قال الأكاديمي المغربي الدكتور حمزة النهيري: إن الحوار بين الأديان يهدف إلى تعزيز الفهم المشترك، وتبادل الآراء والتجارب بين ممثلي الأديان المختلفة، وإن الهدف الرئيس لمؤتمرات الحوار هو إيجاد نقاط التقاء والتفاهم بين الأديان، وتعزيز الحوار والتعاون المشترك بين المجتمعات الدينية.

وأشار “النهيري”، وهو باحث متخصص في العقائد ومقارنة الأديان، إلى أن الاستشراق لا يزال حاضرًا ومؤثرًا في بعض الدراسات والمؤلفات التي تناولت العلاقة بين الشرق والغرب، وما يتعلق بالتحليل الثقافي والسياسي للعالم الإسلامي، وأن صعود “اليمين” في الدول الأوروبية له تأثيرات سلبية على دعوات التفاهم والتعايش..

فإلى الحوار:

كيف ترون حاضر العلاقة بين أهل الأديان؟

الشكر موصول لموقع “إسلام أون لاين” على إتاحته هذه الفرصة لكي نناقش بعض القضايا التي تخص واقع الأديان ومستقبل الحوار بين الأديان.. ويمكن أن نلاحظ أن العلاقة بين أتباع الأديان ليست على المستوى المأمول، خاصة في خضم الطائفية وحضور العنف الذي أججته الحروب المعاصرة تجاه المسلمين.

وقد يكون ذلك راجعًا إلى العديد من الأسباب؛ يمكن إجمالها في النقاط الآتية:

– الجهل والتفاهم السطحي: قد ينشأ التوتر في العلاقة بين أتباع الأديان بسبب الجهل بتعاليم ومعتقدات بعضهم البعض، ويمكن أن يؤدي عدم فهم الآخرين بشكل صحيح إلى التحامل السلبي بينهم.. وهو ما يكرس لثقافة الكراهية والعنف.

– الانحياز والتحيز: قد يكون هناك تحيز أو تمييز من جانب بعض الأفراد أو المجتمعات تجاه أتباع أديان أخرى.. فيتسبب هذا التحيز في تشويه الأديان وزعزعة الثقة فيما بينها.

– التصاعد السياسي والاجتماعي: فالتوترات السياسية والاجتماعية تؤدي إلى تأثير سلبي على العلاقة بين أتباع الأديان، وذلك عندما يتورط الدين في الصراعات السياسية، التي ينبغي أن يترفع عنها.

– نقص التواصل والحوار: فالانقطاع في الاتصال ونقص التواصل بين أتباع الأديان، يسهم في تدهور العلاقة بينهم.. أما الحوار المفتوح والاحترام المتبادل فيتعبر أدوات قوية لتعزيز الفهم والتفاهم بين الأديان المختلفة.

– التأثيرات الثقافية والتاريخية: فالتأثيرات الثقافية والتاريخية لها دور في تشكيل العلاقة الخصامية بين أتباع الأديان.. الصراعات التاريخية والأحداث المؤثرة تترك آثارًا عميقة تتسبب في الانقسامات والتوترات بين الأديان وأتباعها.

ولحل هذه المشكلات وتحسين العلاقة بين أتباع الأديان، ينبغي إشاعة روح الحوار، والتركيز على القيم المشتركة بين الأديان وتعزيز الخطاب الإنساني.

ينبغي التركيز على القيم المشتركة بين الأديان وتعزيز الخطاب الإنساني

و”الاستشراق”.. هل ما زال حاضرًا أو مؤثرًا؟

الاستشراق هو مصطلح يشير إلى دراسة الثقافات والحضارات الشرقية، خاصة العالم الإسلامي، من قِبَل الباحثين والعلماء الغربيين.

