عقدت ندوة بعنوان “نظامي الأوقاف والزكاة من منظور مقاصدي” ضمن البرنامج الحواري الرمضاني (وآمنهم من خوف)، الذي تنظمه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر للموسم العاشر وذلك مساء الخميس 21 مارس 2024 بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب وبمشاركة نخبة من العلماء.

شارك في الندوة كل من الدكتور الشيخ خالد بن محمد آل ثاني مدير الإدارة العامة للأوقاف، والدكتور سلطان الهاشمي أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة قطر، والدكتور عبد الفتاح محمد سعد، أستاذ بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة، والدكتور سالم الشيخي عضو المجلس الأوروبي للإفتاء وأدار الحوار الدكتور يحيى النعيمي .

وتحدث في بداية الندوة الدكتور خالد بن محمد بن غانم آل ثاني مدير الإدارة العامة للأوقاف بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر، وأوضح أن الزكاة والوقف وجهان لعملة واحدة تتكامل فيها الأهداف والغايات والمقاصد، وأشار إلى أن المقاصد الشرعية للوقف والزكاة متعددة ومتجددة وبلغ فيها العلماء مبالغ بعيدة، إذ أصدروا فيها الكتب والمجلدات فصارت حجة لكل شخص يريد أن يخوض في أسرار الأحكام الشرعية والمقاصد المتجددة.

وقال الدكتور خالد آل ثاني أن العلماء وجدوا أن المقاصد الشرعية سواء للزكاة أو الوقف تصب في خمسة أمور سميت بالضروريات الخمس، وتشمل الدين والنفس والعرض والنسل والمال، منوها بأن الزكاة والأوقاف يقصدان جميع الضروريات الخمس ويعملون على الحفاظ عليها لأنها تشمل جميع الناس.

وبين الدكتور خالد آل ثاني الفروقات بين الزكاة والأوقاف فالزكاة فريضة وركن من أركان الإسلام و لها وقت معين ومقدار معين ومصارفها محددة في القرآن الكريم، أما الوقف فهو سنة قولية وفعلية وتقريرية من سنن النبي ويعود أجره للإنسان في حياته وبعد مماته، وليس للوقف مدة معينة ويمكن صرفه في أي وقت وكذلك ليس هناك مقدار للصرف.

وتحدث الدكتور سلطان الهاشمي، أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة قطر، عن اجتماع الزكاة والوقف في أمر الإحسان إلى الإنسان، فالزكاة طريقها الإحسان للإنسان بطريق الواجب، والأوقاف الإحسان إلى الإنسان بطريق التبرع، لكنهما في نفس الوقت مهمان في سد كفاية وحاجة الإنسان، وكذلك هما سبب من أسباب القضاء على الفقر إذا أحسن تطبيقهما.

وأوضح د. الهاشمي أن الزكاة هي تزكية للنفس وتطهير لمال المزكي بتخليصه من حق الغير بمجرد أن يبلغ هذا المال نصابه وتتحقق فيه شروط الزكاة، فإذا بلغ المال نصابه أصبح للغير حقا في هذا المال، والمال هما لا يطهر إلا بتخليصه من الحق الذي أصبح حقا للفقراء بمجرد توافر شروط الزكاة فيه.

وأشار د. الهاشمي إلى تطهير نفس المزكي من البخل والشح، لأن البعض يرى أن هذا المال عزيز وحبيب إلى النفس، {وتحبون المال حبا جما } (الفجر :20)، فإذا بلغ نصابه وكان هذا المال مقدار الزكاة يبلغ مليونا أو مليونين أو ثلاثة، فالزكاة تطهرهم من البخل ومن الشح، كذلك الزكاة فيها عصيان لأمر الشيطان، كما في قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (البقرة : 268) .

ولفت د. الهاشمي إلى أن الزكاة أيضا لها أثر اجتماعي وهي من المقاصد المهمة للزكاة، في الشفقة والرحمة على الفقراء والمساكين المحتاجين وسد حاجتهم، بل ربما إذا علم الفقير أن كلما زاد مال الغني وأصبح أكثر ثراءً فإن هذا المال سيعود عليه بالإنفاق، وكذلك هذا فيه نوع من كسر الحاجز النفسي بين الفقير والغني، لأن الفقير دائما ينظر إلى الغني على أن هذا عنده المال والجاه وكذا، وهو فقير لا حول له ولا قوة، فنجد أن هذه الأمور يدخل فيها الحسد ونوع من البغض، فمجرد أن ينفق الغني المال ينكسر هذا الحاجز بين الفقير والغني، لأنه هذا الأمر فيه نوع من الشفقة والرحمة عليهم.

ونبه الدكتور الهاشمي إلى مصارف الوقف كثيرة إلا أنه عند الحديث عن الضروريات الخمس فيجب أن ندخل التعليم ضمن هذه الضروريات ، ونحن بأمس الحاجة في يومنا هذا إلى إدخال الوقف على التعليم، واستشهد بالأوقاف المخصصة لجامعة هارفرد والمقدرة بمليارات الدولارات.

ومن جانبه أكد فضيلة د. سالم الشيخي، عضو المجلس الأوروبي للإفتاء، أن مقاصد الوقف والزكاة من العوامل المؤثرة في صناعة الاجتهاد، وأن نظام الوقف ضمن المنظومة الإسلامية يعد نظاما ماليا اجتماعيا مستقلا، ساهم عبر تاريخ المسلمين الطويلة في تقوية وترسيخ البنية الاجتماعية داخل المجتمع المسلم على أسس من التكافل والتعاون والتعاضد.

