منذ مائتي عام كان هناك اعتقاد عند الفلكيين في العالم بأن هناك كوكبًا مفقودًا (مجهولًا)، فحسب التسلسل الرقمي الذي وضعه الفلكي تيتوس، والذي عُرف بقانون بود بعد ذلك (لأن مدير مرصد برلين في ذاك الوقت “بود” هو الذي أشاع هذا القانون بين الفلكيين الألمان): يجب أن يكون هناك كوكب ما بين المريخ والمشتري، ( كويكبات) ويقع على مسافة قدرها 2.8 وحدة فلكية من الشمس؛ حيث إن الوحدة الفلكية هي متوسط بُعد مسافة الأرض عن الشمس، ومقدارها مائة وخمسون مليون كيلو متر.
وفي عام 1802م اكتشف الفلكي بيازي وجود كويكب يدور حول الشمس في مدار متوسط قطره 2.8 وحدة فلكية في المسافة ما بين المريخ والمشتري، ويبلغ قطر هذا الكويكب حوالي ألف كيلو متر – أي أقل من ثلث قطر القمر – وقد سماه سيرس – وبعد هذا الاكتشاف أعلن بود أن نبوءة تيتوس عن وجود كوكب مفقود قد تحققت؛ حيث تتالى اكتشاف حزام الكويكبات في المسافة ما بين المريخ والمشتري؛ حيث وصل عدد هذه الكويكبات إلى ثلاثمائة كويكب عام 1890م.وفي عام 1980م بلغ عدد الكويكبات التي تم اكتشافها وتحديد مداراتها حول الشمس إلى 2289 كويكبًا، ومن المتوقع بعد استعمال أكبر تلسكوب في العالم، والذي يبلغ قطر مرآته 200 بوصة أن يصل عدد هذه الكويكبات لأكثر من مائة ألف كويكب.
ويعتقد أن أصل هذه الكويكبات هو وجود كوكب ما بين المريخ والمشتري، ولكنه انفجر، وكان حزام الكويكبات الحالي هو ناتج الانفجار. وأكبر هذه الكويكبات هو سيرس، ثم يليه حوالي مائتي كويكب يبلغ قطر كل منها مائة كيلو متر، ثم حوالي خمسمائة كويكب تتراوح أقطارها ما بين الخمسين والمائة كيلو متر، أما باقي الكويكبات فأقطارها أقل من خمسين كيلو مترًا. أما أصغر كويكب يمكن رصده من الأرض فلا يزيد قطره عن مائة وخمسين مترًا. إلا أن مركبة الفضاء الأمريكية فوجير التي اخترقت هذا الحزام أثناء ذهابها إلى المشتري سجلت وجود كويكبات تدور حول الشمس تتراوح أقطارها ما بين عشرين سنتيمترًا إلى حبيبات في حجم حبيبة الرمل. والكويكبات ليس لها شكل منتظم، وليست كروية الشكل نتيجة لضعف الجاذبية على تلك الكويكبات.وضعف الجاذبية يؤدي إلى هروب ذرات وجزيئات الغازات من هذه الكويكبات؛ فلذلك فهي بدون أغلفة جوية.
ثم إنه نتيجة لبعدها الكبير عن الشمس فإنها أجرام باردة، وتبلغ درجة حرارتها في المتوسط مائتي درجة مطلقة، أي حوالي سبعين درجة مئوية تحت الصفر، وهي تماثل درجة حرارة أقطاب الأرض في الشتاء القارس.وتتحرك هذه الكويكبات في مدارات، قد يبلغ بعدها عن الشمس 0.83 وحدة فلكية أو 5.8 وحدات فلكية، ولكن في المتوسط 2.8 وحدة فلكية، وهي مدارات إهليجية تميل بحوالي عشر درجات على دائرة البروج السماوية في الغالب.وقد لاحظ العالم الفلكي كيرك وود في عام 1866م أنه نظرًا للكتلة الهائلة لكوكبي المشتري وزحل، فإن هناك قوى جذب لهذه الكواكب العملاقة على الكويكبات مما يؤثر على حركتها في مدارها حول الشمس (أقلاق) ويُخرج هذه الكويكبات عن مداراتها الأصلية، ويُحدث تصادما بينها وبين بعضها الآخر، مما يؤدي إلى حدوث انشطار لبعض هذه الكويكبات.وهناك مجموعة من الكويكبات تُسمى مجموعة أبوللو وهي الكويكبات التي تتأثر بالجاذبية لكوكب الأرض وكوكب المريخ، ويبلغ عددها حتى الآن 23 كويكبا منها أربعة كويكبات تخترق مداراتها مدار دوران كوكب الأرض حول الشمس. كما تم إحصاء عدد الكويكبات التي تتأثر بجاذبية الأرض، ويبلغ قطرها أكثر من كيلومتر بحوالي 1300 كويكب وهي كويكبات تم تصادم عدد منها منذ أزمنة بعيدة مع الأرض، ويحتمل تصادم عدد آخر منها مع الأرض في المستقبل.تصادم الأرض مع المذنبات أمر يكاد يكون مستحيلا، و المذنبات هي أجرام سماوية قادمة من خارج نطاق المجموعة الشمسية، وتأتي لزيارة المجموعة والدوران حول الشمس لأقرب نقطة في دورات زمنية محددة والسباحة في مدارات ثابتة حول الشمس لا تخرج عنها كالمذنب هالي الذي يقترب من الأرض والشمس كل 76 عام، وقد زارنا خلال هذا القرن مرتين في عامي 1910م و 1986م.
ولكن الوضع مختلف بالنسبة للكويكبات؛ نظرًا لأن الأخيرة ذات كتلة صغيرة، ويمكن التأثير عليها بجاذبية الكواكب وإخراجها من مداراتها الأصلية حول الشمس. كما أن الكويكبات هي مصادر النيازك التي تسقط بتأثير جاذبية الأرض، وتحترق في غلافها الجوي، ويمكن مشاهدتها بالعين المجردة في السماء المظلمة ليلاً، وينتج هذا الاحتراق نتيجة للسرعة الهائلة لهذه النيازك داخل الغلاف الجوي للأرض؛ حيث تتراوح ما بين 12 إلى 72 كيلو مترا في الثانية، مما يؤدي إلى احتكاك هذه النيازك مع مكونات الغلاف الجوي ينتج عنه حرارة عالية تؤدي إلى تلاشي هذه النيازك غالبًا في حالة ما كانت كتلتها صغيرة، أما إذا كانت كتلتها كبيرة فإنها تصل إلى الأرض، وهناك حفرة في ولاية أريزونا الأمريكية يبلغ قطرها 1.3 كيلو متر وعمقها 180 مترا مع تكوين حافة حول الحفرة ترتفع بمقدار 45 مترا عن سطح الأرض المحيطة، كما وجد ما يزيد عن خمسة وعشرين طنا من حجر النيازك محطمة وموزعة داخل الحفرة وخارجها.
وهذه النيازك التي تتلاشى في الغلاف الجوي للأرض تعتبر من الأمور العادية؛ حيث يبلغ عددها نحو خمسة وعشرين مليون نيزك يوميًا، يمكن رصدها بالعين المجردة في الليالي الدامسة الظلام إذا كانت أوزانها تزيد عن جرام واحد لما تحدثه من مسار مضيء في السماء لأقل من ثانية خلال النجوم.ويتلاشى يوميًّا في الغلاف الجوي ما بين عشرة إلى مائة طن من هذه النيازك، وهذه إحدى نعم الله سبحانه وتعالى –حيث إنه لولا هذا الغلاف الجوي لكانت هذه النيازك هي المدمر الأول لكل أنواع الحياة على الأرض عند وصولها للسطح.وأكبر حجر نيزكي وجد في العالم على سطح الأرض هو ذلك الذي تم اكتشافه في جنوب إفريقيا ويبلغ وزنه حوالي 45 طنا. وأكبر حجر نيزكي وجد في الولايات المتحدة الأمريكية بلغ وزنه 13 طنا بمنطقة أورجون. ولكن هناك عدة حفر وجدت في العالم يرجع تكوينها إلى ارتطام نيازك عملاقة بالأرض، كالحفرة الموجودة في ولاية أريزونا بأمريكا.
