هذه بعض الدروس القرآنية من الكوارث والمحن والتي على المسلم أن يتدبرها ويعيد التمعن والنظر فيها :

1- الكون كله مسخر بأمر الله عزوجل : فلا يحدث فيه شيء من الزلازل أو العواصف أو الكوارث والمصائب إلا بإرادته وحكمته، فإذا جاء أمر الله لا تنفع التنبؤات ولا الراصدات ولا كل أسباب الوقاية، { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ } [غافر: 81].

{ قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ } [ يونس: 101].

2- وهذه الأحداث من علامات الساعة التي أطلع الله نبيه عليها، وأخبر بها النبي ليستعد الناس لها بالتوبة والإنابة والرجوع إلى الله تعالى، كما في البخاري :” لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج: وهو القتل القتل..

  3- من حكم الله في الكوارث إيقاظ الغافلين، واتعاظ المؤمنين، والانتقام من العصاة المذنبين { وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا } [الإسۡراء: 59]. ولقد خوف الله بالكوارث والمصائب والمحن أقواما عبر التأريخ فلم يتعظوا بل ازدادوا فجورا وعصيانا وتماديا في الضلال. { ولقدۡ أخذۡنٰاهم بٱلۡعذاب فما ٱسۡتكانوا۟ لربهمۡ وما یتضرعون } [المؤۡمنون: 76] { ونخوفهمۡ فما یزیدهمۡ إلا طغۡیٰنࣰا كبیرࣰا } [ الإسۡراء: 60]. وقال عز وجل : {ولنذیقنهم من ٱلۡعذاب ٱلۡأدۡنىٰ دون ٱلۡعذاب ٱلۡأكۡبر لعلهمۡ یرۡجعون} [ السجدة: 21].

  4- ولا ينبغي لأحد أن يأمن من عذاب الله تعالى. وعليه الاستعداد بالمراقبة لله، والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه. ولا يقف عند السبب المادي في تفسير آيات الله والنوازل، بل يربط كل ذلك بمالك الملك ومسبب الأسباب، ففي “الصحيحين” : عن عائشة قالت: كان رسول الله إذا عصفت الريح قال: “اللهم، إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به. قالت: وإذا تخيلت السماء [ أي: تهيأت للمطر ] تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سري عنه، فعرفت ذلك عائشة، فسألته، فقال: “لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: { فلما رأوۡه عارضࣰا مسۡتقۡبل أوۡدیتهمۡ قالوا۟ هٰذا عارضࣱ ممۡطرنا بلۡ هو ما ٱسۡتعۡجلۡتم به ریحࣱ فیها عذاب ألیمࣱ } [ الأحۡقاف: 24] .

فعلى المترفين المنعمين المذنبين – من باب أولى – أن لايغتروا بماهم عليه ولايأمنوا مكر الله المفاجئ { أفأمن أهۡل ٱلۡقرىٰۤ أن یأۡتیهم بأۡسنا بیٰتࣰا وهمۡ ناۤئمون * أوأمن أهۡل ٱلۡقرىٰۤ أن یأۡتیهم بأۡسنا ضحࣰى وهمۡ یلۡعبون * أفأمنوا۟ مكۡر ٱللهۚ فلا یأۡمن مكۡر ٱلله إلا ٱلۡقوۡم ٱلۡخٰسرون } [ الأعۡراف: 97-99].

 5- ولا يغتر الآمن بمالديه من أسباب الوقاية التي وصل إليها بعلمه وقوته، فقوة الله وشدة بأسه لايقف بوجهها الخلق كلهم.

{ فلما جاۤءتۡهمۡ رسلهم بٱلۡبینٰت فرحوا۟ بما عندهم من ٱلۡعلۡم وحاق بهم ما كانوا۟ بهۦ یسۡتهۡزءون } [سورة غافر: 83].

