لا بأس طهور إن شاء الله، هذه العبارة التي نطق بها النبي لتخفيف آلام المرضى، تُعبّر عن رسالة أمل ودعوة لصبر المؤمن في مواجهة المرض. يمر الإنسان بفترات يشعر فيها بالضعف والحاجة إلى الدعم النفسي والاجتماعي والمالي، وهذه الحقيقة تتناسب مع طبيعة الحياة الدنيا. ومن بين هذه الفترات، تأتي فترة المرض حيث يحتاج المريض إلى رعاية طبية ونفسية تخفف عنه آلامه وتساعده في التأقلم مع مرضه.

لقد أولى الإسلام اهتمامًا كبيرًا بزيارة المريض، حيث كانت بمثابة حق من حقوق المسلمين على بعضهم البعض. تتجلى أهمية زيارة المريض في الحديث النبوي الذي يُشجّع على العناية بالمرضى وتخفيف معاناتهم من خلال الكلمات الطيبة والطمأنينة. هذا المقال يستعرض أثر زيارة المريض في الإسلام وكيف أنها تساهم في الشفاء النفسي والبدني، وكيف يمكن للمسلم أن يُحسن من حال المريض من خلال الرعاية الروحية والجسدية.

حق المسلم على المسلم في زيارة المريض

ورعاية من الشرع لحق المريض في التعافي كانت هناك نصوص كثيرة تؤكد على أهمية تلقي العلاج والسعي للشفاء، كما أن هناك نصوصًا أخرى تراعي الجانب النفسي للمريض؛ من مثل التأكيد على أهمية عيادة المريض وكون ذلك من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، قال : حقُّ ‌الْمُسْلِمِ ‌عَلَى ‌الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: وذكر منها عِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وخلال هذه الزيارة يشرع للمسلم أن يخفف عن المريض آلامه بالكلمة الطيبة والبشارة بقرب الشفاء، والدعوة للصبر على المرض وكونه مرحلة تأتي وتمر، والتذكير بما في الصبر على المرض من أجور كبيرة تقرب المسلم من رضوان الله تعالى، والمقارنة بين الآلام المرض وما أعده الله تعالى من أجر للصابرين.

وقد كان النبي يزور المرضى ويخفف عنهم آلامهم بكلماته الطيبة، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ: (‌لَا ‌بَأْسَ، ‌طَهُورٌ ‌إِنْ ‌شَاءَ ‌اللَّهُ). فَقَالَ لَهُ: (‌لَا ‌بَأْسَ ‌طَهُورٌ ‌إِنْ ‌شَاءَ ‌اللَّهُ). قَالَ: قُلْتَ: طَهُورٌ؟! كَلَّا، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ، أَوْ تَثُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ، فَقَالَ النَّبِيُّ : (فَنَعَمْ إِذًا).

أثر زيارة المريض في الوصول للشفاء

وقد انتبه علماؤنا إلى أهمية التخفيف عن المريض كجزء من خطة العلاج حيث “تَنْتَعِشُ الْقُوَّةُ مَعَ شِدَّة قَبُولِ الطَّبِيعَةِ وَفَرَحِ النَّفْسِ فَيَحْصُلُ التَّسَاعُدُ عَلَى الْمَرَضِ وَهُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلِهَذَا صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ عليه السلام «كَانَ يَتَلَطَّف بِالْمَرِيضِ فَتَارَةً يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَتَارَةً تَوَضَّأُ وَصَبَّ عَلَيْهِ وُضُوءَهُ وَتَارَةً يَسْأَلُهُ عَنْ حَالِهِ وَعَمَّا يَشْتَهِيهِ وَيُعَلِّمُهُ دُعَاءً يُوَافِقُهُ»**. وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُرْوَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : “إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَانْفُثُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَيُطَيِّبُ نَفْسَ الْمَرِيضِ”.

وتحدث أمراض كثيرة ويتحير الأطباء في علاجها، وعلاجها في الطب النبوي الشريف القطعي موجود لا يُستعمل لفَرط الجهل وغلبة العوائد الحادثة. وقد قيل:

وَمِنْ الْعَجَائِبِ وَالْعَجَائِبُ جَمَّةٌ … قُرْبُ الشِّفَاءِ وَمَا إلَيْهِ وُصُولُ 

كَالْعِيسِ فِي الْبَيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّمَا … وَالْمَاءُ فَوْقَ ظُهُورِهَا مَحْمُولُ

في الزيارة وقاية من الوساوس

قال المهلب: إن من السُّنَّة أن يخاطب العليل بما يسليه من ألمه … ولا يتركه إلى نزغات الشيطان والسخط، فربما جازاه الله بالتسخيط سخطًا، وبسوء الظن عقابًا” هذا المعنى المهم الذي يؤكد على أحد فوائد زيارة المرضى وهي إنقاذ المريض من الخواطر السيئة التي تأتي من حديث النفس ومن وساوس الشياطين فتقذف في نفسه أن العلاج مستحيل مما يضعف حالته المعنوية وبالتالي تتأثر حالته الجسدية كذلك.

