يُعد أمين الخولي من أبرز أعلام هذا الاتجاه ومؤسسيه في العصر الحديث منهجية التفسير الأدبي أو البياني، الذى يعنى بالجوانب البلاغية كمدخل لتجديد مناهج التفسير في العصر الحديث، حيث يرى الخولي أن القرآن هو “كتاب العربية الأكبر” وأن المقصد الأسبق والغرض الأبعد هو النظر في القرآن من حيث هو “كتاب العربية الأكبر، وأثرها الأدبي الأعظم، فهو الكتاب الذى أخلد العربية، وحمى كيانها وخلد معها…”([1]) ثم يصل في تحديده لأهمية المدخل الأدبي لمعالجة وتفسير وفهم “النص القرآني” إلى قوله “… إن التفسير اليوم – فيما أفهمه – هو الدراسة الأدبية، الصحيحة المنهج، الكاملة المناحي، المتسقة التوزيع، والمقصد الأول للتفسير اليوم أدبي محض صرف،غير متأثر بأي اعتبار، وراء ذلك… وعليه يتوقف تحقق كل غرض آخر يقصد إليه … هذه هي نظرتنا إلى التفسير اليوم وهذا غرضنا منه”.([2]) “وهذا التفسير الأدبي عندي هو الذى يجب أن يتقدم كل محاولة لمعرفة شئ من فقه القرآن، أو أخلاق القرآن، أو عبارات الإسلام ومعاملاته في القرآن”.([3])

ويحدد الخولي الأهداف الأساسية للتفسير الأدبي، والتى ترمى إلى تحقيق مجموعة من التأثيرات النفسية والاجتماعية والتى عن طريقها تتحقق أهداف الرسالة الإسلامية، وتتمثل أهداف التفسير الأدبي فيما يلي: ([4])

– أنها تقصد إلى التدبير النفسي والاجتماعي في القرآن للحياة الإنسانية، وهذا هو المجال الخاص للقرآن وهو السبيل لتحقيق أهداف الرسالة الإسلامية وتأثيرها على الحياة… وإنكار التفسير العلمي هو من كبريات قضايا المنهج الأدبي في التفسير.

الدراسة الخاصة هي ما لابد لمعرفته حول هذا الكتاب وتتمثل فيما عرف بالنزول والجمع والقراءات أو “علوم القرآن”

– يعمد التفسير الأدبي إلى معاني الآيات القرآنية التى تؤديها ألفاظها العربية المبنية، كما كان يفهما أهل العربية في عهد نزول القرآن ولا تجاوز ذلك فتحمل ألفاظ القرآن شيئاً من المعاني الباطنية أو الإشارة، أو التأويلات المذهبية، أو الصناعات التي تنشط لها علوم العربية من نحو منطقي بعيد عن الطبيعة اللغوية، أو بلاغة فلسفية نظرية نائية عن الأجواء الفنية.

– يهدف التفسير الأدبي – أيضاً – إلى تفسير القرآن موضوعات، لا سوراً، وأجزاء، وقطعاً متصلة، على ضرب من الترتيب.

طريقة التفسير الأدبي وإجراءاته

يرى الخولي أن منهجية تفسير النص القرآني طبقاً للمنحى الأدبي تقوم على “النظرة الموضوعاتية” التى تلتزم ترتيب السور في القرآن للوصول من خلالها إلى رؤية متكاملة نحو موضوع ما في الحياة أو الكون أو الإنسان، أو عالم الغيب أو الشهود. ويقسم الخولي دراسة القرآن إلى صنفين: دراسة حول القرآن، و دراسة في القرآن .

فأما دراسة ما حول القرآن تنقسم إلى: دراسة خاصة قريبة إلى القرآن، ومنها دراسة عامة بعيدة – فيما يبدو من ظاهرة الرأي– ولكنها في تقدير المنهج الأدبي لازمة لفهم القرآن فهماً سليماً دقيقاً. والدراسة الخاصة هي ما لابد لمعرفته حول هذا الكتاب وتتمثل فيما عرف بالنزول والجمع والقراءات أو “علوم القرآن”([5]). وأما ما حول القرآن من دراسة عامة، فهو ما يتصل بالبيئة المادية والمعنوية، التى ظهر فيها القرآن وعاش، وفيها جمع وكتب وقرئ وحفظ, وخاطب أهلها أول من خاطب” وإليهم ألقى رسالته لينهضوا بأدائها، وإبلاغها شعوب الدنيا، فروح القرآن عربية، ومزاجه عربي، وأسلوبه عربي، وقرآنا عربياً غير ذي عوج، والنفاذ إلى مقاصده إنما يقوم على التمثل الكامل، والاستشفاف العام لهذه الروح العربية، وذلك المزاج العربي”([6]), وتهدف هذه الخطوة في التفسير الأدبي إلى تحقيق النص وضبطه وبيان تاريخ حياته، أو التعريف بالبيئة التى فيها ظهر وعنها تحدث.([7])

والخطوة الثانية في منهجية التفسير الأدبي كما يوضحها الخولي هي دراسة القرآن نفسه، وهي على النحو التالي:

– البدء بالنظر في المفردات.

– معنى المفردات في الاستعمال القرآني كلية حسب ورودها، والتعرف على معانيها المتعددة – إن وجدت لها معان متعددة.

– ثم بعد المفردات يكون نظر المفسر الأدبي في المركبات، وهو في ذلك يستعين بالعلوم الأدبية من نحو وبلاغة، باعتبارها أداة من أدوات بيان المعنى والجمال القولي في الأسلوب القرآني.

أما ما حول القرآن من دراسة عامة، فهو ما يتصل بالبيئة المادية والمعنوية، التى ظهر فيها القرآن وعاش

ويربط الخولي في رسمه لمنهجية التفسير الأدبي بين بعدين أساسيين يتعلقان بهذه المنهجية: أولاً – البعد النفسي، حيث يؤكد الخولي على “أن ما استقر من تقدير صلة البلاغة بعلم النفس قد مهد السبيل إلى القول بالإعجاز النفسي للقرآن، بما عرف العلم من أسرار حركات النفس البشرية في الميادين التى تناولتها دعوة القرآن الدينية، وجدله الاعتقادي، ورياضته للوجدانات والقلوب. ثانياً- البعد الاجتماعي، ويتمثل ذلك في العلم بأحوال البشر وهو ما لا يتم التفسير إلا به.

ويؤكد الخولي على حضور “الإصلاح الاجتماعي” و”الإصلاح النفسي” في مقاصد القرآن من خلال التفسير الأدبي، وهو ما يوضحه في حديثه في “من هدى القرآن” تحت عنوان “القادة … الرسل” بقوله “… ونريد هنا لنقف عند هذه الوحدة للاستعمال القرآني في تعبيره بالضعف والضعفين[فَيُضَاعِفَهُ] {البقرة:245} وهي وقفة أدبية…على أنها وقفة ليست وقفة يراد منها الفن للفن، بل هي فنه المرتبط بالهدف الاجتماعي الذى يرمى إليه القرآن دائماً، نبتغيه أول ما يبتغى من هذه الأحاديث…وأن الفن يرجى للفن وحده، فإنا لا نأخذ هنا بهذا الاتجاه. ولا نحسب القرآن قد أخذ به لأنه يجعل فنه القوى وسيلة لإصلاح الحياة البشرية، ذلك الإصلاح الخلقي والاجتماعي العام الذى أنزل من أجله هدى للناس ورحمة.([8])

وتواصل عائشة عبد الرحمن (1912 – 1998) تطبيقاً لمنهجية التفسير الأدبي في التعامل مع النص القرآني، فتؤكد “أن طبيعة النص القرآني من حيث هو كتاب هدى ودين، تقتضي توجيه كل لفظ وآية إلى مناط الهداية والاعتبار”.([9])

وتبدأ تفسيرها حول موضوع “الإنسان” بتتبع اللفظة وورودها واستقرائها في السور المتعاقبة، توضح المعنى المشترك، والخصائص ومقصدها الإصلاحي في كل موضوع، ومن الأمثلة التطبيقية لهذا المعنى ما تورده في كتاب “القرآن وقضايا الإنسان” على النحو التالي، حول لفظه إنسان “… وقد ورد لفظ “الإنسان” في القرآن الكريم، في خمسة وستين موضوعاً، نتدبر سياقها جميعاً، فنطمئن إلى الدلالة المميزة للإنسانية ونبدأ بسورة العلق، أول ما نزل من كتاب الإسلام، وفيها يمكن أن نجتلي الملامح العامة للإنسان، وقد تكرر في هذه السورة الأولى ثلاث مرات؛ إحداها: تلفت إلى آية خلقه من علق، والثانية: تشير إلى اختصاصه بالعلم، والثالثة: تحذر مما يتورط فيه من طغيان، حين يتمادى، به الغرور فيرى أنه استغنى عن خالقه”.([10])

وهكذا تستمر في تفسير لفظ “الإنسان” والموضوعات التى ترتبط بها في كل سور القرآن، وتناقش فيها عدة موضوعات فكرية واجتماعية مثل (قصة الإنسان، مصير الإنسان، إنسان العصر بين الدين والعلم).

أهم الأنساق التفسيرية في المنحى الأدبي

– إبراز جماليات النص القرآني

– البحث في أسرار البلاغة والأسلوب

– النظرة السياقية للنص القرآني ( مادية ومعنوية ولغوية )

خاتمة

الإضافات الفكرية لاتجاه تجديد منهجية التفسير

1 – فيما يتعلق بالمرجعيات المقصاة والاهتمامات المهمشة:

– الموقف من الإسرائيليات .

– الإيجاز في البحوث اللغوية .

– اجتناب التفاصيل في آيات الأحكام .

– الضبط والاعتدال في الأخذ بالروايات .

2 –  فيما يتعلق بربط القرآن بحركة الأمة وواقعها:

– بروز عنصر الواقعية واتجاه التفاسير نحو الواقع.

– اتساع الموضوعات القرآنية لدى المفسرين.

– إبراز دور القرآن في العلم والنهضة العلمية, وإحياء القيم والمرتبطة بهذه القضية.

– تقديم رؤية متماسكة ( متكاملة) للموضوعات التي تشكل الرؤية الأساسية للمسلم.

– تحقيق الانسجام بين القرآن ومستجدات العصر ومتطلباته وتحدياته .

– تحقيق الانسجام بين المسلم المعاصر وبين التفاسير القرآنية من خلال إيضاح المعنى للآيات القرآنية بلغة العصر .


([1])الخولي, أمين. دراسات إسلامية. القاهرة: دار الكتب المصرية، 1996، ص37 .

([2])الخولي, أمين. من هدى القرآن. القاهرة: الهيئة العامة المصرية للكتاب، 1996، ص8.

([3])الخولي, أمين. دراسات إسلامية. مرجع سابق، ص38.

([4])الخولي, أمين. من هدى القرآن. مرجع سابق، ص9 – 10.

([5])الخولي, أمين. دراسات إسلامية. مرجع سابق, ص40.

([6])المرجع السابق، ص42 .

([7]) المرجع السابق، ص43.

([8])الخولي, أمين. من هدى القرآن. مرجع سابق، ص109.

([9])عبد الرحمن, عائشة.القرآن وقضايا الإنسان. القاهرة : دار المعارف، 1999، ص22.

([10]) المرجع السابق، ص20.