{ فأما عادࣱ فٱسۡتكۡبروا۟ فی ٱلۡأرۡض بغیۡر ٱلۡحق وقالوا۟ منۡ أشد منا قوة أولمۡ یروۡا۟ أن ٱلله ٱلذی خلقهمۡ هو أشد منۡهمۡ قوةࣰ وكانوا۟ بٔایٰتنا یجۡحدون * فأرۡسلۡنا علیۡهمۡ ریحࣰا صرۡصرࣰا فیۤ أیامࣲ نحساتࣲ لنذیقهمۡ عذاب ٱلۡخزۡی فی ٱلۡحیوٰة ٱلدنۡیا ولعذاب ٱلۡٔاخرة أخۡزىٰ وهمۡ لا ینصرون } [فصلت :15- 16].

 6- ومن أعظم الحمق والغفلة أن يفسر البعض تلك المصائب بأنها ظواهر طبيعية تتكرر عبر التأريخ، وتنتاب القشرة الأرضية أو الغلاف الجوي عبر الزمن ولايشير إلى حكمة الله منها.

فقد أوضح الله السبب الذي ابتلى به الأمم السابقة بقوله: { وماۤ أرۡسلۡنا فی قرۡیةࣲ من نبی إلاۤ أخذۡناۤ أهۡلها بٱلۡبأۡساۤء وٱلضراۤء لعلهمۡ یضرعون } [ الأعۡراف: 94].

 وأخبر عن تفسيرات الغافلين المادية بقوله: { وقالوا۟ قدۡ مس ءاباۤءنا ٱلضراۤء وٱلسراۤء فأخذۡنٰهم بغۡتةࣰ وهمۡ لا یشۡعرون } [الأعۡراف: 95].

7- والأصل أن المصائب والبلايا بسبب ذنوب الناس { ظهر الفساد فی ٱلۡبر وٱلۡبحۡر بما كسبتۡ أیۡدی ٱلناس لیذیقهم بعۡض الذي عملوا۟ لعلهمۡ یرۡجعون } [الروم: 41]. { وماۤ أصٰبكم من مصیبةࣲ فبما كسبتۡ أیۡدیكمۡ ویعۡفوا۟ عن كثیرࣲ } [ الشورىٰ: 30]، وإذا كان الله قد أهلك قوم لوط وقوم شعيب وصالح ونوح وهود بمعصية واحدة أو ببعض المعاصي، {فكلا أخذۡنا بذنۢبهۦۖ فمنۡهم منۡ أرۡسلۡنا علیۡه حاصبࣰا ومنۡهم منۡ أخذتۡه ٱلصیۡحة ومنۡهم منۡ خسفۡنا به ٱلۡأرۡض ومنۡهم منۡ أغۡرقۡناۚ وما كان ٱلله لیظۡلمهمۡ ولٰكن كانوۤا۟ أنفسهمۡ یظۡلمون } [ العنكبوت: 40]

فالواجب علينا أن لانأمن مكر الله إن وقعنا بما وقعوا به – أو بمثله – من المخالفات. { أفأمن ٱلذین مكروا۟ ٱلسیٔات أن یخۡسف ٱلله بهم ٱلۡأرۡض أوۡ یأۡتیهم ٱلۡعذاب منۡ حیۡث لا یشۡعرون * أوۡ یأۡخذهمۡ فی تقلبهمۡ فما هم بمعۡجزین } [سورة النحۡل: 45- 46].

8- وقد يأخذ الله بهذه الكوارث الصالح مع الطالح، ثم يبعث الناس على نياتهم . { وٱتقوا۟ فتۡنةࣰ لا تصیبن ٱلذین ظلموا۟ منكمۡ خاۤصةࣰۖ وٱعۡلموۤا۟ أن ٱلله شدید ٱلۡعقاب } [الأنفال: 25]. ففي الصحيحين قالت زينب: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال : “نعم إذا كثر الخبث”.

 وفي الصحيحين قال : “إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون، فيصابون معهم، ثم يبعثون على نياتهم”.

أسأل الله تعالى أن يجبر كل المصابين، وأن يعوضهم خيرا، وأن يصرف عنا البلاء والمحن، وأن لايعاملنا بما نحن أهله، بل بما هو أهله، فإنه أهل التقوى وأهل المغفرة.