وقد بدأ الاستشراق كتوجه فكري في القرن التاسع عشر، وكان يهدف إلى فهم وتفسير الشرق من منظور غربي محض، وقد ألمع محمود شاكر، رحمه الله، في كتابه الفذ (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا)، إلى خطورة الاستشراق وأغراضه ومقاصده تجاه الشرق الإسلامي.. وهذا الكتاب ينبغي أن يُتخذ مرجعًا معاصرًا مهمًّا في الكشف عن مقاصد الاستشراق.

من الناحية التاريخية: فإن الاستشراق قد تطور على مر العقود، وتغيرت طرق البحث والمناهج المستخدمة فيه.. ومع ذلك، فإن بعض النتائج والأفكار التي نشأت في فترات سابقة لا تزال تؤثر على بعض الأطروحات والمناهج الحديثة في الاستشراق.

ومن الناحية العامة: يمكن القول إن الاستشراق لا يزال حاضرًا ومؤثرًا في بعض الدراسات والمؤلفات التي تناولت العلاقة بين الشرق والغرب، وما يتعلق بالتحليل الثقافي والسياسي للعالم الإسلامي.

ومن المهم أيضًا أن نلاحظ أن هناك توجهات وجهودًا لتجاوز المفاهيم والأفكار القديمة، وتطوير مناهج أكثر توازنًا واحترافية في دراسة الثقافات الشرقية.

ويمكن القول: إن الاستشراق لا يزال يثير نقاشًا مستمرًا بين العلماء والباحثين في مجال الدراسات الشرقية.. والهدف الرئيس منه هو تطوير مناهج وأساليب بحثية تسهم في فهم الدين الإسلامي ومحاولة نقده ونقضه.

“الاستشراق” لا يزال حاضرًا في التحليل الثقافي والسياسي للعالم الإسلامي

حوار الأديان، الذي انعقدت لأجله مؤتمرات كثيرة، هل يهدف إلى الجدل الديني أم البحث عن نقاط الالتقاء؟ وكيف تقيّمون هذه المؤتمرات؟

مؤتمرات الحوار بين الأديان تهدف عادة إلى تعزيز الفهم المشترك، وتبادل الآراء والتجارب بين ممثلي الأديان المختلفة.. الهدف الرئيس لهذه المؤتمرات هو إيجاد نقاط التقاء والتفاهم بين الأديان، وتعزيز الحوار والتعاون المشترك بين المجتمعات الدينية.. ونحن نعتقد أن الإسلام هو أول من دعا إلى الحوار كما قال عز وجل: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 64)، وقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (الكافرون: 6).

وعلى الرغم من أنه قد يحدث بعض الجدل في هذه المؤتمرات بشأن القضايا الدينية المختلفة، فإن الهدف الرئيس هو تعزيز القيم المشتركة على اعتبار أن الديانات الثلات هي ديانات توحيدية دعت إلى عبادة الواحد الأحد وترك الأنداد، وأن الأنبياء إخوةٌ لعَلَّاتٍ أبوهم واحد وأمهاتهم شتى، أي إن الدين عند الله الإسلام والشرائع مختلفة؛ كما يتم التركيز فيها بشكل أساسي على بحث نقاط التقاء وتوحيد الجهود لتعزيز التفاهم والسلام المشترك بين الشعوب المتدينة. مصداقًا لقول الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة: 256).

وتشمل مواضيع هذه المؤتمرات عادة القيم الأخلاقية المشتركة، والقضايا الاجتماعية والبيئية، وحقوق الإنسان، والحوار الثقافي.

 وتعد هذه المؤتمرات فرصة للتعرف على وجهات نظرِ وتعاليم الأديان المختلفة، وتعميق الفهم المتبادل وتقوية الروابط بين المجتمعات الدينية.. وهي تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف؛ أهمها:

– التوازن والتمثيل: يعتبر التوازن والتمثيل العادل للأديان المختلفة أمرًا هامًّا في المؤتمرات. يجب أن يتم دعوة وتشجيع ممثلي الأديان المختلفة للمشاركة بتساوٍ، لضمان تمثيل شامل ومتوازن للتوجهات والتجارب الدينية المختلفة.

