أنس بن مالك الأنصاري هو صحابي جليل، ولد بالمدينة، وأسلم صغيراً وكناه الرسول محمد ﷺ بأبي حمزة. خدم الرسول عليه الصلاة والسلام في بيته وهو ابن 10 سنين. فلقب بخادم الرسول الذي دعا له ﷺ قائلا “اللهم أكثر ماله وولده وبارك له ، وأدخله الجنة” فعاش طويلا، ورزق من البنين والحفدة الكثير.
شهد أنس بن مالك مع النبي ﷺ الحديبية وخيبر وعمرة القضاء والفتح وحنين والطائف وما بعد ذلك، كما شهد حجة الوداع. أطال الله عمره ببركة دعاء النبي ﷺ فكان آخر الصحابة وفاة.. فاستفادت منه أجيال وروى عنه أكثر من 285 صحابيا وتابعيا، كما شهد بيعة الرضوان، وكان مجاب الدعاء.
من هو أنس بن مالك؟
هو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي النجاري من بني عدي بن النجار، خادم رسول الله ﷺ، كان يتسمى به ويفتخر بذلك، وقد ولد رضي الله عنه قبل الهجرة بعشر سنوات، وكنيته أبو حمزة، وأم أنس هي أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها، كانت تحت مالك بن النضر أبي أنس بن مالك في الجاهلية، فولدت له أنس بن مالك، فلما جاء الله بالإسلام أسلمت مع قومها وعرضت الإسلام على زوجها، فغضب عليها وخرج إلى الشام فهلك هناك، ثم خلف عليها بعده أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه.
ما أن هاجر النبي محمد إلى يثرب، حتى دفعت أم سليم ابنها أنس للنبي ليقوم على خدمته، وعمره يومها عشر سنين، وقالت له: “يا رسول الله. هذا أُنيس ابني غلام لبيب كاتب، أتيتك به يخدمك، فادع الله له”، فقبله النبي محمد، ودعا له.
خدم أنس بن مالك النبي محمد مدة مقامه بالمدينة عشر سنين، عامله فيها النبي محمد معاملة الولد، وكنّاه أبو حمزة، فكان يخصّه ببعض أحاديثه، وأحيانا ما كان يناديه “يا بني”، وما عاتبه على شئ فعله، وما ضربه قط.
ولم يكن أنس رغم صغر سنه آنذاك بمعزل عن الأحداث السياسية لدولة الإسلام الوليدة، فقد خرج أنس مع النبي محمد إلى بدر، وهو غلام ليخدم، وما شارك يومها في القتال. كما شارك أنس مع النبي ثماني غزوات منها خيبر والطائف وحنين، كما شهد فتح مكة وصلح الحديبية وعمرة القضاء وحجة الوداع وبيعة الشجرة.
أنس بن مالك بعد وفاة النبي
بعد وفاة النبي محمد، استخلف أبو بكر الصديق على المسلمين الذي شهد بداية عهده ردة العديد من القبائل على سلطة المسلمين وعلى دين الإسلام، فآذن ذلك ببدء حروب الردة. شارك أنس في تلك الحروب، وكان أحد الرماة المهرة، فكان ممن شهد معركة اليمامة، وبعد استقرار الأمور، أراد أبو بكر أن يبعث أنس بن مالك إلى البحرين ليتولى جباية أموال الزكاة، فاستشار عمر بن الخطاب، فقال له عمر: “ابعثه، فإنه لبيب كاتب”، فبعثه.
عاد أنس من مهمته ليجد الخليفة الأول قد مات، وخلفه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، فبدأ بمبايعته، ثم دفع إليه المال. ثم انطلق أنس، وشارك في فتوح العراق وبلاد فارس، وشهد معركة القادسية، وفتح تستر، وهو الذي قدم المدينة المنورة على عمر بن الخطاب بحاكمها الهرمزان أسيرًا.
