المفكر الدكتور هشام نشابة هو واحد من أعلام لبنان والعالم العربي، يعتبر رمزا من رموز التربية والتعليم والمعرفة والعلم النافع، كما يعتبر في الوقت نفسه رمز من رموز الأخلاق الحميدة والذوق الرفيع. فهو علامة فارقة في ميادين التربية والتعليم المقاصدي وفي تاريخ لبنان والعالم العربي.

هشام نشابة عالم ومفكر كبير معروف بتواضعه الشديد وشعوره بالحاجة إلى بذل المزيد من الجهود في مجال التربية والتعليم، لا يفتأ يردد بأنه يشعر بالتقصير عندما يقال أن مستوى التعليم في لبنان والبلاد العربية في تراجع متواصل في جميع مراحله ومؤسساته، كما يشعر بالخيبة كلما طغت الطائفية والمذهبية على الحياة العامة اللبنانية والعربية وانتشرت أشكال العنف والفساد في مجتمعاتنا

آل نشابة

وينتمي المفكر هشام نشابة لأسرة “آل نشابة” وهي من العائلات الإسلامية الطرابلسية والبيروتية واللبنانية والعربية. تعود بجذورها إلى القبائل العربية التي أسهمت في فتوحات بلاد الشام ومصر والمغرب العربي، وتلتقي أسرة نشابة مع آل العلمي وعلم الدين وشهاب الدين وإدريس والقصيباتي والقاووقجي والقرق وبربر والقلموني والسبع ورضا وسلهب وسواهم من الأسر الطرابلسية والبيروتية العربية.

وبالرغم من أن أسرة نشابة طرابلسية الأصل، غير أن الوثائق والمستندات التاريخية أشارت إلى وجود بعض أفراد من آل نشابة في بيروت منذ العهد العثماني على غرار الكثير من العائلات الطرابلسية واللبنانية والعربية.

برز من أسرة نشابة العديد من الأئمة والعلماء والشيوخ منهم السادة: العلامة الشيخ محمود عبد الدائم نشابة المتوفى عام 1860، ونجله الشيخ عبد اللطيف نشابة وأحفاده السادة: عبد الوهاب بك نشابة، محمود أفندي نشابة، الدكتور مصطفى نشابة.

وقد ارتبطت أسرة نشابة في القرنين العشرين والحادي والعشرين بأحد علمائها الكبار العالم الدكتور هشام نشابة مدير عام سابق للتربية والتعليم في جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت، والرئيس الأعلى لمعهد الدراسات الإسلامية في بيروت التابع لجمعية المقاصد، ورئيس جامعة المقاصد، وأحد أبرز الذين نهضوا بالتربية والتعليم في مدارس المقاصد في بيروت ولبنان والعالم العربي، وقد تبوأ مناصب عليا علمية وتربوية وثقافية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. له العديد من الإسهامات والمؤلفات في مختلف المجالات العلمية والتربوية والإسلامية.

من هو الدكتور هشام نشابة؟

الدكتور هشام نشابة من مواليد 1931، عاش في بيئة علمية بارزة فقد كان والده الشيخ عبد الوهاب نشابة (1892-1973) قاضيا وعالما ومفكرا وأديبا كما كان أجداده.

تلقّى الدكتور هشام نشابة تعليمه الجامعي في الجامعة الأميركية في بيروت فنال منها درجتي البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية ومن ثم توجّه الى كندا فنال من جامعة مككيل في مونتريال الماجستير والدكتوراه في الدراسات الإسلامية وقد حظي باشراف على أطروحته من البروفسور هاملتون جب الأستاذ في جامعة هارفرد.

عاد الشاب المفعم بالعلم والمعرفة والفكر والثقافة للاسهام في إنشاء جامعة المقاصد التي كانت الجمعية تخطط لإنشائها منذ عهد رئيسها المرحوم محمد سلام. وعمل نشابة معلّما في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت ثم مديرا ثم عميدا ومديرا عاما للتربية والتعليم ثم مؤسّسا للمعهد العالي للدراسات الإسلامية ثم مؤسّسا لجامعة المقاصد ورئيسا لها.

