أصل الطاعات والأعمال الصالحات: الصلاة، وهي أم العبادات وأساسها، والعنوان الحقيقي للإيمان، وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وخير الأعمال، وقرة عين الأبرار، وبريد الجنة، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.. وأما صلاة الفجر فلا يخفى ما لها من فضائل كبيرة بين الصلوات، حتى أقسم بها الله تعالى – ولا يقسم الله العظيم إلا بشئ عظيم – وقال عز من قائل: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ *} [الفجر:1 – 2].
ولعظم مكانتها أكد النبي عليه الصلاة والسلام على الرغبة في حضورها فقال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح، لأتوهما ولو حبوا».[1]
وإنما كانت صلاة الفجر جالبة لمزيد فضائل والأجور ربما لما يصحبها من المشقة والعناء ومجاهدة النفس في وقت الأداء، والوضوء على المكاره وأحيانا في البرد الشتوي القارص، فكثيرا – في العرف الشرعي- ما يعظم الثواب والأجر على قدر المشقة والنصب، كما قال ﷺ: « الأجر على قدر نصبك »[2] وقد حازت هذه الصلاة جملة من الفضائل والثواب، ومنها:
أن راتبة صلاة الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها
لقول النبي ﷺ: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ” ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها…. لهما أحب إلي من الدنيا جميعا»[3]ولذا لم يكن عليه الصلاة والسلام يدعها لا في الحضر ولا في السفر، ولا ريب أن أجر فريضة صلاة الفجر نفسها سيكون أعظم من سنيتها.
أن من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله
لقول رسول الله ﷺ: «من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فيدركه فيكبه في نار جهنم» [4]
وقال القرطبي:” وقوله: من صلّى الصبح فهو في ذمّة الله؛ أي: في أمان الله، وفي جواره؛ أي: قد استجار بالله تعالى، والله تعالى قد أجاره، فلا ينبغي لأحد أن يتعرض له بضر أو أذى، فمن فعل ذلك فالله تعالى يطلبه بحقه، ومن يطلبه لم يجد مفرًّا ولا ملجأ، وهذا وعيد شديد لمن يتعرض للمصلين، وترغيب حضور صلاة الصبح [5]
أن صلاة الفجر صلاة مشهودة
كانت صلاة الفجر ملتقى ملائكة الليل وملائكة النهار ويشهدونها مع المصلين، ووقتها قريب من النزول الإلهي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «تفضل صلاة الجميع صلاة أحدكم وحده، بخمس وعشرين جزءا، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر» ثم يقول أبو هريرة: فاقرءوا إن شئتم: {إن قرآن الفجر كان مشهودا} [الإسراء: 78][6]
ويقول الشيخ السعدي: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} أي: صلاة الفجر، وسميت قرآنا، لمشروعية إطالة القرآن فيها أطول من غيرها، ولفضل القراءة فيها حيث شهدها الله، وملائكة الليل وملائكة والنهار.[7]
أن صلاة الفجر في جماعة تورث نور لصاحبها يوم القيامة
لقول رسول الله ﷺ: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بنور من الله يوم القيامة» [8] والجزاء من جنس العمل، ومن جاهد نفسه وآثر القيام عن النوم ومشى في الظلم لأداء صلاة الفجر فسيعوضه الله بنور تام يوم القيامة.
أن حضور صلاة الفجر والعصر في الجماعة عصمة من دخول النار وضمانا لدخول الجنة
لقول رسول الله ﷺ: «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها»[9] ويقول ﷺ: «من صلى البردين دخل الجنة»[10]
والمقصود بالصلاة من الحديثين حسب تفسير الرواة والعلماء هما الصبح والعصر، لأداء الفجر في أول النهار والعصر آخره، فهنيئا لرجال الفجر الذين فازوا بالغنيمة الباردة
أن حضور صلاة الفجر والعشاء في الجماعة برهان على الإيمان
لقول رسول الله ﷺ: «أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والفجر»[11]
وإذا كانت صلاة العشاء والفجر ثقيلة على المنافقين، وإنه بذلك يبرأ شهودهما من النفاق ويشهد لهم بالإيمان
أن صلاة الفجر في جماعة تعدل قيام الليل كله
لقول النبي ﷺ: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله»[12]
وعن الشفاء بنت عبد الله قالت: دخل علي بيتي عمر بن الخطاب، فوجد عندي رجلين نائمين، فقال: وما شأن هذين ما شهدا معي الصلاة؟
قلت: يا أمير المؤمنين صليا مع الناس ـ وكان ذلك في رمضان ـ فلم يزالا يصليان حتى أصبحا، وصليا الصبح، وناما، فقال عمر: لأن أصلي الصبح في جماعة أحب إلي من أن أصلي ليلة حتى أصبح”[13]
وفي رواية أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح، وأن عمر غدا إلى السوق، ومسكن سليمان بين المسجد والسوق، فمر على الشفاء أم سليمان، فقال لها: لم أر سليمان في صلاة الصبح؟ فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه، فقال عمر: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة[14]
ويذكر يحيى بن عبدالرحمن بن مهدي أن أباه قام ليلة ـ وكان يحيي الليل كله ـ، فلما طلع الفجر رمى بنفسه على الفراش، فنام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، فقال: هذا مما جنى علي هذا الفراش، فجعل على نفسه أن لا يجعل بينه وبين الأرض وجلده شيئا شهرين، فقرح فخذاه جميعا.[15]
ولتكن هذه النصوص والآثار شحذ الهمم، وزيادة في العزم والثبات، ودعوة للنهوض من سرير النوم العميق لتأدية صلاة الفجر، والتخلي عن رماد الكسل والخمول لا سيما في فصل الشتاء المثبط عن النهوض المبكر من النوم، حتى تكون بداية اليوم بداية مباركة طيبة كما هو هدي سلف الأمة، ومن سار على الدرب وصل.
على أنه يجب اتخاذ الأسباب الميعنة على الفوز بحضور صلاة الفجر، ومن ذلكم:
- المواظبة على الوضوء قبل النوم
- الالتزام بقراءة أذكار النوم – ولو ذكر واحد – على ديمومة
- الحرص على النوم المبكر والبعد عن السهر المفرط
- عقد النية على القيام لصلاة الفجر
- الاستعانة – بعد الله تعالى – بالغير للاستيقاظ، أو بالوسائل المنبهة
- تجنب تناول الطعام قبيل النوم
- مراجعة سير الصالحين وعبادتهم في كل حين.
ولكي تترقى النفوس وتبقى في ميدان المجاهدة والمصابرة يجب التذكير بنصيحة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:” إن لهذه القلوب إقبالا وإدبارا. فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض”. [16]