– الشفافية والمصداقية: ينبغي أن تتسم المؤتمرات بالشفافية والمصداقية في تنظيمها وهدفها، كما يجب أن يتم تحديد أهداف المؤتمر والجدول الزمني ومواضيع النقاش بشكل واضح ومفهوم للمشاركين والجمهور حتى لا يقع اللبس.

– التواصل الفعّال: يجب أن يتم توفير بيئة تسمح بالتواصل الفعّال والمفتوح بين المشاركين. كما ينبغي أن تتاح الفرصة للمشاركين فيه، للتعبير عن وجهات نظرهم وتجاربهم بحرية، وأن يتم التعامل معها باحترام واهتمام.

– التركيز على التفاهم المشترك: يجب أن يكون التركيز الرئيسي للمؤتمرات هو البحث عن نقاط التقاء والتفاهم بين الأديان المختلفة، وتعزيز قيم التسامح والسلام المشترك.. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبادل المعرفة والتجارب والبحث عن مبادئ وقيم مشتركة تجمع الأديان.

إذن، ما الفرق بين “حوار الأديان” من جهة، وحوار الثقافات أو الحضارات من جهة أخرى؟

حوار الأديان وحوار الثقافات والحضارات هما نمطان من أنماط الحوار الذي يركز على جوانب مختلفة من التفاهم والتواصل بين المجتمعات والثقافات المختلفة.. وقد وسعتُ الحديث عن موضوع الحوار في رسالتي للدكتوراه، التي هي بعنوان (العقائدية في الحوار الإسلامي العلماني وأثرها على الفكر العربي)، وقد طُبعت مؤخرًا عن دار الأصول.

 ومع أن هذين النمطين من الحوار قد يشتركان في بعض الأهداف والمبادئ الأساسية، فإنهما يختلفان في بعض النقاط.. وكما سبقت الإشارة:

فحوار الأديان: يتمحور حول النقاش والتواصل بين الممثلين والأتباع للأديان المختلفة، ويهدف إلى تعزيز التفاهم والتسامح بين الأديان المختلفة من خلال البحث عن نقاط التقاء والتشارك في المعتقدات والقيم والتعاليم الدينية، كما يتم من خلاله تناول المواضيع الدينية المشتركة وتبادل الآراء والتجارب الدينية والروحية.

أما حوار الثقافات والحضارات: فيتمحور حول النقاش والتبادل بين مختلف الثقافات والحضارات في مجالات متعددة؛ مثل الفن، والأدب، والعلوم، والتكنولوجيا، والتاريخ، والتراث الثقافي.. وهو يهدف إلى تعزيز التفاهم والاحترام بين الثقافات المختلفة، وتعزيز الحوار الثقافي والتعاون المشترك.

ويمكن القول باختصار شديد بأن حوار الأديان يركز بشكل أساسي على الأبعاد الروحية والدينية والتفاهم بين الأديان المختلفة، بينما حوار الثقافات والحضارات يركز على الجوانب الثقافية والتاريخية والاجتماعية والعلمية والفنية للمجتمعات المختلفة.

صعود “اليمين المتطرف” يؤثر سلبًا على دعوات الحوار والتعايش

ما أبرز القضايا التي من المهم أن يتجه إليها الحوار، على المستويين الديني والحضاري؟

هناك العديد من القضايا التي يعتبرها الكثيرون مهمة في الحوار بين الأديان، على المستوى الديني والحضاري.. من بين هذه القضايا:

– التسامح والتعايش السلمي: يهدف الحوار بين الأديان إلى تعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل بين المجتمعات الدينية المختلفة، وتعزيز التعايش السلمي والتفاهم المشترك.

