أساسه وجوهره ومن خلالها تتحدد أهمية البحث

وصياغة إشكالية البحث تكون بذكر مشكلة البحث، وتكون سبب اختيار الباحث للموضوع؛ فالباحث يذكر سبب وعلة اختياره للموضوع، ومدى حاجة المجتمع إليه وإلى نتائجه، ويعد هذا هو الدافع في القيام بالبحث، مع بيان أهمية الموضوع في مجال البحث، وفي الواقع إن أمكن، ويوضح أهمية البحث في مجال التخصص.

في المناهج العلمية هل تختلف هذه المناهج من مجال معرفي إلى آخر؟

البحث المنهجي يعتمد على خطوات منهجية بحثية، وعلى مناهج لها أصولها وسماتها، وقد تعددت مناهج البحث طبقاً لطبيعة كل بحث، والغاية المرجوة منه، وهذه المناهج تتفق في الأسس والأصول العامة للبحث العلمي وفي الضوابط والشروط الحاكمة لها، غير أن لكل منهج من مناهج البحث ما يميزه عن غيره من المناهج، وله مجاله الذي ينتفع به فيه.

وهناك علاقة وثيقة بين مختلف العلوم؛ فتكامل العلوم المختلفة فيما بينها يعني تكامل المناهج وهذا يعني استعانة بعض العلوم بالمناهج المتبعة في علوم أخرى؛ فالمنهج السائد في جملة العلوم الطبيعية هو المنهج التجريبي، والمنهج السائد في مختلف العلوم الرياضية هو المنهج الاستنباطي. وكلمة “سائد” تعني إمكانية استخدام مناهج أخرى إلى جوار هذا المنهج أو ذاك؛ فمن الممكن أن تتعدد المناهج في رسالة أو بحث واحد، ولكنها لا تمتزج.

والتفكير المنهجي أصبح متكاملاً بعد ظهور التخصص الدقيق والزيادة فيه؛ فمع زيادة تطور العلوم وتخصصها ظهرت مشكلات جديدة تحتاج إلى تفسير علماء مختلفين.

واختلاف المناهج من مجال معرفي لآخر يتعلق بطبيعة البحث؛ فالمنهج الاستقرائي- مثلاً- موضوعه البحث في العلوم التجريبية كالأحياء والكيمياء، كما يستخدم في بعض العلوم الإنسانية كعلم النفس والاجتماع والتاريخ، وتكون النتيجة الاستقرائية هي صيغة القانون العلمي.

وكذلك تتنوع المناهج تبعًا لتنوع العلوم؛ فالعلوم الذهنية- الصورية- كالرياضيات والمنطق، يكون منهج المنطق الصوري هو القياس، ومنهج الرياضيات الاستنباط. والعلوم التجريبية “الطبيعية” منهجها المنهج الاستقرائي، أو المنهج العلمي الحديث.

والعلوم الإنسانية، مثل: علم الاجتماع، وعلم النفس، والتاريخ وغيرها، يصعب تطبيق منهج واحد بعينه؛ لذلك يستخدم في كل علم منها منهجًا، أو طريقة بحث تناسب موضوعاته وظواهره؛ مثل: المنهج الاجتماعي، والمنهج النفسي، والمنهج التاريخي، وغيرها.

وما هي أهم المناهج العلمية المناسبة للفكر الإسلامي؟

الفكر الإسلامي جزء من الفكر الإنساني، وجميع المناهج العلمية مناسبة للفكر الإسلامي؛ بل إن الفكر الإسلامي له سبق في وضع قواعد وأسس لهذه المناهج جميعًا،  غير أن الفكر الإسلامي له أصالته التي تتجلى في:

  1. الأساس القرآني الذي قامت عليه.
  2. طبيعة المشكلات التي شغلت المفكرين المسلمين دون سواهم.
  3. في المدارس التي أنشأها، والنتائج التي أنجزها.

