تعرف غريب الحديث : لغة: غريب جمعه غرباء. من غَرُبَ عن وطنه غرابة وغُرْبةً: ابتعد عنه وغَرُبَ الكلام غرابةً: غمض وخفى (1).

واصطلاحا: غريب الحديث هو ما يخفى معناه من المتون؛ لقلة استعماله ودورانه على الألسنه، بحيث يبعد فهمه ولا يظهر إلا بالتنقيب عنه في كتب اللغة.

ورسول الله () كان أفصح العرب لسانا وأوضحهم بيانا، وكان الصحابة- رضوان الله عليهم- يعرفون أكثر ما يقوله، ولكن نشأت أجيال لا تعرف من اللغة إلا ما تتخاطب به، وجهلت الكثير من الألفاظ ومعانيها في الحديث وفي غيره ومن هنا كان الغريب في الحديث. وقد أفرد له علماء الحديث علما خاصا لأهميته، إذ يتوقف على تفسيره التفسير الصحيح والتلفظ الصحيح للكلمة أو العبارة الغريبة، وأهم من ذلك يتوقف عليه فهم المعنى الصحيح وما يترتب عليه من استنباط للأحكام والاستفادة من الحديث، وتتأكد العناية به لمن يروى بالمعنى؛ لأنه لا يستطيع أن يختار من الألفاظ والعبارات ما يؤدي المعنى نفسه إلا إذا كان على فهم صحيح للفظ الأصل (2).

يقول ابن الصلاح مبينا أهميته: هذا فن مهم يقبح جهله بأهل الحديث خاصة، ثم بأهل العلم عامة، والخوض فيه ليس بالهين، والخائض فيه حقيق بالتحري، جدير بالتوقي (3)

وسئل الإمام أحمد عن حرف من غريب الحديث فقال: “سلوا أصحاب الغريب؛ فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله () بالظن فأخطئ ” (4).

ومن أمثلة التوقي في تفسير الغريب أنه سئل الأصمعي- وهو من هو في اللغة- عن معنى قول رسول الله () ” والجار أولى بسقبه ” (5)، فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله ولكن العرب تزعم أن السقب: الَّلزيق (6).

ولم يهتم العلماء في هذا الفن بتفسير الغريب فقط، ولكن تتبعوا التفسيرات التي فْسرت على نحو من الخطأ فبينوا أخطاءها (7).

وإذا كان تفسير الغريب إنما هو بالرجوع إلى أهل اللغة واستعمالاتهم فإن العلماء نبهوا إلى أمر هام وهو أنه قد يريد الشارع من بعض الألفاظ غير ما يستعمله العرب، وهذا يدرك بالقرائن والسياقات.

يقول السخاوي مبينا ذلك: ولا يجوز حمل الألفاظ الغريبة من الشارع على ما وجد فيه أصل كلام العرب (دائما) بل لابد من تتبع كلام الشارع والمعرفة بأنه ليس مراد الشارع من هذه الألفاظ إلا ما في لغة العرب، وأما إذا وجد في كلام العرب قرائن بأن مراده من هذه الألفاظ معان اخترعها هو فيحمل عليها ولا يحمل على الموضوعات اللغوية، كما هو في أكثر الألفاظ الواردة في كلام الشارع، وهذا هو المسمَّى عند الأصوليين بالحقيقة الشرعية” (٨8).

وكما ذهب المفسرون للقرآن الكريم إلى تفسير القرآن بالقرآن، كذلك ذهب المحدثون إلى أن أفضل وسيلة لتفسير الغريب في الحديث هو تفسيره بالقرآن والحديث.

قال ابن الصلاح: “وأقوى ما يعتمد عليه في تفسير الحديث أن يُظفر به مفسرا في بعض روايات الحديث “، نحو ما روى في حديث ابن صَيَّاد أن النبي () قال له ” قد خبَّأْتُ خبيئا لك، فما هو؟ فقال: “الدُّخّ” .. (9)، قال ابن الصلاح: “فهذا خفي وأعضل، وفسره قوم بما لا يصح “، وفي معرفة علوم الحديث للحاكم أن: “الدُّخُّ ” بمعنى الزَّخ الذي هو الجماع وهذا تخليط فاحش يغيظ العالم والمؤمن، وإنما معنى الحديث أن النبي () قال له: قد أضمرت لك ضميرا فما هو؟ قال: “الدُّخُّ “- بضم الدال – يعني الدخان، والدُّخُّ هو الدخان في لغة، إذ في بعض روايات الحديث ما نصه: ثم قال رسول الله () إني قد خبأت لك خبيئا- وخبأ له} يوم تأتي السماء بدخان مبين {(الدخان ١٠) فقال ابن صياد: الدُّخُّ، فقال رسول الله () “اخسأ فلن تعدو قدرك ” وهذا ثابت صحيح خرَّجه الترمذي وغيره (10).

وقد قام علماء اللغة والحديث خير قيام في التصنيف في هذا العلم بما يشبه أن يكون إحصاء لما في الحديث من الغريب وشرحه وتفسيره، وكمَّل بعضهم بعضا في هذا المضمار.

ونقتصر في هذه العجالة بذكر المصنفات الكبرى في هذا الفن، والتي هي متاحة للمتخصصين الآن حيث طُبعت، ومن الميسور الحصول عليها:

١ – غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام (11) (ت ٢٢٤ هـ) قال ابن الصلاح في هذا الكتاب: جمع وأجاد واستقصى، فوقع من أهل العلم بموقع جليل (12).

٢ – غريب الحديث لابن قتيبة (ت ٢٧٦ هـ) وقد تتبع فيه ما فات أبا عبيد (13).

٣ – غريب الحديث للخطابي أبي سليمان (ت ٣٨٨ هـ) وقد تتبع ما فات الكتابين السابقين (14).

قال ابن الصلاح: فهذه الكتب الثلاثة أمهات الكتب المؤلَّفة في ذلك (15).

٤ – الفائق في غريب الحديث للزمخشري (ت ٥٨٣ هـ) (16).

٥ – النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (٥٤٤ – ٦٠٦ هـ) (17)، وقد بلغ هذا الكتاب النهاية في هذا الفن الشريف ولم تند عنه إلا أحاديث يسيرة ذكرها السيوطي في “الدر النثير”، و ” التذييل والتذنيب ” (18).

أ. د. رفعت فوزى عبد المطلب