بعد أن نال هشام نشابة شهادة الدكتوراه من جامعة ماغيل في مونتريال كندا سنة 1958، عاد إلى لبنان ليسير على نهج المربين الكبار، إذ قال في إحدى المناسبات: “إذا كنا نريد للبنان أن ينهض، فبالتربية أولاً تكون نهضته، وإذا كنا نريد له أن يصان من التعصب ومن الفساد والصراعات المدمّرة لحياتنا الوطنية فعلينا بالتربية، وإن كنا نريد الإنماء والإزدهار فبالتربية يكون الإنماء والإزدهار”.

وانطلاقاً من هذه القناعة، شغل الدكتور هشام نشابة مناصب قيادية ومسؤوليات كبيرة في العديد من المؤسسات العلمية والتربوية اللبنانية والعربية والدولية، حتى أنك مهما كنت على صلة وثيقة بالدكتور نشابة وتعرف الكثير عن نشاطاته ومبادراته تدهش وأنت تطلع على تفاصيل حياته العملية، وتتساءل بحق: هل تتسع حياة شخص واحد لكل هذا؟

فقد احتلت مسؤوليات التربية والتعليم في مدارس جمعية المقاصد ومعاهدها وجامعتها جزءاً كبيراً من حياته ولا تزال: شغل مركز رئيس مجلس إدارة معاهد التعليم العالي في المقاصد، وأسس ورئس المعهد العالي للدراسات الإسلامية، ثم شارك في تأسيس ورئاسة جامعة المقاصد في بيروت.

 وعلّم نشابه مواد تاريخ العرب الحديث والفكر الإسلامي ومذاهب الفكر التاريخي في الجامعة الأميركية وفي جامعة القديس يوسف وفي الجامعة اللبنانية في بيروت. ولأنه رجل حوار وتسامح، أولى اهتماما كبيرا لتطوير الفهم المتبادل للديانتين الإسلامية والمسيحية. وفي هذا السياق شارك في تأسيس وعضوية معهد الدراسات الإسلامية المسيحية في جامعة القديس يوسف. وأسس في الوقت نفسه مركز التوثيق للعلاقات الإسلامية المسيحية في جمعية المقاصد.

وعلى الصعيد العالمي، حاضر نشابة أستاذاً زائراً، في عدد من الجامعات في الولايات المتحدة، على مدى سنوات في مادة الفكر الإسلامي. كما مثّل نشابه لبنان في المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) وانتخب نائبا لرئيس اللجنة الخاصة لهذا المجلس، ثم رئيساً للجنة التنفيذية في المنظمة، ثم رئيس الشرف لمجلس الموسوعة العربية الصادرة عن الألكسو. وهو عضو مؤسس لمركز دراسات الوحدة العربية، وعضو المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في المملكة الأردنية الهاشمية.

هشام نشابة والمقاصد

انطلقت المقاصد في عهده إنطلاقة علمية وحضارية كبرى سواء في بيروت المحروسة أو في مدارس القرى بل تطوّرت أساليب وطرائق ومناهج وبرامج التربية والتعليم تطوّرا بارزا استقطب بواسطتها قطاعات واسعة من البيارتة واللبنانيين لإلحاق أولادهم في مدارس المقاصد.

لا أحدا يستطيع أن ينكر بأن الدكتور هشام نشابة والمقاصد توأمان لا ينفصلان، ولا أحد يستطيع نكران فضله واسهاماته العلمية والتربوية والثقافية والإدارية في مؤسسات المقاصد باعتباره المدير العام للتربية والتعليم و”الدينامو” العلمي والإداري والمالي في جمعية المقاصد والرئيس الأعلى للمعهد العالي للدراسات الإسلامية ورئيسا لجامعة المقاصد فضلا عن انتخابه عضوا فاعلا في مجلس أمناء جمعية المقاصد لسنوات طويلة.

ومن المقاصد المؤسسة الأم الى تولّيه مناصب لبنانية وعربية وعالمية على غاية من الأهمية منها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. ممثل لبنان في المجلس التنفيذي للأونيسكو في باريس.
  2. رئيس لجنة البرامج والميزانية في المجلس التنفيذي للأونيسكو.
  3. ممثل لبنان في المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
  4. رئيس المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والتعليم (الكسو) التابعة لجامعة الدول العربية.
  5. رئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية لمدة ثمانية وعشرين سنة.