وبعد الفتوح، سكن أنس البصرة، وأقام فيها يُحدّث الناس بما يحفظ من الحديث النبوي، حتى أحصى علماء الحديث أكثر من مائتي راوٍ عنه. ولما تولى عبد الله بن الزبير الخلافة بعد موت يزيد بن معاوية، كتب ابن الزبير إلى أنس بن مالك ليصلى بالناس بالبصرة، فصلى بهم أربعين يومًا.
قصة أنس بن مالك مع الحجاج
تعرض أنس بعد ذلك إلى محنة عظيمة، فبعد ثورة عبد الرحمن بن الأشعث على حكم الأمويين في العراق، استعرض الحجاج بن يوسف الثقفي أهل البصرة، فجاء أنس، فقال له الحجاج: “يا خبيث، جوّال في الفتن، مرة مع علي، ومرة مع ابن الزبير، ومرة مع ابن الأشعث، أما والذي نفسي بيده، لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة، ولأجردنك كما يجرد الضب”، فقال أنس: «”من يعني الأمير؟”، قال: “إياك أعني، أصم الله سمعك”، فقال أنس: “إنا لله وإنا إليه راجعون”، فأمر به الحجاج فخُتم في يده، وقيل في عنقه “عتيق الحجاج”، الحجاج، أراد أن يذله بذلك.
انصرف أنس فتابعه بعضهم، فقال: “لولا أني ذكرت ولدي وخشيت عليهم بعدي، لكلمته بكلام لا يستحييني بعده أبدًا”، وكتب إلى الخليفة وقتها عبد الملك بن مروان كتابًا جاء فيه: “إني خدمت رسول الله ﷺ تسع سنين، والله لو أن النصارى أدركوا رجلاً خدم نبيهم، لأكرموه، وإن الحجاج يعرض بي حوكة البصرة”، فغضب عبد الملك، وأرسل إلى الحجاج يأمره بأن يعتذر لأنس. فسار الحجاج إلى أنس، وقال له: “يا أبا حمزة غضبت؟”، قال: “أغضب تعرضني لحوكة البصرة”، فقال الحجاج: “يا أبا حمزة، إنما مثلي ومثلك كقول الذي قال: إياك أعني، واسمعي يا جارة، أردت أن لا يكون لأحد علي منطق، أردت أن يعلم أهل العراق إذ كان من ابنك ما كان، وإذ بلغت منك ما بلغت أني إليهم بالعقوبة أوسع”.
مواقف من حياته
شهد أنس رضي الله عنه غزوة بدر مع رسول الله ﷺ، وكان يخدمه، إذ كان عمره حينها اثني عشر عاما، قال أنس بن مالك: كان رسول الله ﷺ من أحسن الناس خلقا، وأرحبهم صدرا، وأوفرهم حنانا، فقد أرسلني يوما لحاجة فخرجت، وقصدت صبيانا كانوا يلعبون في السوق لألعب معهم، ولم أذهب إلى ما أمرني به، فلما صرت إليهم شعرت بإنسان يقف خلفي، ويأخذ بثوبي، فالتفت فإذا رسول الله ﷺ يبتسم ويقول: “يا أنيس، أذهبت إلى حيث أمرتك؟”، فارتبكت وقلت: نعم، إني ذاهب الآن يا رسول الله. والله لقد خدمته عشر سنين، فما قال لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته، وعن أنس بن مالك قال: أتاني معاذ بن جبل رضي الله عنه من عند رسول الله ﷺ فقال: “من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا بها قلبه دخل الجنة”. فذهبت إلى رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله، حدثني معاذ أنك قلت: “من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا بها قلبه دخل الجنة”، قال: “صدق معاذ، صدق معاذ، صدق معاذ”.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خرجت وأنا أريد المسجد فإذا بزيد بن مالك رضي الله عنه، فوضع يده على منكبي يتكئ علي، فذهبت وأنا شاب أخطو خطا الشباب، فقال لي زيد: قارب الخطا، فإن رسول الله ﷺ قال: “من مشى إلى المسجد كان له بكل خطوة عشر حسنات”. وقال الزهري: دخلت على أنس بن مالك رضي الله عنه بدمشق وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت، وقال غيلان بن جرير: قلت لأنس بن مالك رضي الله عنه: يا أبا حمزة، أرأيت قول الناس لكم: الأنصار، اسم سماكم الله به أم أنتم كنتم تسمون به من قبل؟ قال: “بل اسم سمانا به الله”.
