أوضح الدكتور داود اشيت (Doç. Dr. Davut Eşit)، الباحث في أصول الفقه وتاريخ الفقه، أن الكشف عن المقاصد في العلوم الإسلامية المتعددة يساعدنا على فهم نصوص هذه العلوم بشكل أفضل؛ مبينًا أن جامعة “وان يوزونجو ييل” التركية تستعد لعقد مؤتمر “المقاصد في العلوم الاسلامية”، في أكتوبر القادم، بمشاركة عدد من الباحثين من عدة دول.

وطالب بعدم استعمال المقاصد كوسيلة لتعطيل النصوص، موضحًا أن سبب ذلك هو الابتعاد بالمقاصد عن مجال الفقه وأصوله، وأنه إذا كان من القواعد الأساسية للشريعة الإسلامية أنه لا مكان للاجتهاد إذا وجد النص، وكانت المقاصد اجتهادًا، فمعنى ذلك أن المقاصد ليس لها وظيفة لإلغاء نص إذا وجد.

والدكتور داود اشيت أكاديمي تركي، أستاذ مشارك بجامعة يوزونجو ييل، كلية الإلهيات، قسم الفقه. وهو عضو اللجنة العلمية لمؤتمر “المقاصد في العلوم الاسلامية”، وصدر له: تطور أصول الفقه الشافعي (منشورات مدرسة أنقرة، 2019م)، والقياس عند الملا كوراني (منشورات فجر، 2020م). وقد حاوره “إسلام أون لاين” حول ظروف انعقاد المؤتمر وأهدافه ومحاور، بجانب عدد من القضايا المتصلة بفكرة المقاصد وضبطها وأهميتها.. فإلى الحوار:

نود أن نتعرف على ظروف انعقاد مؤتمر “المقاصد في العلوم الإسلامية”؟

أشكركم على اهتمامكم بمؤتمرنا الذي تعقده جامعتنا “وان يوزونجو ييل” تحت عنوان “المقاصد في العلوم الاسلامية”، كما أشكركم على إتاحة الفرصة لي للتحدث عن المؤتمر.

وعندما يتعلق الأمر بسؤالكم، كما تعلم، فإن المقاصد هي واحدة من أكثر الموضوعات مناقشة وسخونة في العالم الإسلامي، خاصة في المائة عام الماضية. في الواقع، عندما نقيمها من وجهة نظر أصول الفقه، فإن المقاصد ليست قضية جديدة ظهرت فقط في هذا القرن. ومع ذلك، فإن حقيقة أنها كانت على جدول الأعمال خلال المائة عام الماضية يمكن تفسيرها بالعديد من الأسباب المختلفة. أولئك الذين يعتقدون أن النصوص غير كافية لأنها محدودة، خاصةً فيما يتعلق بقضايا العالم الحديث المتغير والمختلف باستمرار، يريدون طرح نقطة في جدول الأعمال. والهدف هنا هو تلبية الحاجة إلى البحث عن حلول للمشاكل الحالية للعالم الإسلامي من خلال اللجوء إلى المقاصد كوسيلة من وسائل الاجتهاد على أساس المنهج الفقهي. بصرف النظر عن هذا، فإن بعض المقاربات الإصلاحية التي تدعي أن أصول الفقه غير كافية في إنتاج الحلول وأن هناك حاجة إلى طريقة فقه جديدة، يعتقدون أن الابتكار في أذهانهم يمكن أن يتم باستخدام المقاصد حتى لا يتعارض مع منهج أصول الفقه.

يمكن القول إن الراغبين في الابتكار على أساس المقاصد يريدون استخدام المقاصد كأداة حتى لا يفقدوا مشروعية خطابهم في الدين. وانطلاقاً من افتراض مفاده أن المنهج الأول يكون ضمن نظام الفقه وأن النص محدود، يجب القول إنه في حل المشكلات الحالية، هناك حاجة إلى طريقة الاجتهاد في المقاصد، وبهذا الجانب يركزون على المقاصد.

أما المنهج الثاني، من ناحية أخرى، فيسيطر عليه الانطباع بأننا نلجأ إلى المقاصد من أجل تطوير طريقة جديدة وخطاب بأن علم أصول الفقه غير كاف. أبعد من ذلك، فإن انحدار الحضارة الإسلامية أمام الغرب في المائة عام الماضية قد اختتمه علماء يمثلون شرائح مختلفة من الحاجة إلى نهج إصلاحي في المجال الديني. وقد جلبت معه بأن هذا الإصلاح يمكن تحقيقه باستخدام “المقاصد الشافية لكل شيء”، إذا جاز التعبير.