وأضاف الدكتور الشيخي إلى ان الوقف يساهم بشكل مباشر في تحقيق معاني الإخوة التي أرساها النبي لوصف المجتمع المسلم حين قال: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (متفق عليه).

وأضاف: أما عن مقاصد الوقف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فللوقف مقاصد تتعلق بالكليات الخمس في الشريعة، فعند القول بأن من مقاصد الوقف ما يتعلق بالكليات الخمس، فإننا نحدد بوضوح المسار الاجتهادي للمجتهد في النظر لهذه المسائل، وهذه المقاصد ليست حكما عاما، وإنما هي في بعدها الأصولي والاجتهادي تعد من المقاصد الخاصة المؤثرة لإنتاج الأحكام والاجتهاد في كل زمان ومكان.

وشدد الدكتور الشيخي أن المجتهد إذا أراد ان ينظر إلى مسألة تتعلق بالوقف فإنه مرتبط بدوائر ثلاث في مقاصد الشريعة يتقيد بها عند النظر في المسائل الاجتهادية المتعلقة بالزكاة والوقف.

وأوضح أن هناك مقاصد عامة للشريعة ومقاصد خاصة بالزكاة ومقاصد جزئية تتعلق ببعض المفردات، كأخذ كرائم الأموال ولذلك الحديث عن مقاصد الوقف ينبغي ان يكون مؤثرا عند الاجتهاد والنظر في مسائل الوقف.

وأضاف الدكتور الشيخي أما المقاصد الخاصة بالجانب الاجتماعي بالنسبة للوقف منها ما يتعلق بتقوية أواصر العلاقات الخاصة بين المسلمين من ذوي الارحام وذوي القربى خاصة ما يعرف بالوقف الأهلي، ومنها ما يتعلق بحفظ كرامة الفقير الذي يتحاشى الوقوع في مذلة السؤال، وسنجد أن الأوقاف تسد هذا الأمر وتحقق هذا المقصد، كما ان التعاون والتكافل الذي يظهر بين الأغنياء والفقراء في المجتمع المسلم الأوقاف مظهر من مظاهره.

ثم عرج الدكتور الشيخي على المقاصد الاقتصادية وما يتيمز به نظام الوقف حيث جمع بين أمرين غريبين : بين أمر ادخار المال وأمر استثماره في نفس الوقت، وإذا أضفنا إليه مقصد التأبيد لأصول الأوقاف وجدنا أنها ستكون من عوامل الإنتاج للإيرادات والمدخرات وكثير من قضايا الإنتاج في المجتمع الإقتصادي.

 ونبه الدكتور الشيخي للفوائد المتحققة من الناحية الثقافية والعلمية مستشهدا بتاريخ الأوقاف العلمية في تاريخ المسلمين وتأثير ذلك على أداء العلماء حيث كانت الأوقاف تغطي كافة احتياجات العلماء وفقا للتخصصات ووفقا للمذهب الفقهي وبذلك يتحقق مقصد الاستقلال لأهل العلم مما يؤثر بشكل مباشر في حفظ الدين وبلاغه، كذلك الأوقاف التي تتعلق ببناء الجامعات والمعاهد والأكاديميات ولم يكن الوقف محصور بالجامعات الدينية بل شملت العلوم الدنيوية وتدرس فيها الطب والهندسة ونحو ذلك، كما أن الأوقاف يمكن أن تساهم في إنشاء مراكز البحوث ومراكز صناعة الرأي العلمي القائمة على البحث والتحليل مستشهدا بانتقال فكرة الوقف العلمي من الحضارة الإسلامية إلى الحضارة الغربية.

من جانبه تحدث الدكتور عبد الفتاح محمد سعد الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية، جامعة حمد بن خليفة عن الزكاة بكونها عبادة مطهرة للمال وتحقق الكثير من المقاصد، من بينها تقليل الفوارق في الثروة والدخل على مُستوى المُجتمع، وتقليل الشحناء وحل الكثير من القضايا الاجتماعية.

وأوضح الدكتور عبدالفتاح إلى تميز الحضارة الإسلامية في هذا الباب وأن نظام الأوقاف انتقل من الحضارة الإسلامية إلى أوروبا بعد استفاقتها من ظلمتها، وكثير من الجامعات الكبرى في أوروبا وأمريكا استنسخت الحضارة الوقفية الإسلامية التي انتقلت إلى تلك المجتمعات وتقدمت فيها تقدما كبيرا.

وأضاف: عندما ننظر إلى العالم الإسلامي والدول الإسلامية يجب أن نسجل أمرا مهما، أن دول فيها أغلبية مسلمة تتذيل قائمة الدول الأكثر فقرا، كما أن هناك دولا ذات أغلبية مسلمة في أعلى الدول الأكثر مديونية، بل أن هناك منها ما تواجه خطر ارتفاع منسوب المياه بارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم، لتواجه خطر الفناء، كما أن معدل دخل الفرد في عدد ليس بقليل من الدول الإسلامية لا زال متواضعاً وفي حالة هشاشة.

وأشار الدكتور عبدالفتاح إلى الحاجة إلى خطط زكوية ووقفية، كل في دولته وفي مكانه، بتحديد كيفية تخريج كل فقير ومسكين إلى حال أخرى، ضمن خطة تغير حاله، وهي من القضايا التي تحتاج إلى دراسات واحصاءات، وأن هناك حاجة إلى التنسيق بين مؤسسة الزكاة ومؤسسة الوقف مع بقية المؤسسات في الدولة التي تعمل على الضمان الاجتماعي.