عبادته وروايته للحديث النبوي
قال أبو هريرة: “ما رأيت أحدًا أشبه بصلاة رسول الله ﷺ من ابن أم سليم”، وقال أنس بن سيرين: “كان أنس بن مالك أحسن الناس صلاة في الحضر والسفر”، وقال حفيده ثمامة بن عبد الله: “كان أنس يصلي حتى تفطر قدماه دمًا، مما يطيل القيام”.
روى عن:
- النبي محمد
- أبو بكر الصديق
- عمر بن الخطاب
- عثمان بن عفان
- معاذ بن جبل
- أسيد بن حضير
- أبو طلحة الأنصاري… وآخرون
روى عنه:
- محمد بن سيرين
- حميد الطويل
- ثابت البناني
- قتادة بن دعامة
- الحسن البصري
- الزُّهْرِيّ
- الشعبي
- أبو قلابة الجرمي
- مكحول الشامي
- عمر بن عبد العزيز…وآخرون كثيرون
بعض الأحاديث التي رواها أنس بن مالك
يعد أنس بن مالك رضي الله عنه من أكثر الصحابة رواية عن رسول الله ﷺ، وذلك لأنه لازم الرسول الكريم عشر سنوات، مرافقا له وخادما ومتعلما منه، ومن هذه الأحاديث ما رواه البخاري بسنده، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كتب النبي ﷺ كتابا أو أراد أن يكتب، فقيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما. فاتخذ خاتما من فضة نقشه “محمد رسول الله”، كأني أنظر إلى بياضه في يده. فقلت لقتادة: من قال: نقشه محمد رسول الله؟ قال: أنس، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: رأيت رسول الله ﷺ وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتي رسول الله ﷺ بوضوء، فوضع رسول الله ﷺ في ذلك الإناء يده، وأمر الناس أن يتوضأوا منه، قال: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه حتى توضأوا من عند آخرهم.
لأنس بن مالك رضي الله عنه الأثر الكبير في غيره من الناس، ذلك أنه كان رضي الله عنه يحمل الكثير من كنوز السنة النبوية العطرة، بفضل هذه الصحبة الطويلة لرسول الله، ولم يكن ليحتفظ بهذا العلم لنفسه أو يكتمه عن غيره ممن لاقاهم بعد رسول الله، وكان أن بارك الله له في عمره ببركة دعاء النبي، له بقوله “اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته”، فاستفادت منه أجيال التابعين، ورووا عنه وحفظوا ما رواه هو عن رسول الله ﷺ، وقد روى عنه ما يزيد على مائتين وخمسة وثمانين من الصحابة والتابعين، وروى عن النبي ﷺ ما يزيد على 2200 من الأحاديث، مما يدل على عظيم أثره، وعلو همته في تبليغ العلم الذي حصله من الرسول ﷺ.
عندما “ذهب نصف العلم”
قدم دمشق أيام الوليد بن عبد الملك، ثم رحل إلى البصرة يحدث الناس، وفيها توفي رضي الله عنه، قيل: توفي يوم الجمعة سنة 91، وقيل: سنة 92، وقيل: سنة 93 من الهجرة النبوية، وهو آخر من مات من الصحابة عن صفوان بن هبيرة، عن أبيه قال: قال لي ثابت البناني: قال لي أنس بن مالك رضي الله عنه: هذه شعرة من شعر رسول الله فضعها تحت لساني. قال: فوضعتها تحت لسانه، فدفن وهي تحت لسانه، وقال مؤرق العجلي لما مات أنس بن مالك “ذهب اليوم نصف العلم”.