يقول المولى سبحانه وتعالى : {ولا تقفُ ما ليس لك به علم، إنّ السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسئولا} (الإسراء : 36).

حين تطلب معلومات عن إنسان ما قادته الظروف إلى التعامل معك، كأن يكون موظفاً جديداً سيعمل معك أو تحت إمرتك، أو زميل مهمة معينة أو ما شابه ذلك، فإن سعيك لتلك المعلومات لابد أن يكون نوعاً من الإعانة على مواقف وسلوكيات عملية ستؤديها بنفسك.

بمعنى آخر أوضح تلك المعلومات التي جمعتها لابد أن تقوم بالتعامل معها بنفسك، وبطريقتك وآلياتك الخاصة في التحري والتثبت، من أجل تأكيد صحتها وتعزيزها، أو تغييرها وبناء صورة أخرى جديدة للشخص، ولكن كل ذلك وفق حساباتك ، وطريقة تفكيرك ، وأسلوب حياتك وحدك فقط لا غيرك.

حين يوجهنا الله سبحانه وتعالى بقوله { ولا تقفُ ما ليس لك به علم }، فإنما ذلك التوجيه الرباني دعوة للتثبت والتحري والتأكد من أي معلومة تسمعها أو تراها.

بمعنى آخر، لا تقل أو تكتب شيئاً لست واثقاً منه تمام الثقة، لأن ما ستقوله وتكتبه ستكون أنت مسؤولاً عنه فقط، وبالتالي ستحاسب عليه أنت فقط، ربما في الدنيا أحياناً وقبل الآخرة.

{ إنّ السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسئولا } القرآن الكريم يربي أتباعه على استخدام أدوات المعرفة الأساسية: السمع والبصر، وعرض ما يتم سماعه أو رؤيته بعد ذلك على العقل من أجل تمحيصه والتثبت منه قبل قبوله والعمل به ورؤية نتائجه، لأن الجزء المراد بيانه ضمن سلوك التثبت والتحري، هو ذاك السلوك الذي يتبعه كثير من الناس في تعاملاتهم مع الآخرين، والمتمثل في الحكم على الغير وفق ما يراه أو يعتقده آخرون، أو التعامل مع شخص وفق أحكام سابقة عنه، بغض النظر عن ماهية وطبيعة تلك الأحكام، إيجابية كانت أم سلبية.

قيام بعضنا بالحكم على الغير وفق منظور الآخرين، يعني أن نرى بعيون غيرنا، ونسمع بآذانهم، وبالتالي لا شيء يمنع من الوقوع في إثم الحكم على الغير، بناء على معطيات غيرنا، دون بذل الجهد اللازم في البحث والاستقصاء وغيرها من طرق جمع المعلومات.

هذا الأمر يتسع نطاقه ليشمل الشعوب والدول. إذ لا يمكنك أن تحكم على شعب ما أو أمة من الأمم وثقافاتها وعلومها وأخلاقياتها، دون أن تكون على إلمام كاف بها. فإن فعلت وتسرعت في الحكم، تكون قد ارتكبت ذات الخطأ المشار إليه سابقا في التعامل مع الأفراد.

وبناء على ما سبق، احرص دوماً ألا تجعل أحداً يفكر نيابة عنك ، بل لا تستسهل اصدار الأحكام على الآخرين وتقبل بالجاهزة منها دون تمحيص وتدقيق منك، فإنك مسؤول عما تسمع – كما في الآية – بل لتكن لك مقاييسك ومعاييرك الخاصة في بناء أو رسم صور ذهنية للغير.

حاول كخلاصة للموضوع أن تتجنب الحكم على شعب ما في أخلاقياته وأفعاله أو سلوكياته، كما تفعل مع الأفراد، قبل أن تعاشره وتخالطه بنفسك وتتعرف على تفاصيل حياته ويومياته وظروفه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وحاول كذلك أن تدفع عن نفسك اغراءات الأحكام الجاهزة أو المعلبة من لدن الغير، التي تأتيك دون كثير عناء أو جهد غالباً.. هذا منطق غير سوي، لا أخلاقاً ولا شرعا، بل فيه ظلم كبير قد لا تشعر به، إلا إذا وقعت أنت ضحية ذلك حين يأخذ الغير أحكامهم تجاهك بناء على أحكام مسبقة من الآخرين.

فهل ترضاه لنفسك؟ سؤال جدير بالتفكر والتأمل.