بالرغم من معرفة الناس بمقولة ” كذب المنجمون ولو صدقوا ” إلا أن غالبيتهم يتتبعون مساحات مخصصة في عدد من الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت تطلق عليها “حظك اليوم ” أو “ماذا تقول النجوم Horoscopes ” كما أن هناك آلاف الكتب والمواقع التي تتكلم عن الأبراج وصفات كل منها؛ حيث تجد تلك المادة إقبالا من الكثيرين خاصة الشباب؛ وذلك لما يحيط بها من غموض قد يثير فضولهم حتى وإن لم يعتقدوا فيها، فالقبة السماوية الزرقاء بما تحمله من أجرام تتحرك بنظام دقيق دائما مثار فضول الإنسان ومع عجله الدائم لمعرفة المستقبل حاول الإنسان منذ القدم الربط بين حياته ومستقبله على هذا الكوكب ومواقع وحركة تلك الأجرام؛ لذلك ابتدع التنجيم، لكن هل التنجيم علم مبني على أسس ومبادئ يتم بحثها وتطويرها أم أنه فقط ممارسة توارثها الإنسان؟
نشأة التنجيم وتطوره
كانت بدايات التنجيم مع نشأة الحضارة الإنسانية؛ حيث بدأ الإنسان رصد مواقع النجوم والكواكب وحساب الحركة المنظمة للأجرام المختلفة لاستغلالها في التنبؤ بما قد يحدث له في المستقبل كأسلوب لطمأنة نفسه الخائفة دائما من المستقبل وفي رحلة بحثه عن كيان أكبر يتحكم في أقداره وكانت تلك الحسابات هي الأشكال الأولى لعلم الفلك، فقد كان علماء الفلك هم أنفسهم المنجمون وكان اليونانيون القدماء هم أول من وضع أسس التنجيم التي ما زالت تستخدم حتى الآن حيث قاموا بإعطاء خصائص تأثيرية بدنية وعاطفية للكواكب المختلفة على خريطة أو دائرة الأبراج zodiac ( تخطيط يحدد 12 موقعًاhouse تمر بها الأرض خلال دورتها السنوية حول الشمس، كما يحدد مسارات كواكب المجموعة الشمسية والقمر وتداخل تلك المسارات) وبتحديد البرج الذي ولد فيه الشخص يمكن تحديد صفاته عن طريق حساب تأثير كل كوكب على برجه في وقت ميلاده ونتيجة للحركة المنتظمة لتلك الكواكب يمكن التنبؤ بمواقعها من نفس البرج في المستقبل وبالتالي تأثيراتها المستقبلية عليه، وما زالت نفس الخرائط مستخدمة حتى الآن فيما يسمى خرائط الميلاد birth chart وتوضح تلك الخرائط مواقع الكواكب والقمر من الأبراج المختلفة ومن بعضها البعض في لحظة ميلاد الفرد.
انخفاض شعبية التنجيم
ومع انتشار الأديان وإيمان الإنسان بأن الغيب لا يعلمه إلا الله بدأت تقل شعبية التنجيم، وفي القرن السابع عشر وجه للتنجيم طعنة قوية بعد ظهور النظريات التي تؤكد أن الأرض ليست مركز الكون؛ حيث إنه بهذه الاكتشافات فسدت قواعد الفلك الأساسية التي كانت تعتمد عليها قواعد التنجيم وحاول المنجمون بعد ذلك تحوير تلك القواعد لتتماشى مع الاكتشافات الفلكية الجديدة لكن دون جدوى؛ لذلك انخفضت شعبية التنجيم بشكل كبير جدا في القرون التالية خاصة مع تطور علم الفلك وتفسير العلم للعديد من الظواهر الفلكية التي كانت تثير حيرة الكثيرين، وحاول المنجمون ربطها بالمستقبليات وبالتالي فقد التنجيم مصداقيته التي قد يكون قد حملها قبل ذلك، لكن مع منتصف القرن العشرين بدأ التنجيم في استرجاع شعبيته المفقودة من جديد دون حدوث أي تغيير جوهري في قواعده التي اعترف سابقا بخللها مما يعني خللا حقيقيا في المجتمع.
رأي العلم في التنجيم
عادة يحظى التنجيم بجدل واسع ليس فقط بين العلماء، بل أيضا بين الأشخاص العاديين، فليس هناك أي دليل علمي أو منطقي يثبت وجود علاقة بين موقع الكواكب في وقت معين وشخصية وتصرفات ومستقبل شخص ولد في هذا الوقت، كما أن المنجمين أنفسهم فشلوا في تفسير ارتباط صفات معينة بتأثير كوكب معين؛ حيث يعترف المنجمون بأن قراءة النجوم وترجمتها إلى تنبؤات تختلف من منجم إلى آخر؛ حيث يمكن أن يقوم منجمان بقراءة النجوم لنفس الشخص، فنجد أن كلا منهما قد خرج بتنبؤات متباينة تماما عن الآخر، وأهم الانتقادات العلمية التي وجهت للتنجيم هو خلل خرائط أو دوائر البروج التي يستخدمها المنجمون؛ حيث إنه تم رسمها منذ 2000 سنة ولم يتم تغيرها منذ هذا الوقت، وبالتالي فهي لا تعكس الموقع الحقيقي للأبراج في السماء حاليا؛ حيث تختلف تواريخ الأبراج الفعلية حاليا بحوالي أسبوعين أو ثلاثة عن التواريخ التي يتم استخدامها حاليا، وهكذا نجد أن المنجمين كذبوا ولن يصدقوا أبدا!!
- بثينة أسامة