اقرأ أيضا:
ولما كان ديننا الحنيف ينهى عن إيذاء الناس كان حريا بنا نحن كأمة مسلمة أن نحرص على تجنب كل ما يحزن الغير ونتخير الكلمات اللطيفة عند تخطابنا مع الناس. ومع ذلك نجد أن هذا الجانب مهمل من كثير من الناس، ولا يعتبرون الكلمات الجارحة ذنب أو شيء معيب يجب تجنبه.
بل وربما نجد الأمر حتى من رواد المساجد ومن يهتمون بأمور الدين. فقد نسي هؤلاء أو تناسوا أن التخلق بخلق النبي صلى الله عليه وسلم جزء لا يتجزأ من الدين، ونحن مأمورون به من كبيرنا إلى صغيرنا. فقد قال تعالى واصفاً أخلاقه صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[1]. وأمرنا باتباعه في قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)[2]. وكان صلى الله عليه وسلم حليماً، ورحيماً بأمته، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق). وجاء في الحديث الشريف: (قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين قال: إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة)[3].
ولم نسمع عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهر شخصا، أو آذي كبيرا أو صغيرا بقول أو فعل، بل كان ودودا لطيفاً مع الجميع حتى مع نسائه، فلم يضرب واحدة منهم أو يكسر بخاطرها، وكانت أخلاقه كريمة حتى مع غير المسلمين، فقد روى أنس بن مالك – رضي الله عنه: (أن غلاما يهوديا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من عنده وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار)[4]، فهو أمير المؤمنين وقائدهم، ومع ذلك لم يتكبر أو يأنف من زيارة صبي في مرضه، ناهيك عن أن يكون الصبي يهوديا، ولم يؤذيه أو يلعنه أو يقل له أنت من أهل النار، ولم يقلل من شأنه أو شأن أبيه أو يحقره، بل زاره في مرضه ودعاه للإسلام وفرح بنطقه الشهادة وجبر بخاطره وخاطر أبيه، فيا له من طيبٍ، رقيق القلب وكريم كرمٌ يفوق التصور.
أين نحن من هذه الأخلاق العالية الرفيعة؟! هل تواضع أحدنا وزار مريض يصغرنا بسنوات؟ هل فرحنا للغير بخير حدث له؟! هل طببنا يوما على رجل عجوز أو أم مكلومة أو فقير معدم أو ضعيف مهان؟ا هل نسينا الألقاب وتواضعنا للخلق وجبرنا خواطرهم بكلمات طيبة ووجه مبتسم؟! للأسف لا نرى هذا في مجتمعاتنا إلا ما ندر، وما ذلك إلا لانتشار الكبر والعنصرية بين الناس وسيطرة الطبقية في مجتمعاتنا.
فالكبر هو آفة هذا العصر، وهو تلك الخصلة الذميمة التي حذر منها نبينا الكريم وبين أن صاحبها لا يدخل الجنة والعياذ بالله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة رجل في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار رجل في قلبه مثقال ذرة من إيمان)[5]، وهو أكثر سبب يؤدي لكسر الخواطر.
ولا شك أن الإنسان أحياناً تضطره الظروف للتراجع عن مساعدة الغير ومواجهتهم بالصد، ولكن لا يمنع ذلك من أن يكون الصد بتلطف ودون تجريح أو إيذاء بالكلمة أو الفعل أو حتى نبرة الصوت ولغة الجسد. فهذه لغات يفهمها البشر جميعاً ويتواصلون بها بين بعضهم البعض، ويمكن للإنسان أن يؤذي بها غيره أكثر حتى من بطش اليد وضرب النعال، وبالتبرير الصادق المبسط بكلمات طيبة ولينة يفهم الغير ويقدرون ظروف الإنسان ويعذرونه دون أن يتأذوا. فهلا يحاسب كل منا على ما تتفوه به شفاهه، ولينتبه الإنسان إلى أن الكلمة التي تخرج من فمه لا يمكن أن تعود إليه، بل تبقى في الخارج، يدور صداها في رؤوس السامعين ويتكرر أذاها كلما دار ذكرها.
ويمكن تحقيق ذلك بفعل أشياء بسيطة وسهلة مثل الهدية والزيارة والبر وبذل المال والكرم والإطعام ونحوه، فالإنسان ينسى ويغفر بهذه الأشياء البسيطة، ومعظم الخلق تكفيهم الكلمة الطيبة والابتسامة وطلاقة الوجه، وفي كل هذا صدقات وجمع للحسنات وخير كثير. كما أن فيه نشرا للمحبة والوئام بين الناس، فقد روى أبو ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تبسمك في وجه أخيك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة وإرشادك الرجل في أرض الضلالة لك صدقة وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)[10].
نسأل الله أن يرزقنا حسن الخلق ولين الجانب ويجعلنا مصدراً لإسعاد الناس وتطييب خواطرهم، لا لإحزانهم وإيلامهم، وأن يجعلنا هداة مهتدين، محبوبين منه ومن خلقه ومقبولين في الدنيا والآخرة.
[1] سورة القلم، آية ٤.
[2] سورة آل عمران، آية ٣١.
[3] أخرجه مسلم (٢٥٩٩).
[4] أخرجه البخاري (١٣٥٦)، وأبو داود (٣٠٩٥)، والنسائي في السنن الكبرى (٨٥٨٨)، وأحمد (١٣٩٧٧) واللفظ له.
[5] أخرجه مسلم (٩١) مختصرا، والترمذي (١٩٩٩) مطولا، وأحمد (٣٩٤٧) واللفظ له.
[6] أخرجه البخاري (٦٠١٨)، ومسلم (٤٧)، وأبو داود (٥١٥٤)، والترمذي (٢٥٠٠)، وأحمد (٩٩٧٠) واللفظ له.
[7] رواه عبد الله بن عمر، وأخرجه القسطلاني في إرشاد الساري (١/١١)، وحكم بأن إسناده ضعيف وله شاهد. وأخرجه ابن عدي في الكامل في الضعفاء (٦/١٥٨)، والديلمي في الفردوس (٢٢.٣) مطولاً.
[8] أخرجه الترمذي (١٩٨٧) وأحمد (٢١٣٩٢).
[9] سورة فاطر، آية ١٠.
[10] أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب (٣٦٥/٣) وقال إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما. أخرجه الترمذي (١٩٥٦)، وابن حبان (٥٢٩)، وابن عدي في الكامل في الضعفاء (٢٧٥/٥) باختلاف يسير.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين