التمثيل يعني المحاكاة، فهل يجوز تمثيل أدوار الصحابة؟ وقد منعت المجامع الفقهية تمثيل الأنبياء، والخلفاء الراشدين، والعشرة المبشرين بالجنة، وذلك لأن الممثل لن يستطيع محاكاتهم ولو بالقليل، أما من سواهم من الصحابة فقد اختلف العلماء في تمثيل شخصياتهم، من بين مانع ومجيز، ومن أجاز فبشروط منها عدم الكذب عليهم، وأن يقوم بهذا الدور من استقامت سيرته من الممثلين ، فلا يمثل دور صحابي، ثم يظهر في عمل آخر بصورة سيئة .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إنه لا بأس بالتمثيليات ، إن لم يكن فيها الكذب ، وذلك لأن الكذب هو الإخبار بخلاف الحقيقة والواقع ، وهذا الرجل ممثل ، وهو لا يقول : إنني فلان نفسه ، ولكنه يقول: أنا أمثل فلاناً ، أي أفعل فعلاً يشبه فعل فلان ، وهذا واقع وحقيقة ، والحاضرون يعلمون كلهم أنه هذا هو المراد بالتمثيلية بخلاف من جاء إليك في بيتك ودق الباب وقال إنه فلان وهو يكذب ، هذا هو الكذب ، أما رجل يقوم بدور إنسان آخر ، فإنه لم يكذب وليس يدعي أنه هو نفسه ، فبناء على هذا لا يكون في المسألة كذب ، ولكن إذا اشتملت التمثيلية على شيء محرم كأن يستلزم تنقص ذوي الفضل فإنها لا تجوز ، وعلى هذا فأرى أن الصحابة رضي الله عنهم لا يمثلون ولا سيما الخلفاء الراشدون منهم .
وجاء في فتاوى وزارة الأوقاف الكويتية : إنه يجب تجنب التمثيل على هيئة رسوم كرتونية للأطفال بالنسبة للخلفاء الأربعة الراشدين وزوجات الرسول ﷺ وبناته وكذلك تجنب تمثيلهم في المسرح أو السينما أو التلفزيون . ثم بالنسبة لسائر الصحابة غير هؤلاء لا مانع من تمثيلهم وتصويرهم برسوم كرتونية للأطفال .
ويقول الدكتور أحمد الريسوني أستاذ الشريعة الإسلامية وعلوم المقاصد: حين يتعلق الأمر بتمثيل أشخاص معينين، كان لهم وجود حقيقي معروف، لابد أن نستثني بلا تردد تمثيل أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام .
فإن تمثلهم ـ مهما كان فيه من تعظيم وإجلال، ومن تحر واحتياط ـ لا يمكن إلا أن يكون فيه مساس بمقامهم وقدسيتهم وعصمتهم، وهذا أمر لا يحتاج إلى تطويل .
وكذلك الشأن في حق الملائكة. والحق أن تمثيل الأنبياء والملائكة لا يجوز الإقدام عليه، سواء كان لمعنيين، أو لمجرد الصفة والمقام .
كما أن تمثيل الصحابة – رضي الله عنهم – يثير أيضا جملة من الإشكالات والمحاذير ينبغي معها اجتناب تمثيلهم على التعيين والتحديد والتشخيص .
تجسيد صور الصحابة رضي الله عنهم وأمهات المؤمنين وآل بيت النبي ﷺ
وعن تجسيد صور الصحابة رضي الله عنهم وأمهات المؤمنين وآل بيت النبي ﷺ في الأعمال الدرامية والسينمائية والتلفزيونية قالت دائرة الإفتاء العام الأردنية :
أصحاب رسول الله ﷺ وآل بيته الكرام لهم مكانة رفيعة ومنزلة عالية، فقد أثنى الله تعالى عليهم وبين لهم هذه المنزلة الرفيعة والمكانة السامية في نصوص متضافرة من القرآن الكريم والسنة النبوية. قال الله تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) المائدة/119، وقال النبي ﷺ : (الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه) رواه الترمذي وابن حبان والبيهقي.
ولقد انطبعت في أذهان المسلمين سلفاً وخلفاً على مر العصور صورة مشرقة ناصعة لأصحاب رسول الله ﷺ وآل بيته الكرام، فهم الذين آووه ونصروه وحملوا معه هذا الدين وقاموا به من بعده حتى أوصلوه إلى مشارق الأرض ومغاربها بصورته السمحة النقية، وإن أي تجسيد لهؤلاء الصحابة وتمثيلهم في عمل تلفزيوني أو سينمائي من شأنه أن يغير هذه الصورة في أذهان الناس وعقولهم، ويزعزع الثقة بهم ويعرضهم للسخرية والاستخفاف؛ فيجعل الناس يتخيلون أن الممثل الذي يؤدي هذه الشخصية هو الصحابي نفسه، أو أن الممثلة التي تؤدي هذه الشخصية هي الصحابية نفسها.
وفي هذا تشويه كبير لسيرة الصحابة رضي الله عنهم ومس بكرامتهم؛ مما يفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم والجدل والمناقشة في أصحاب رسول الله ﷺ. ولا شك أن آل البيت الكرام والإمام الحسن والإمام الحسين رضي الله عنهم من أجلِّ الصحابة وأرفعهم منزلة.
قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) الأحزاب/33؛ لهذا كله يحرم شرعاً تجسيد صور الأنبياء وآل بيت النبي ﷺ ومنهم الحسن والحسين وأزواجه والخلفاء الراشدين، وتمثيل شخصياتهم في الأفلام السينمائية والتلفزيونية، ولا ينبغـي كذلك تمثيل شخصيات باقي الصحابة رضي الله عنهم؛ لتبقى لهم في الأذهان الصورة الجليلة التي رسمت من خلال ما بلغنا من تاريخهم ومواقفهم في الحياة.
وقد صدرت بذلك الفتاوى من المجامع الفقهية ودور الإفتاء في العالم الإسلامي؛ فقد نص على ذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة في دورته الثامنة، وقرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم (107) تاريخ (2/ 11/ 1403هـ)، وقرار رقم (13) تاريخ (16/ 4/ 1393هـ)، وكذلك قرار المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف، وقطاع الإفتاء في الكويت، وهو ما جاء في كتاب سماحة المفتي العام السابق الدكتور نوح علي سلمان رقم (1/1/11/642) تاريخ (27/ جمادى الآخرة/ 1430هـ) الموافق (21/ حزيران/ 2009م).
وقد أجمع هؤلاء كلهم فيما صدر عنهم من فتاوى على حرمة تمثيل آل بيت النبي ﷺ الكرام ومنهم الحسين والحسين، وأمهات المؤمنين، والخلفاء الراشدين، في الأعمال التلفزيونية والسينمائية، وهو ما نراه.