إذا ذكر يوم عرفة فقد ذكر أفضل الأيام وأبركها، فيوم عرفة أعظم أيام الله، وليس ثمة يوم طلعت فيه الشمس أو غربت هو خير من يوم عرفة أبدا؛ لأنه يوم تجاب فيه الدعوات، وتقال فيه العثرات، ويباهي الله فيه الملائكة بأهل عرفات، وهو يوم عظّم الله أمره، ورفع على الأيام قدره، وهو يوم إكمال الدين، وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والعتق من النيران، وقد ورد أنه ما رئي إبليس في يوم هو أصغر ولا أحقر ولا أغيظ من عشية يوم عرفة، وقد صح أيضا أن هذا اليوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له.
إن يوما كهذا حري بنا أن نتعرف على فضائله، وما ميزه الله به على غيره من الأيام، خاصة بعد أن تضافرت الأدلة على فضله.
1- يوم العتق من النار
يوم عرفة أعظم أيام الله لأنه أولا يوم العتق من النار، فقد روى الإمام مسلم في «صحيحه»، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله ﷺ قال: «ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة، إنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء».
2- يوم العبودية
عند أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة: «إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي، جاءوني شعثا غبرا».
3- يوم الرحمة
روى ابن خزيمة عن جابر رضي الله عنه: «انظروا إلى عبادي، جاءوني شعثا غبرا ضاجِّين، جاءوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ولم يروا عقابي، فلم يُرَ يوما أكثر عتقا من النار من يوم عرفة».
4- يوم غسل الذنوب
ويوم عرفة أعظم أيام الله، لأنه يوم غسل الذنوب، ففي مصنف عبد الرزاق، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، في حديث الرجلين اللذين جاءا رسول الله ﷺ يسألانه عن أمر دينهم، وكان من جوابه لهما عن يوم عرفة: «فلو كان عليك مثل رمل عالج أو مثل أيام الدنيا, أو مثل قطر السماء ذنوبا، غسلها الله عنك».
5- يوم العفو والمغفرة
عن أنس رضي الله عنه، قول النبي ﷺ، عن ربه يوم عرفة: «أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم له».
6- يوم خير الله
روى ابن عبد البر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: وقف النبي ﷺ بعرفات وكادت الشمس أن تئوب، فقال: «يا بلال أنصت لي الناس»، فقام بلال، فقال: أنصتوا لرسول الله ﷺ، فنصت الناس، فقال:«معاشر الناس، أتاني جبريل آنفا فأقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات», فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، هذا لنا خاص؟ فقال: «هذا لكم ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة», فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير الله وطاب.
7- يوم الله تعالى
إن العاجز من حُرم خير الله في يوم عرفة؛ فقد روي عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه رأى سائلا يسأل يوم عرفة، فقال: «يا عاجز! في هذا اليوم تسأل غير الله؟!»، فاجعل هذا اليوم لله, ولا تنشغل بغير الله, عسانا أن ندرب أنفسنا على الانشغال الدائم بالله في حياتنا.
8- يوم السباق
خطب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بعرفة، فقال: «إنكم قد جئتم من القريب والبعيد، وأنضيتم الظهر -أي: أتعبتم رواحلكم- وأخلقتم الثياب -أي: أبليتم ثيابكم – وليس السابق اليوم من سبقت دابته وراحلته، وإنما السابق اليوم من غُفر له»، فأين السابقون السابقون؟ هذا يومكم الموعود, وهذا نهاركم المنتظر.
9- يوم الصيام
أجمع العلماء على أن صوم يوم عرفة أفضل الصيام في الأيام، وفضل صيام ذلك اليوم أوضحه النبي ﷺ حين قال: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده»، رواه مسلم. فصومه رفعة في الدرجات، وتكثير للحسنات، وتكفير للسيئات, بشرط ترك واجتناب الكبائر.
10- يوم إكمال الدين وإتمام النعمة
في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرءونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فقال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي ﷺ، نزلت وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.
11- يوم عيد
قال ﷺ: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب». رواه أهل السنن.
12- يوم الميثاق
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان-يعني عرفة- وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّر، ثم كلمهم قبلا، قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: 172، 173]. رواه أحمد وصححه الألباني.
13- يوم الشباب
في حفظ جوارحه عن المحرمات في ذلك اليوم؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل بن عباس رديف النبي ﷺ من عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، وجعل النبي ﷺ يصرف وجهه من خلفه، وجعل الفتى يلاحظ إليهن، فقال له النبي ﷺ: «ابن أخي، إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له». رواه أحمد.
14- يوم الدعاء
يرجى إجابة الدعاء في هذا اليوم؛ لقول النبي ﷺ: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير». رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
15- يوم مشهود
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: «اليوم الموعود: يوم القيامة، واليوم المشهود: يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة». رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
16- يوم الوتر
وهو الوتر الذي أقسم الله به في قوله: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر: 3]، قال ابن عباس: الشفع: «يوم الأضحى، والوتر: يوم عرفة»، وهو قول عكرمة والضحاك.
17- يوم الحج
فهو ركن الحج العظيم الذي قال في حقه ﷺ: «الحج عرفة». متفق عليه.
18- يوم التكبير
فقد ذكر العلماء أن التكبير ينقسم إلى قسمين: التكبير المقيد، وأصح ما ورد عن الصحابة قول علي وابن مسعود -رضي الله عنهم- أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى وخاصة بعد الصلوات المفروضة، وأما التكبير المطلق فهو الذي يكون في عموم الأوقات ويبدأ من أول ذي الحجة.
برنامج عملي مقترح
1- بركة السحور: استيقاظ من النوم وسحور.
2- الساعة الأولى: صلاة ركعتين قيام ليل وركعة الوتر، واستغفار ودعاء.
3- الساعة الثانية: ركعتا الفجر وصلاة الصبح جماعة في المسجد، والاعتكاف إلى الشروق.
4- عبادة النوم: نوم ونية صالحة = عبادة.
5- يوم عرفة: الإكثار من الخير، وذكر دعاء يوم عرفة، وتسبيح وتهليل، وجلسة مع الأهل للتعريف بيوم عرفة في كلمة موجزة.
6- بركة الأهل: صلاة العصر.
7- الساعة الثالثة: أذكار المساء، وزيارة أرحام، وزيارة مريض، وإفطار، وصلاة المغرب، والدعاء.
8- بهجة العيد: صلاة العشاء، وجلسة عائلية، وتعلم آداب العيد في كلمة موجزة.