على مدى السنتين الاخيرتين استمرت اسعار النفط العالمية بالتراجع بما يشبه حالة السقوط الحر ، ويبدو أن لا احد يعرف متى سيتوقف هذا “السقوط”. في يونيو 2014 هبط سعر برميل النفط الخام الى 110 دولارات ، وفي بدايات 2015 انخفض الى 60 دولار، واليوم يبلغ سعربرميل النفط 27 دولار فقط ، وهو مستوى من الانخفاض لم يشاهد منذ 2004.
الرسم البياني التالي من تقرير وكالة الطاقة الدولية حول سوق النفط يبين انه منذ العام 2014 كان هناك انتاج كبير للنفط ..في الواقع أكبر بكثير مما يحتاج أي طرف.
تاريخ مختصر لصعود وهبوط أسعار النفط
بين عامي 2010 و2014 زاد الطلب على النفط حول العالم ، بينما كانت الكثير من الدول تتعافى من الازمة المالية ، وكان الانتاج العالمي للنفط يصارع لتلبية الحاجة له. الكثير من حقول النفط كانت تقريبا متوقفة عن الانتاج بسبب الصراعات في بلدان مثل ليبيا والعراق ، مما قلل المعروض من النفط ، وجعل بعض الدول تلجأ لاحتياطياتها منه، ما رفع سعر النفط الى 100 دولار للبرميل.
هذه الاسعار المرتفعة للنفط حفزت الولايات المتحدة الاميركية لتكثف عمليات انتاج النفط الصخري في مناطق مثل داكوتا الشمالية وتكساس ، لكن الولايات المتحدة ايضا ضاعفت انتاج النفط الخام منذ 2010.وفي النهاية قابل المعروض من النفط الطلب عليه ، ثم تجاوزه. وهنا وقعت المشكلة.
بحلول منتصف 2014 بدأ الطلب العالمي على النفط بالتباطؤ؛ أوروبا كانت لا تزال تعاني من الفوضى في منطقة اليورو، والاقتصاد الصيني بدأ بالتعثر. لكن الولايات المتحدة واصلت انتاج المزيد من النفط، كما أن العراق وليبيا عادتا الى سوق الانتاج، فبدأ سعر برميل النفط بالإنزلاق ليصل الى 70 دولار.
هنا توقع الكثيرون أن تقوم المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول المنتجة للنفط في اوبك بخفض انتاجها لترفع السعر، كما سبق وان فعلت في الماضي. لكن للمفاجأة هذا لم يحدث . السعودية قررت زيادة الانتاج للمحافظة على حصتها في السوق ، آملة ان يسهم تراجع سعر النفط في سحق منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة ، الذين يحتاجون ان يبقى سعر النفط مرتفعا لتحقيق الربح .
ومنذ اتخاذ السعودية قرارها هذا في اواخر 2014 ظلت أسعار النفط في تراجع، لتصل الى 50 دولار للبرميل، ثم 40 دولار الى ان وصلت الى 30 دولار ، وذلك بسبب ان المعروض من النفط ظل قويا في الوقت الذي اصبح فيه الطلب أضعف من المتوقع ..اضافة الى ما سبق تبين ان منتجي النفط في الولايات المتحدة أكثر قدرة على التكيف مع انخفاض اسعار النفط مماكانت تتوقع السعودية، بقيامهم بتعزيز الانتاج مع تقليل كلفته .وصحيح ان نمو الانتاج قد توقف في الاشهر الاخيرة في الولايات المتحدة لكن ذلك لم يكن بالأمر الخطير كما تم التوقع له.علاوة على ذلك ضاعف العراق انتاجه من النفط منذ 2014 ليصل الى اكثر من 4 مليون برميل في اليوم ، ومع توقيع الاتفاق النووي ستبدأ ايران بتصدير المزيد من النفط هذا العام مع رفع العقوبات عنها ، لتعوض بذلك النقص في المعروض من أي جهة أخرى.
في الأثناء فإن الاقتصادات النامية الأساسية مثل الصين وروسيا والبرازيل مازالت في حالة ركود، وتضع الكثير من القيود على استهلاك النفط. وعلى غير العادة فان الشتاء المعتدل ساعدها في كبح الطلب على وقود التدفئة. كما أن ارتفاع قيمة الدولار تعني الان ان بعض الدول عليها أن تدفع أكثر من أجل استيراد النفط الخام، وهو أمر سيؤدي إلى تقليل المستهلكين.