من أهم الأخلاق العلمية: التجرد عن الهوى، الأمانة في نقل الأفكار

هل الدراسة الجامعية تكسب الباحث خبرة المنهج العلمي، لا سيما في المقارنة والنقد؟

الدراسة الجامعية تعني التخصص في مجال ما، فيمكن للباحث أن يكتسب خبرة المنهج العلمي عمومًا وفي المقارنة والنقد على وجه الخصوص، إذا توافرت عدة أمور من أهمها:

  1. الإشراف العلمي.
  2. الدربة العلمية.
  3. توافر الرغبة العلمية عند الباحث.
  4. توافر المتطلبات الأساسية للبحث العلمي.
  5. الخيال الإبداعي القائم على أساس فكري واضح.
  6. الثقافة الموسوعية، وعدم الاقتصار على مجال التخصص؛ لأن العلوم تتكامل فيما بينها.
  7. الاهتمام بالفكر المستقبلي ورؤية التوقع.

كيف ترى واقع الإشراف العلمي؟ وكيف يستفيد الطالب من الأستاذ المشرف على أطروحته؟

الإشراف العلمي من الأمور الأساسية للأبحاث الأكاديمية والعلمية، ولكنه يعاني في بعض جوانبه من الضعف بسبب انشغال المشرف بأعمال وأعباء كثيرة؛ منها ما يتعلق بكثرة الأبحاث التي يشرف عليها، أو بعض الأمور الإدارية التي يكلف بها، أو وجود أعباء ومسئوليات خارج نطاق البحث العلمي، فضلاً عن عدم التواصل الكافي من بعض الباحثين مع المشرف، ومن ثم عدم سؤاله عن الصعوبات التي تواجه البحث.

ويمكن استفادة الطالب من الإشراف العلمي من خلال التواصل الكافي والمناسب بتحديد لقاء ثابت، وبضرورة عرض ما ينجزه الباحث في المباحث والفصول ومن ثم التصويب والتوجيه من المشرف، وبسؤال المشرف عن العقبات التي تواجه البحث، وبالمتابعة الجيدة لمنجزات البحث مع ضرورة توافر البطاقات البحثية التي تعني التزام الباحث بخطوة مهمة من خطوات البحث العلمي، فضلاً عن توثيق النقول من مصادرها ومراجعها مع بيان لجهد الباحث في أطروحته.

ما أهم الأخلاق العلمية التي ينبغي أن يتبعها الباحث؟

من أهم الأخلاق العلمية والسمات لمن يقوم بالبحث المنهجي:

  1. التسليم بقيمة العلم، حتى لا يرتاب في قيمة العلم بحثًا وثمرة، ويؤمن بأن العلم أعظم من أن يكون مهنة؛ فيعمل جادًّا مطمئنًا.
  2. القدوة، من خلال النماذج التي يضعها الباحث أمامه لمحاكاتها؛ مثل: بعض الشخصيات العلمية المتميزة، أو التي حققت إنجازًا مهمًّا في مجالها.
  3. النزاهة والتجرد عن الهوى، وتحري العدالة؛ ليستطيع الباحث الترجيح بين الآراء، والحكم عليها، فلابد من مراعاة قيم وأخلاق البحث العلمي لصياغة القيم، وبناء الأحكام، وترجيح الآراء.
  4. الأهلية للقيام بعمل البحث.
  5. إنكار الذات، فيتطلع إلى الوصول إلى الحق والحقيقة؛ فمهمة الباحث تقتضي إنكارًا للذات، وامتناعًا عن استغلال العلم من أجل الإثراء.
  6. الأمانة العلمية في نقل الأفكار، والاقتباس منها كما وضعها أصحابها، ونسبها إليهم، صفة ضرورية للباحث النزيه، وقد عَدَّ السبكي، في (طبقات الشافعية)، عدم الالتزام بالأمانة العلمية بحذف الكلام وتغييره من كبائر الذنوب فقال: “وهذا عندي من كبائر الذنوب؛ فإنه تجريح، وفتح باب لا يؤمن معه بكتب الناس، وما في أيديهم من المصنفات.
  7. الصبر في تحصيل العلم، يجعل الباحث لا يتعجل شيئًا قبل أوانه حتى لا يعاقب بحرمانه.
  8. بذل كل ما في وسعه من جهد ووقت ومال من أجل الوصول إلى الحق عن طريق تحصيل العلم.
  9. الهمة العالية، فلا يتأخر في تحصيل فائدة، ولكنه يسعى إلى معالي الأمور وعظائم الأشياء، ونفائس العلم.
  10. الخيال العلمي، يسهم بنصيب في المجهود العلمي لما له من أثر نافع، فمن الملاحظة يكشف لنا الباحث عن عالم كامل في الظاهرة محل البحث. وإذا كان هناك جمال في عالم الحس، فهناك نوع آخر من الجمال مختلف عنه، وهو الجمال العقلي. ونصيب العلم من الخيال يقتضي نوعًا من التضحية، والباحث ينظر إلى الخيال على أنه وسيلة وليس غاية؛ فالعقلية التنظيمية البناءة تساعد الباحث على تخيل الأشياء، وتجريبها، وتوحيد أجزائها؛ ليتمكن في النهاية من الوصول إلى الحقيقة.
  11. استبعاد الصدفة؛ فالصدفة المرادفة للحظ هي التي ينكرها العلم الحديث، حيث إن الصدفة لا تفسر شيئًا، وهي مقياس الجهل بالظواهر.
  12. توافر القدرة اللغوية لفهم ما يقرأ، وللإفصاح عما يريد التعبير عنه.
  13. القدرة على إنشاء وتطوير العلاقات العلميةمع الباحثين والأساتذة في مجال البحث العلمي؛ وذلك بصورة مباشرة عن طريق اللقاءات، وحضور الندوات والرسائل العلمية، والمناقشة في المؤتمرات، أو بصورة غير مباشرة عن طريق المراسلة والمتابعة.
  14. يفضل أن يكون العمل الكسبي- شئون المعاش- قريب الصلة من بيئة البحث العلمي ومجاله؛ فإن ذلك أعون على عدم شتات الفكر.