وقد عقد الإمام ابن القيم في كتابه الطب النبوي فصلاً بعنوان: “هَدْيِه فِي عِلَاجِ الْمَرْضَى بِتَطْيِيبِ نُفُوسِهِمْ وَتَقْوِيَةِ قُلُوبِهِمْ” أورد فيه ما رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ «فِي سُنَنِهِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : “إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ، فَنَفِّسُوا لَهُ فِي الْأَجَلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَهُوَ يُطَيِّبُ نَفْسَ الْمَرِيضِ”.

وفي هذا الحديث نوع شريف جدًا من أَشْرَفِ أَنْوَاعِ العِلَاجِ، وهو الإرشاد إلى ما يُطَيِّبُ نفس العليل من الكلام الذي تقوى به الطبيعة، وتنتعش بها القوة، ويبعث بها الحار الغريزي، فيتساعد على دفع العلة أو تخفيفها الذي هو غاية تأثير الطبيب.

كيف تحقق زيارة المريض الأجر في الإسلام؟

في زيارة المرضى إيناس لهم وحتى تحقق الزيارة ما شرعت له وتترك في نفس المريض ومن يرعاه آثارها الطيبة:

  1. لابد أن نصحح النية فيها فلا تؤدى هذه الزيارة كواجب اجتماعي ثقيل على النفس أو رداً لزيارة المريض لنا من قبل أو خوفًا من ملامته أو أحد أقاربه، هذه الزيارة تؤدى اتباعًا للسنة وقيامًا بحق المريض وتأكيدا على رابطة الأخوة الإسلامية وطلبًا للأجر الذي أعده الله لمن يزور مريضًا. عن بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، قال: إِنَّا كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عَائِدَ الْمَرِيضِ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ، فَإِنْ سَأَلَ بِالْمَرِيضِ قَائِمًا أَلْجَمَتْهُ الرَّحْمَةُ، وَإِنْ قَعَدَ غَمَرَتْهُ.
  2. هذه الزيارة يقوم بها الزائر بقصد التخفيف عن المريض ومحاولة إيناسه وبث روح التفاؤل وحسن الظن بالله تعالى وإشعارا له بمكانته في قلب من يزوره وبنية أن يصرف الله تعالى المرض عن الزائر وعن من يحب وشكرًا لله تعالى على نعمة الصحة.
  3. أفسح للمريض مكانًا في قلبك حيث تسمع شكواه بلا ملل ولا ضجر، واختر من العبارات ما يلامس قلبه وإحساسه ولعله يريد فقط أن يجد من يسمعه حتى لو لم يقدم له حلاً.
  4. اغرس اليقين في الله تعالى فالشفاء منه سبحانه وحده وفي كتاب الله تعالى آية كريمة ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: 80]. هو سبحانه وتعالى الشافي وكان الأطباء يكتبون على الوصفات الطبية “الدواء من الطبيب والشفاء من الله تعالى”، هذا اليقين يجعل المريض لا يستبعد الشفاء مهما كان مرضه عضالًا ونسبة الشفاء منه منخفضة أو معدومة.
  5. الاستبشار بقرب فرج الله تعالى والتذكير بقوله تعالى ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5-6]. وهذا يندرج في باب حسن الظن بالله تعالى وهو دليل على قوة الإيمان (قَالَ اللَّهُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي).
  6. تحسين صلته بالله تعالى من خلال القيام بما يستطيع من الطاعات وأيسرها الذكر والدعاء وهما من أعظم القربات إلى الله تعالى ولنتذكر دعاء أيوب عليه السلام ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: 83] مما يعين المريض على الصبر. قَالَ : (ما يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ).
  7. ينبغي أن تتضمن القصص التي نسوقها خلال زيارتنا للمريض تسلية وبشارة، وكم من مريض أعلن الأطباء استحالة شفائه لكن الله تعالى عامله بلطفه وكشف كربته وعاد أحسن مما كان.
  8. قد تضغط الآلام على المريض وقد يجد من قلة اهتمام مرافقيه ما يحمله على تمني الموت لكن لنذكره بقوله : “إِذَا ‌مَرِضَ ‌الْعَبْدُ ‌أوْ ‌سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا”. أجره حاصل على العبادات التي كان يقوم بها ومنعه المرض من القيام بها، ولنذكره توجيه النبي : (لَا ‌يَتَمَنَّيَنَّ ‌أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي). ولنتذكر المريض أن البلاء إذا نزل في عضو فهناك أعضاء سليمة وليتذكر كم عاش سليماً معافًا من الأمراض عند ذلك يدرك كم هي نعم الله تعالى عليه.

ما معنى أن المرض طهور

وكون المرض طهورًا أي مطهرًا للنفس من آثار الذنوب فالذنوب قاذورات معنوية تلوث القلب والعقل والروح، وفي التطهير من الذنوب رفعة لدرجة العبد في الدنيا والآخرة وتأهيل للنفس لكي ترتقي درجات في طريقها إلى الله تعالى. المرض اختبار من الله تعالى للعبد قد يكون مطهرًا له ورافعًا لدرجته مع الرضا والصبر والسعي للتداوي وقد يكون ثقلاً على أثقاله.