وتجدر الإشارة إلى أن المقاصد، وهي منهج علم الفقه وتقييمه ضمن ممارسة الفقه، كانت على جدول الأعمال ونوقشت خارج مجال الفقه في السنوات الأخيرة. في جميع العلوم الإسلامية، هناك مناهج يجب التعامل معها بطريقة المقاصد. في هذا السياق، في القرن الماضي، أصبحت المقاصد أكثر الموضوعات التي يتم الحديث عنها والتأكيد عليها في العالم الإسلامي، متجاوزة حدود علم الفقه.

كما هو الحال في العالم الإسلامي، تم تنظيم العديد من البحوث الأكاديمية والملخصات العلمية وما زالت تنظم في تركيا، عن المقاصد. أرادت جامعات “وان يوزونجو ييل” تنظيم هذا المؤتمر من أجل المساهمة في أعمال المقاصد في العالم الإسلامي، وخاصة في تركيا. وقد ظهرت الحاجة إلى مناقشة واسعة للمقاصد- لا تقتصر على علم الفقه- بمساهمة الأوساط الأكاديمية في العلوم الإسلامية. هكذا جاءت فكرة المؤتمر. لكن اسمح لي أن أقول هذا. وكنتيجة للمناقشة والتعامل مع المؤتمر من جميع الجوانب مع موضوع المقاصد في العلوم الإسلامية، سيتم الكشف عما إذا كان هناك جانب من جوانب المقاصد يتجاوز حدود الفقه، وإذا كان هناك فستظهر نتائجه.

وإن الهدف من المؤتمر هو السماح بمناقشة جميع أبعاد الموضوع بتفاصيله كافة. بهذا المعنى، جذب المؤتمر اهتمام المشتغلين بحقل المقاصد خاصة والعلوم الإسلامية عامة، وحتى الآن تقدم أكثر من مائة باحث من اثنتي عشرة دولة مختلفة للمشاركة في المؤتمر.

وما أهم أهداف المؤتمر؟

أود أن أجيب على سؤالك من ديباجة المؤتمر. عندما ننظر إلى موضوعات هذا النداء، نلاحظ وجود ثلاثة أهداف رئيسية لهذا المؤتمر.

الأول هو الأصل التاريخي للمقاصد وتطوره. وهنا سيتم الكشف عن ظهور فكرة المقاصد في العلوم الإسلامية، وأصلها، والمناقشات الأولى حولها، وتطور فكرة المقاصد، والمدونات والقضايا المتعلقة بها.

والثاني يحاول الكشف عن آثار المقاصد في العلوم الإسلامية مثل الفقه والتفسير والكلام والتصوف والفلسفة الإسلامية.

ثالثًا، في النقاشات المقاصدية في الواقع المعاصر، هناك عناوين مثل “قراءات الفكر المقاصدي، المقاصد في ضوء محاولات التجديد والإصلاح، المقاصد والتيارات الإسلامية والفكرية والمذهبية المعاصرة، المقاصد في ضوء الإفراط والتفريط، خلفيات النقاشات المنهجية في ضوء المقاصد، المقاصد كمخرج في أوقات الأزمات، المقاصد والتاريخية والتأويل، المقاصد وإعادة تشكيل الدرس الديني، المقاصد في ضوء المشكلات المعاصرة والمسائل المستجدة، المقاصد في ضوء القراءات المعاصرة للنص الديني، المقاصد في ضوء أسئلة الإنسانية الأساسية وحل إشكالاتها،”. هنا، الهدف هو مناقشة جميع القضايا المعاصرة المتعلقة بالمقاصد.

وماذا عن المحاور؟

كما ورد في نص ديباجة المؤتمر، فقد ناقش علم الفقه المقاصد في سياق “أن المصلحة هي مجرد منهج للوصول إلى الحكم الشرعي، وانتقلنا إلى منظور أوسع لمفهوم المصلحة، سنرى أن أفعال الله بُنِيَت هي الأخرى على تحقيق الغايات في ضوء مفاهيم الحكمة، والمناط، والصلاح والأصلح، والحسن والقبح، والتعليل والعلية، والغائية والعناية. وقد تمت مناقشة هذه القضايا على أساس منهجي في العديد من التخصصات العلمية، وعلى رأسها علم الكلام والتصوف والفلسفة.” بالنظر إلى هذا النص، يريد المؤتمر التركيز على حقيقة أن المقاصد واسعة بما يكفي لمعالجة التحديات التي واجهتها وتواجهها الأمة قديمًا وحديثًا، بحيث لا تقتصر على علم الفقه وإنما ينبغي أن تكون المقاصد علمًا مستقلاً يغطي جميع العلوم الإسلامية.