مؤلفاته وإسهاماته العلمية

من الأهمية بمكان القول بأن الدكتور هشام نشابة يعتبر بأن التربية والتعليم مهمة رسولية سامية لأن هدفها الأساسي بناء وتنشئة الأجيال المعاصرة والتي على عاتقها بناء وتطوّر لبنان والعالم العربي والعالم.

بالإضافة إلى مهامه السامية المقاصدية فقد قام بتدريس مادة الفكر الإسلامي في جامعة بيروت العربية والجامعة اليسوعية والجامعة الأميركية. وأيضا مشاركاته في المؤتمرات العلمية في لبنان والخارج فقد قام بالكتابة في الدوريات العلمية وأنتج عدّة مؤلفات منها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. دليل الموضوعات في آيات القرآن الكريم.
  2. فهرس مقالات هشام نشابة.
  3. محاضرات في التربية والتعليم.
  4. حدّثني والدي قال.
  5. محاضرات في العلاقات الإسلامية – المسيحية.
  6. محاضرات في الفكر الإسلامي.

تكريمه من طرف “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”

في إطار تكريمه والاعتراف بفضله، أصدرت “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”، كتابا تكريميا له عام 2015 بعنوان “دراسات في الدين والتربية وفلسطين والنهضة”، وذلك باعتباره أحد أعلام الفكر والتربية والتعليم في لبنان والعالم العربي، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية طوال ثمانية وعشرين عاماً، في مرحلة صعبة عانى لبنان خلالها، ومعه المؤسسة، ويلات الحرب والغزو الإسرائيلي وأكثرها قسوة احتلال بيروت، عاصمة العواصم العربية وأشدها التحاما بفلسطين وشعبها وقضيتها.

فالقضية الفلسطينية لم تكن غريبة عن هموم هشام نشابه ابن مدينة طرابلس، وأحد أركان القلعة المقاصدية، ولم يكن غريباً أن يختار المجال الفكري والعلمي لخدمة هذه القضية، فانتسب إلى مؤسسة الدراسات الفلسطينية، عضواً في مجلس أمنائها، في سنوات تأسيسها الأولى (1968) أي بعد أقل من خمس سنوات من حصول المؤسسين على “العلم والخبر” من الحكومة اللبنانية في أواخر ديسمبر 1963.

وانتخب نشابه عضواً في اللجنة التنفيذية (1976) التي كان يرئسها المرحوم الدكتور قسطنطين زريق. وعندما استقال زريق بسبب تقدمه في السن، انتخب نشابه رئيساً لمجلس الأمناء واللجنة التنفيذية. واستقال عام 2012، لا سأماً ولا تعباً ولا تهرباً بل إصراراً على تشجيع الأجيال الشابة على التقدم لتحمل المسؤوليات في ظل حكمة الشيوخ ومستفيدين من نضج تجاربهم.

وتعالج الدراسات التي يتضمنها هذا الكتاب جملة قضايا كانت في مركز اهتمام هشام نشابة، أعدها باحثون وعلماء عرب، بعضهم أصدقاء له، وبعضهم الآخر زملاء تعاونوا معه أو شاركوه الهم التربوي نفسه. ولقد تم تحديد اهتمامات الدكتور هشام نشابة الرئيسة في: الدين، والتربية، وفلسطين، والنهضة العربية، وقسم هذا الكتاب التكريمي إلى أبواب أربعة ورتب المساهمات في كل باب بحسب التسلسل الأبجدي لمعديها.

اعتُبر هذا الكتاب بمثابة غيض من فيض نشاطات المفكر والمربي الذي تكرمه مؤسسة الدراسات الفلسطينية وهو أقل ما يمكن تقديمه لهذا المفكر الكبير.

وقد ساهم كتاب كبار معروفون في هذا الكتاب من بينهم محمد حسن الأمين (عالم ديني ومستشار في المحكمة الجعفرية العليا وشاعر)،  طارق عبد الفتاح البشري (مستشار ومفكر، والنائب الأول السابق لرئيس مجلس الدولة المصرية)، سليم تماري (أستاذ علم الإجتماع في جامعة بيرزيت وباحث رئيسي في مؤسسة الدراسات الفلسطينية.)، بيان نويهض الحوت (مؤرخة فلسطينية وأستاذة في كلية الحقوق والعلوم السياسية بالجامعة اللبنانية)، رضوان السيد (مفكر إسلامي وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية).

من محاضراته حول الإسلام والمسيحية

ضمن سلسلة “ثلاثاء الكليّة” التي تقيمها كليّة العلوم الدينيّة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت، ألقى البروفسور هشام نشابه محاضرة بعنوان “يسوعيّون ومسلمون في خدمة العيش المشترك في البيئة الجامعيّة”.

وذكر أن “الحضارة، كل حضارة، لا تقوم لها قائمة إلاّ إذا بُنيت على القيَمِ والأخلاق، كالصدق والأمانة والبعد عن الفساد ونبذ العنف والتعصب، فإن تغاضت الحضارة عن هذه القيم كان مآلها إلى الزوالِ وإلى تعاسةِ المجتمع مهما بلغ من تقدمٍ مزعوم. بل إن التقدّم يبقى، بدون هذه القيم، قشرةً سطحيّة ومظاهر لا تؤمّن للمجتمعات حياة كريمة أو سعيدة”. وأضاف: “لا أبالغ إن قلت إن أبرز مثال للتعاون بين اليسوعيين والمسلمين في لبنان في التاريخ الحديث والمعاصر، وفي البيئة الجامعية، كان قيام معهد الدراسات الإسلامية والمسيحية.  ثم توقّف على المبادئ التي اعتمدها المسلمون والمسيحيون حين اجتمعوا لتأسيس المعهد، فقال:

المبدأ الأول: أن المسيحيين هم إخوان المسلمين في الإيمان بالله. وأن الجوامع بينهما أكثر بكثير من الفوارق. وأن من واجب الجامعة التأكيد على الجوامع – أي ما يجمع – لا التأكيد على الفوارق.

المبدأ الثاني: إن على المسلمين أن يدركوا أن المدارس والجامعات لم تعد منابر للتبشير ولا لدعوة المسلمين لترك دينهم وليصبحوا مسيحيين، ولا هي مراكز لتشويه صورة الإسلام والمسلمين. بل إن المدارس والجامعات ذات الرسالات العلمية الرصينة هي اليوم مراكز للتعارف، وطلب العلم بعيداً عن التعصب الذي مآله العنف والتباغض. وأن هذا التعارفَ أساسُ التقاربِ وقبول الآخر.

المبدأ الثالث: أن على المسلمين أن يدركوا أن الدعوةَ للإسلام ليست موجهةً إلى أهل الكتاب وإنما هي موجهة للمسلمين وغير المسلمين على حدّ سواء. بل قد تكون موجهة للمسلمين أولاً حتى يبقى الإسلام العقيدة السمحة والداعية لمرضاة الله عزّ وجل. وكما يردّد العلماء المسلمين عبر العصور، “إن الإسلام إيمان بالجنان، وقولٌ باللسان، وعملٌ بالأركان” (الإمام الجويني).

المبدأ الرابع: إن ربط التبشير بالاستعمار لم يعد صحيحاً اليوم.  فقد ولّى عهد الاستعمار وكذلك انتهى عهد استغلال الدين لتبرير السيطرة على الشعوب وسلب حقوقهم. ولذلك، إن إسرائيل التي تمارس الاستعمار الاستيطاني هي انحراف في مسار التاريخ ونقيض حضارة المستقبل. أما المبادئ التي اعتمدها المسيحيون اليسوعيون كما تبيّنتها في تعايشي الأخوي معهم فهي:

أولا: أن الإسلام ليس خطراً على المسيحية والمسيحيين، بل إن التعايش بين الأديان الإبراهيمية سمة مميزة للحضارة العربية الإسلامية. وإن الخطر على الإسلام والمسيحية يكمن في التطرّف والغلوّ والعنف والتعصب.

ثانيا: إن إسهام المسيحيين في الحضارة العربية والإسلام هو واقع تاريخي. وهو مصدر اعتزاز للمسيحيين والمسلمين على حدّ سواء. وأن استمرار هذا الدور الحضاري للمسيحيين هو جزء من رسالة المسيحيين في الحضارة العربية.