هذه هي القصة الأساسية. طالما أن العرض يفوق الطلب ستظل أسعار النفط بانخفاض.
انخفاض أسعار النفط ترك اثارا مختلفة حول العالم . مالكو السيارات في دول مثل الولايات التحدة واوروبا واليابان أصبحوا فجأة يدفعون أقل بكثير من أجل البنزين ، ما يعني انه سيكون لديهم أموالا أكثر لصرفها في اتجاهات أخرى. ويمكن القول انه ساعد اقتصاد الولايات المتحدة في العام الماضي، فسيارات الدفع الرباعي والسيارات المستهلكة للبنزين عادت للظهور بقوة.
لكن في المقابل فان منتجي النفط الخام مثل السعودية وروسيا يعانون من أجل موازنة ميزانياتهم، والتعامل مع أزمة انخفاض العوائد . شركات النفط في الولايات المتحدة واماكن أخرى تراقب تبخر الأرباح ، والبنوك في الولايات المتحدة التي مولت عمليات الحفر لاستخراج النفط الصخري بدأت تعاني من خسائر ثقيلة. في الواقع ان ما يحدث تداعياته كبيرة على الجميع .
متى سترتفع أسعار النفط ثانية؟
لا احد يعرف على وجه التأكيد متى سترتفع أسعار النفط. جاد معوض من صحيفة نيويورك تايمز ألقى مؤخرا نظرة على مختلف التوقعات: بعض البنوك تتوقع ان تواصل الاسعار الهبوط الى 20 دولار للبرميل في هذه السنة.آخرون يتوقعون انتعاشا يصل بسعر البرميل الى حوالي 50 او 60 دولار للبرميل مع نهاية هذا العام ومع انحسار طفرة انتاج النفط الصخري وانتعاش الطلب.
وكالة الطاقة الدولية تتوقع ان تنخفض اسعار النفط هذا العام أكثر اذا سرعت ايران من انتاج النفط . وفي سيناريو يفترض ان تقوم ايران بانتاج 600 الف برميل في اليوم بحلول منتصف العام ، مع محافظة بقية اعضاء اوبك على حصصهم الحالية من الانتاج ، فان المعروض من النفط سيتجاوز الطلب ب 1.5مليون برميل يوميا خلال النصف الاول من 2016.. لذلك فانه من المؤكد أن أسعار النفط ستواصل الانخفاض.
في نهاية المطاف فان العرض والطلب مسألة متحركة غير ثابته ، ولا بد من مراقبتها دائما. فكما أن انخفاضا غير متوقع في الطلب وزيادة غير متوقعة في المعروض قد تؤدي الى هبوط أسعار النفط ، فإن العكس صحيح أيضا . بالتالي يمكن الافتراض أن (الحرب الباردة) بين السعودية وإيران اذا تطورت إلى ما هو أبعد، وأدت الى بعض الاضطرابات في انتاج النفط ، فان الأسعار ستعود للارتفاع. أيضا يمكن افتراض أن اسعار النفط المنخفضة ستؤثر بشكل كبير على صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة بحيث لا يمكن احتمال نتائجها، وقد يدفع ذلك الى ارتفاع اسعار النفط.. اذا استعاد اقتصاد الصين عافيته بشكل غير متوقع .. إذا أقدمت إيران على اي عمل يدفع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي الى إعادة فرض العقوبات عليها، كل ذلك يحتمل ان يكون سببا في ارتفاع الأسعار. أو يمكن الافتراض أن الزيادة في المعروض ستستمر والانخفاض في الاسعار كذلك إلى أجل غير مسمى. إنها لعبة تخمينات وفيها الكثير من الاحتمالات المعقولة .
ملاحظة:وفقا لتعريف وكالة الطاقة الدولية فان امدادت النفط تشمل النفط الخام والمكثفات وسوائل الغاز الطبيعي، ومنتجات التكرير وكذلك الوقود الحيوي. وهي تبلغ حاليا حوالي 96 مليون برميل يوميا. النفط الخام والمكثفات تمثل الجزء الأكبر من هذه الامدادات، حيث تبلغ أقل قليلا من 80 مليون برميل يوميا.