جذور الكتابة المقاصدية نشأت في أحضان المذهب الشافعي

وبالمثل، فإن موضوع المقاصد الذي برز في حل قضايا العالم الإسلامي المعاصرة، قد أعيد النظر فيه من قبل العديد من المفكرين، وقد أشير إلى جوانب مختلفة من المقاصد

وكما في الماضي، يتم العمل عليها في اللحظة الراهنة؛ لأنها لا تزال قضية مهمة للفكر الإسلامي اليوم.

هل مقاصد أيّ علمٍ جزء أساسي منه أم شيء زائد تكميلي؟

من أجل اعتبار الأسس التي تجعل العلم علمًا، غالبًا ما يتم التأكيد في المدونات الكلاسيكية على أنه يجب أن يكون له موضوع ومبادئ ومسائل ومقصد، وعلى الرغم من أن المقصد هو أحد الأجزاء الأساسية التي تجعل العلم علمًا، فإن الأجزاء الأساسية للعلم في الغالب هي المسائل والموضوع.

نلاحظ، كما في محاور المؤتمر، انتقال الاهتمام بالمقاصد من الدائرة الفقهية إلى سائر العلوم.. ما أهمية ذلك؟

الإجابة على هذا السؤال ستأتي نتيجة مناقشات العلماء الذين سيشاركون في الندوة من علوم مختلفة غير علم الفقه. بادئ ذي بدء، لا بد من مناقشة وجود المقاصد في علوم أخرى غير علم الفقه والكشف عن ذلك. فعندما نقبل وجود المقاصد في العلوم الأخرى غير الفقه فرضيًّا- وأعتقد أنه يجب التعامل مع هذه الفكرة باحتياط- لا بد من التمييز بين المقاصد في الفقه والمقاصد في العلوم الأخرى. المقاصد بالإضافة إلى فهم المعاني الكلية للشريعة في الفقه، يمكن اعتبارها وسيلة للوصول إلى الحكم الشرعي. أنا أرى أنه لن يكون منهجًا صحيحًا في استخدام المقاصد، الذي يقبل منه سبيل الوصول إلى الحكم الشرعي في الفقه بدليل الاستصلاح، كوسيلة للوصول إلى الأحكام الشرعية في العلوم الأخرى. أيضًا. لأنه يجب الأخذ في الاعتبار أن الوصول إلى الحكم الشرعي ممكن باتباع طرق الاجتهاد في منهج الفقه.

استعمال المقاصد كوسيلة لتعطيل النصوص طريقة غير صحيحة

ومع ذلك، فمن المحتمل أن هناك نوعين من الفوائد للكشف عن وجود المقاصد في العلوم الأخرى غير علم الفقه.

أولاً، قد يكون من الممكن فهم القضايا في تلك العلوم بشكل أفضل، والكشف عن وجهات نظر ووجهات نظر مختلفة. على سبيل المثال، عند التفكير في التفسير والحديث، فهم القرآن والأحاديث بطريقة المقاصد تساعدنا على فهم النصوص بشكل أفضل. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذه الطريقة لها مخاطرها الخاصة. وبالنظر إلى احتمال أن يفتح الباب أمام تفسيرات مفرطة غير المعنى الحقيقي في القرآن والحديث، يجب الكشف عن طريقة لمنع ذلك.

ثانيًا، قد يساهم البحث عن المقاصد في العلوم الأخرى من غير الفقه في تحسين فهمنا لأصول المقاصد في الفقه وتشكيل وتطوير المقاصد في الفقه. وفي نفس الوقت، قد يمكننا ذلك من استنتاج أن الفرق بين المقاصد في الفقه والمقاصد في العلوم الأخرى، وأن كلاً منهما يجب تقييمه في إطار حدوده العلمية الخاصة. كما ذكرت في البداية، قد تنشأ هذه المسألة نتيجة مناقشات العلماء الذين سيشاركون في الندوة بشكل أوسع.

الدراسات المقاصدية تطورت في العقود الأخيرة.. كيف ترصدون هذا التطور؟

نوقشت المقاصد في أجندة المسلمين بشكل مكثف لا سيما في القرن الماضي وخصوصًا في السنوات الأخيرة، تُظهر كثرة الرسائل والأبحاث والكتب والمقالات حول المقاصد في المجتمع الأكاديمي أن هناك تركيزًا فكريًا على المقاصد. كما ذكرت في البداية، من المستحيل بالطبع أن نعزو ذلك إلى سبب واحد. ومع ذلك، فإن أسبابًا مثل المشكلات الجديدة، والقضايا التي جلبها العصر الذي نعيش فيه، والرغبة في التعامل معها من منظور ديني، وافتراض أن أحد المراجع الرئيسية للابتكار هي المقاصد، إلى جانب هزيمة العالم الإسلامي أمام الغرب، كما أن أيَّ علم يريد أن يصبح علمًا مستقلًا برأسه لا بدَّ أن يمرَّ بعدة مراحل تسبقه ليؤول إلى كماله ونضجه، وعلم المقاصد من هذه العلوم التي تؤول إلى الكمال والنضج، ومثل هذه الأسباب تظهر خطة مسبقة.

مَن أبرز المهتمين بالمقاصد قديمًا وحديثًا؟

عند النظر في تاريخ المقاصد، ربما يكون أول شخص يتبادر إلى الذهن من المجتهدين هو الإمام مالك. وبقدر ما تعلمناه من مصادر الفقه، فهو أكثر المتعاملين باقتدار كبير بالمقاصد من بين أئمة المذاهب الفقهية الأربعة. ورغم عناية المذهب المالكي بفكرة المقاصد إلا أنّ أول جذور الكتابة المقاصدية قد نشأت في أحضان المذهب الشافعي. فِي هذا الصَّدد يبرز إمام الحرمين الجويني وتلميذه حجة الإسلام الغزالي. لن يكون من الخطأ اعتبارهم أول المنظرين للمقاصد.

كما لا ينبغي إغفال بعض من سبقهما في الكتابة مثل القفال الشاشي الكبير، أو من بعدهما مثل فخر الدين الرازي، وسيف الدين الآمدي، وعزّ الدين ابن عبد السلام وجميعهم من الشافعية. ومن أئمة المذاهب الأخرى الذين اشتهروا في إظهار الفكر المقاصدي، كلّ من شهاب الدين القرافي وابن الحاجب من المالكية، وابن تيمية وابن قيم الجوزية ونجم الدين الطوفي من الحنابلة. أخيرًا، تم قبول اسم الذروة للمقاصد على أنه الشاطبي. وفي العصر الحديث من الممكن ذكر أسماء العديد من الأشخاص مثل محمد الطاهر بن عاشور، علال الفاسي، محمد سعيد رمضان البوطي، أحمد الريسوني، يوسف القرضاوي، نور الدين بن مختار الخادمي، فتحي الدريني، وغيرهم كثير.

لماذا يتخذ البعض من “المقاصد” بابًا أو ذريعةً للتحرر من النص؟

من القواعد الأساسية للشريعة الإسلامية أنه لا يوجد مكان للاجتهاد إذا وجد النص، وإذا كانت المقاصد اجتهادًا، فمعنى ذلك أنه ليس لها وظيفة لإلغاء نص إذا وجد؛ ولذا فإننا نعارض استعمال المقاصد كوسيلة لتعطيل النصوص، وهي طريقة غير صحيحة. وسببها هو الابتعاد بالمقاصد عن مجال الفقه وأصوله.

وكيف نضبط الفهم المقاصدي ونمنع عنه سوء التفسير أو التوظيف؟

السبيل إلى منع ذلك هو التعامل مع المقاصد في إطار قواعد الفقه وأصوله، والفقه هو أهم وظائف علم الأصول، وعندما يتم استخدام المقاصد وفقًا لقواعد علم الأصول يمكن منع التفسيرات المفرطة التي تنشأ من المقاصد؛ ذلك أن أصول الفقه ترسم إطارًا عامًّا لمكان المقاصد واستخدامها وحدودها في الاجتهاد. إذا تم اتباع هذا الخط، فإن المقاصد لن تكون أداة لتعطيل النصوص الدينية.

التحديات الفكرية المعاصرة.. هل يمكن القول إنها عامل مساعد وحافز كبير للاعتناء بالمقاصد؟

مما لا شك فيه أنه يمكن القول إن فكرة الوقوف في وجه تحديات العصر والتجديد، زادت من الاهتمام بالمقاصد؛ لأن الادعاءات المتعلقة بعدم كفاية النظرية الإسلامية لمواجهة التحديات الحديثة، جعلت بعض المفكرين المسلمين ينظرون إلى فكرة المقاصد كأداة يمكنها حل جميع أنواع المشاكل. إن المقاربة القائلة بإمكانية حل المشكلات في العالم الإسلامي بالمقاصد أو أن كل قضية ذات صلة وغير ذات صلة يمكن فهمها من منظور المقاصد، تزيد من الاهتمام بالمقاصد.

بطريقة ما، هذا يظهر بوضوح تأثير التحديات المعاصرة والحداثة على المنظور الإسلامي. إن الجهد المبذول لفهم كل موضوع ديني وسياسي واجتماعي وثقافي وتقريبًا كل شيء بشري في العالم الإسلامي من وجهة نظر المقاصد، يجلب معه مشكلة تعطيل الطرق والمناهج والتفسيرات التقليدية وعدم الثقة بها. هذا في الواقع يحمل إمكانية التطور إلى مسار في الاتجاه المعاكس لما تهدف إليه أصول الفقه، بمفهوم ينتمي إلى أصول الفقه أي المقاصد، والذي يهدف إلى الحفاظ على الأحكام الدينية/ الشرعية. يحمل هذا الاحتمال أيضًا مخاطر تَشْكِيل المجال الديني المستمر إلى أي مجال مرغوب وتشكيل الدين واستخدام المقاصد كأداة لذلك. هذا الخطر يفتح الباب أمام تكوين قوالب دينية غير ثابتة، حسب المقاصد التي قد تختلف باختلاف الشخص والمكان والزمان.

تضلع الباحث من أصول الفقه شرطٌ لدراسة علم المقاصد

لهذا السبب، أعتقد أن المقاصد يجب أن تؤخذ في الاعتبار داخل حدودها الأصلية. إذا لم يتم رسم حدود وأطر حول المقاصد، فإن خلفية عقل الشخص الذي يتعامل مع المقاصد يتشكل نتيجة لتشكيل الدين، مما يؤدي إلى أن الدين لم يعد حالة تعطي شكلاً بل يؤدي هذا إلى صورة متغيرة نسبيًا ومرنة وذاتية.

هل الاهتمام بالمقاصد يقتضي إعدادًا علميًّا مُعَينًا للباحث؟ وكيف يتحقق ذلك؟

يحتاج الباحثون المهتمون بالمقاصد إلى إعداد علمي من دون شك. ومن أجل فهم المقاصد بشكل صحيح، أولاً وقبل كل شيء، من الضروري إتقان الأدب والفكر المقاصدي الكلاسيكي. كما هو معلوم، فإن المقاصد الكلاسيكية كانت تعتبر على قِسْطٍ كبيرٍ مِن جزء أصول الفقه مثل كتاب الموافقات للشاطبي، وإن كثيرًا من مباحث ومسائل علم المقاصد يتم تناولها ضمن عناوين أصولية مثل قضايا القياس (العلة، أنواع القياس، إلخ)، مفهوم المصالح، ودليل الاستدلال والاستصلاح. وبناء على ذلك فإن تضلع الباحث من علم أصول الفقه هو شرط لدراسة علم المقاصد؛ لأن الأصول حاكمة على المقاصد في أدب الفقه الكلاسيكي.

ومن وسائل الإعداد العلمي معرفة الفكر المقاصدي وأسسه ورواده وتراثه في العصر الحديث، مع ضرورة العناية بعدم انفصال الفكر المعاصر عن الفكر المقاصدي التراثي بحيث يمكن تكوين منظور عام وصحيح للمقاصد في ذهن الباحث.

إن إظهار الاهتمام بالمقاصد في الواقع المعاصر دون إتقان فكرة المقاصد في سياقاتها الأصولية في التراث، بمعنى ما، يشكل استخدام المقاصد خارج مهمتها الرئيسية خطرًا كبيرًا، ينبغي الحذر منه والوقوف على سلبياته ومعالجتها. لذلك يجب على الباحث أن يتعامل مع جميع جوانب الفكر المقاصدي التراثي والمعاصر، بما في ذلك تاريخه وأدبياته وقضاياه وطرائقه.