– الحقوق الإنسانية: يتعين على الحوار بين الأديان أن يؤدي وظيفة مركزية، وهي تتمثل في التركيز على قضايا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، والعمل المشترك لمعالجة التحديات والمشاكل التي تؤثر على البشرية بشكل عام.

– إشاعة روح السلام ومكافحة العنف: يتعين على الحوار بين الأديان أن يكون منصة وجسرًا للتعاون في مكافحة العنف وتعزيز السلم والاستقرار في المجتمعات.

– القضايا الأخلاقية: يجب أن يشتمل الحوار بين الأديان على مناقشة القضايا الأخلاقية الهامة التي تواجه المجتمعات المختلفة؛ مثل القضايا المتعلقة بحقوق الحيوان، والبيئة، وغير ذلك من القضايا المعاصرة.

– الحوار الثقافي والتعاون الفني: يمكن للحوار بين الأديان أن يسهم في تعزيز التفاهم والتعاون الثقافي والفني بين المجتمعات، وتبادل الخبرات والمعرفة في مجالات مختلفة؛ مثل الأدب والفنون والعمارة والموسيقى.

هذه في نظري بعض القضايا الهامة التي تخص مفهوم الحوار بين الأديان.. ومن المهم أن يكون الحوار بين الأديان مفتوحًا وشاملاً لمناقشة ومعالجة هذه القضايا وغيرها؛ بهدف تعزيز التعايش السلمي والتفاهم بين الأديان والثقافات المختلفة.

كيف ترون تأثير صعود “اليمين” في بعض الدول الأوروبية، على دعوات الحوار والتعايش مع الإسلام؟

صعود اليمين المتطرف في بعض الدول الأوروبية، يمكن أن يؤثر على دعوات الحوار والتعايش مع الإسلام بطرق مختلفة.. وهناك بلا شك بعض التحديات التي يمكن أن تواجهها هذه الدعوات في ظل صعود اليمين المتطرف، ومنها:

– انتشار التحامل والتحيز: يمكن أن يتسبب صعود اليمين المتطرف في زيادة التحامل والتحيز ضد الأجانب والمسلمين، مما يجعل ثمة صعوبة في تحقيق الحوار والتعايش السلمي.

– القوانين والسياسات المعادية للمهاجرين: قد يؤدي صعود اليمين المتطرف إلى تشديد السياسات المعادية للمهاجرين واللاجئين؛ مما يؤثر على فرص التعايش والحوار البناء بين المجتمعات المسلمة وباقي المجتمعات من غير أهل الإسلام.

– تأثير خطاب الكراهية: يمكن أن يؤدي صعود اليمين المتطرف إلى زيادة خطاب الكراهية والتمييز ضد الإسلام والمسلمين؛ وبالتالي يؤثر ذلك سلبًا على الحوار وبناء جسور التعايش. وينبغي أن نذكر بأن التاريخ الإسلامي شهد تسامحًا عظيمًا بين أهل الأديان المختلفة، أساسه التعايش السلمي الآمن وعدم الإكراه على اعتناق الدين.

التاريخ الإسلامي شاهد على التعايش السلمي وعدم الإكراه

في المقابل، كيف يمكن تمتين الجسور مع الأصوات الغربية المنصفة؟

لاشك أن الإسلام دعا إلى الحوار بين الأديان ومختلف الملل، وعلى هذا المنطلق يمكن أن نقول إن أول الأسس هو ترسيخ فكر الحوار الحضاري الديني المثمر الذي يكون مبنيًّا على الكلام الرصين، والتركيز على القيم المشتركة بين الأديان، ودعم مراكز البحوث التي تُعنَى بالحوار الديني، وإقامة مؤتمرات وندوات وورشات يُستدعى فيها أهل الانصاف من الغربيين؛ لأن الحوار المثمر لابد له من أرضية صلبة يقام عليها.

فإذا لم يكن الحوار على أرض سليمة، فإنه سرعان ما سينهار ويتحول إلى ما يشبه “صراع الديكة”.