الباحث لا بد أن يتحلى بالصبر والهمة العالية والخيال العلمي

ما السبيل إلى أن تسهم الأطروحات العلمية في تفعيل وتنشيط العقل المسلم في الفكر والإبداع والاجتهاد؟

الأطروحات العلمية هي أبحاث منهجية ذات نشاط منظم يتم وفقًا لخطوات يترتب بعضها على بعض، وهي نشاط مقصود وهادف، يتصف بالدقة والضبط، وتفكير مرن يبتعد عن الجمود.

ولكي تسهم هذه الأطروحات العلمية في تفعيل وتوجيه العقل المسلم، فلابد من توافر دوافع موضوعية في الأطروحات العلمية.

ومن أهم هذه الدوافع الموضوعية:

  • بحث قضية معينة في مجال معين تشغل البال، وتستحوذ على الفكر.
  • التعمق في دراسة علم من العلوم.
  • وجود مشكلة في البحث العلمي.
  • الرغبة في التنبؤ ببعض الأمور التي تتعلق بالمستقبل.
  • ظهور أمور جديدة تحتاج إلى بحث ودراسة؛ لإيجاد الحلول.
  • الرغبة في تحسين حياة الناس.
  • تفسير بعض الظواهر، وتطبيق بعض النظريات.

وهذه الدوافع تختلف من شخص لآخر، ولكن لابد من التنبه لأمور:

  • صدق النية، وهو ما يميز الباحث من وجهة نظر إسلامية عن غيره.
  • وجود مشكلة حقيقية واقعية وليست زائفة، تتحدد من خلال هدف البحث.
  • أن يهدف الباحث من بحثه إلى ما هو نافع ومفيد، ويعود على الناس بالمصلحة.
  • يضيف البحث جديدًا في مجال التخصص بوجه خاص، وفي مجال العلم بوجه عام.

الأطروحات العلمية أبحاث منهجية ذات نشاط منظم وفقًا لخطوات تراتبية

ولا بد ألا تخلو هذه الأطروحات من هدف مرغوب يتحدد في الأمور التي ينبغي أن توافرها في تحديد هدف البحث، فتكون في:

  • إما شيء لم يسبق إليه فيخترعه.
  • أو شيء ناقص يتممه.
  • أو شيء مغلق فيشرحه.
  • أو شيء طويل فيختصره، دون أن يخل بشيء من معانيه.
  • أو شيء متفرق فيجمعه.
  • أو شيء مختلط فيرتبه.
  • أو شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه.