تُرىى ما حقيقة الردة وما معناها؟ الردة : هي الرجوع في الطريق الذي جاء منه، وهي مثل الارتداد، إلا أنها تختص بالكفر.
والمقصود بها هنا: رجوع المسلم، العاقل البالغ، عن الإسلام إلى الكفر باختياره دون إكراه من أحد – سواء في ذلك الذكور والإناث. فلا عبرة بارتداد المجنون ولا الصبي لأنهما غير مكلفين.
يقول النبي ﷺ: “رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل.
رواه أحمد وأصحاب السنن وحسنه الترمذي.
وقال الحاكم، صحيح على شرط الشيخين.
والإكراه على التلفظ بكلمة الكفر لا يخرج المسلم عن دينه ما دام القلب مطمئنًا بالإيمان.
وقد أكره عمار بن ياسر على التلفظ بكلمة الكفر فنطق بها، وأنزل الله سبحانه في ذلك: (من كفر بالله من بعد إيمانه، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدرًا، فعليهم غضب من الله، ولهم عذاب عظيم).
وقال ابن عباس: أخذه المشركون، وأخذوا أباه وأمه سمية، وصهيبًا وبلالاً، وخبابًا، فعذبوهم، وربطت سمية بين بعيرين، ووجيء قبلها بحربة -وقيل لها: إنك أسلمت من أجل الرجال- فقتلت وقتل زوجها. وهما أول قتيلين في الإسلام.
وأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها – فشكا ذلك للنبي ﷺ فقال له: كيف تجد قلبك؟ قال مطمئن بالإيمان.
فقال الرسول: “إن عادوا فعد”.
متى يكون المسلم مرتدًا؟
إن المسلم لا يعتبر خارجًا على الإسلام، ولا يحكم عليه بالردة إلا إذا انشرح صدره بالكفر، واطمأن قلبه به ودخل فيه بالفعل، لقول الله تعالى: (ولكن من شرح بالكفر صدرًا).
ويقول الرسول ﷺ: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى” ولما كان ما في القلب غيبًا من الغيوب التي لا يعلمها إلا الله، كان لا بد من صدور ما يدل على كفره دلالة قطعية لا تحتمل التأويل، حتى نسب إلى الإمام مالك أنه قال: “من صدر عنه ما يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجهًا ويحتمل الإيمان من وجه، حمل أمره على الإيمان.
أمثلة دالة على الكفر
1 – إنكار ما علم من الدين بالضرورة. مثل إنكار وحدة الله وخلقه للعالم وإنكار وجود الملائكة، وإنكار نبوة محمد ﷺ، وان القرآن وحي من الله وإنكار البعث والجزاء، وإنكار فرضية الصلاة والزكاة، والصيام والحج.
2 – استباحة محرم أجمع المسلمون على تحريمه، كاستباحة الخمر، والزنا، والربا، وأكل الخنزير، واستحلال دماء المعصومين وأموالهم.
3 – تحريم ما أجمع المسلمون على حله “كتحريم الطيبات”.
4 – سب النبي أو الاستهزاء به، وكذا سب أي نبي من أنبياء الله.
5 – سب الدين، والطعن في الكتاب، والسنة، وترك الحكم بهما، وتفضيل القوانين الوضعية عليهما.
6 – ادعاء فرد من الأفراد أن الوحي ينزل عليه.
7 – إلقاء المصحف في القاذورات، وكذا كتب الحديث، استهانة بها واستخفافًا بما جاء فيها.
8 – الاستخفاف باسم من أسماء الله، أو أمر من أوامره أو نهي من نواهيه ، أو وعد من وعوده، إلا أن يكون لحديث عهد بالإسلام، ولا يعرف أحكامه، ولا يعلم حدوده، فإنه إن أنكر شيئًا منها جهلاً به لن يكفر.
وهناك مسائل أجمع المسلمون عليها، ولكن لا يعلمها إلا الخاصة، فإن منكرها لايكفر بل يكون معذورًا بجهله بها، لعدم استفاضة علمها في العامة، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وأن القاتل عمدًا لا يرث، وأن للجدة السدس، ونحو ذلك.
ولا يدخل في هذه الوساوس التي تساور النفس فإنها مما لا يؤاخذ الله بها.
فقد روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: “إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به” وروى مسلم عن أبي هريرة قال: “جاء أناس من أصحاب النبي ﷺ فسألوه فقالوا: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذلك صريح الإيمان”.
وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: “لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هل خلق الله الخلق؟ فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئًا، فليقل آمنت بالله.