ولكن لم يستدل حتى الآن، أن أحجار النيازك قد تسببت في قتل أي إنسان حتى الآن، اللهم إلا امرأة واحدة وجدت مقتولة داخل منزلها المحطم في الأباما عام 1954م وفسرت على أساس ضربة بحجر نيازك.
وقد أثير في أحد المؤتمرات العالمية للعلوم الفلكية الذي عقد بالولايات المتحدة الأمريكية في العام الماضي بأن أحد الكويكبات يقترب من الأرض، وأن هناك احتمالا لتصادم هذا الكويكب مع كوكبنا الأرض. ووصلت الأمور بأحد المتحمسين لهذا الاحتمال أن دعا إلى استصدار بوليصة تأمين للراغبين ضد مخاطر الكارثة التي ستحدث نتيجة لاصطدام الكويكب بالأرض.أولاً: يجب أن نورد هنا أن خلال هذا المؤتمر نفسه كان هناك رأي معارض تمامًا لاحتمال حدوث التصادم ما بين الكويكب والأرض من علماء من داخل الولايات لمتحدة وخارجها.ثانيًا: إذا أخذنا بفرضية أن الاحتمال ضئيل جدًا ولكنه قائم، فإن معظم الكويكبات التي تخرج عن مدارها نتيجة للإقلاق الحادث عليها من جاذبية الكواكب العملاقة، هي كويكبات صغيرة الكتلة، وهذه عند خروجها من المدار تصطدم بكويكبات أخرى، فتنشطر فتقل كتلتها وعند وصولها للأرض بتأثير الجاذبية الأرضية، فالاحتمال الأكبر هو أنها ستتلاشى في الغلاف الجوي للأرض، والاحتمال الأصغر هو إفلات أجزاء منها من التلاشي الكامل بالجو ووصولها إلى سطح الأرض.
في حالة وصولها إلى سطح الأرض فإن هناك احتمالين:
الأول: هو سقوطها داخل محيط أو بحر، وفي هذه الحالة سوف يؤدي ذلك إلى حدوث موجات مائية عالية الارتفاع، قد تضرب بعض الشواطئ –تتوقف شدة هذه الموجات المغرقة وقسوتها على الكتلة التي ستسقط في المحيط أو البحر- وعن بعد الشواطئ عن منطقة السقوط.
الثاني: هو سقوطها على اليابسة… فإذا كانت المنطقة بها غابات فسوف يؤدي ذلك إلى حريق هائل قد ينتج عنه كمية من السناج (الهباب) يحول دون وصول أشعة الشمس بالقدر اللازم لسطح الأرض محدثًا شتاء عالميًّا قد يطول وقد يقصر… أما إذا كان السقوط في منطقة صحراوية… فسوف يكون هو ألطف القضاء والقدر.
بقي أن نعرف أن هذه الفرضيات والاحتمالات قد ترددت كثيرًا عبر تاريخ الجنس البشري كله، ولكن الله كان خير حافظ ومعين، وهناك من العلماء المعاصرين من يؤمن ببعض هذه الاحتمالات في تفسير أمور كثيرة في التاريخ الطبيعي كظواهر انقراض الديناصورات، وفي تاريخ البشرية كطوفان نوح وتدمير بعض المدن التي انتشر الظلم والفسق بين أهلها.
ونعود الآن لنقرأ في كتاب الله؛ ليعطينا السكينة والطمأنينة، وبأن كل شيء مقدر بعلمه وأمره، وأن نسلم له أنفسنا وجميع أمورنا حلوها ومرها؛ فهو خالقنا ومولانا، وهو أرحم الراحمين، يقول الله تعالى في محكم آياته : “إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكها من أحد من بعده إنه كان حليمًا غفورًا”. (صدق الله العظيم) سورة فاطر: الآية 41.- “وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين”. (صدق الله العظيم). سورة الأنبياء: الآية 16.- “ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم”. (صدق الله العظيم). سورة الحج: الآية 65.
أ. د. مسلم شلتوت